على عكس ما يعتقده المغاربة، بأن أحلى الأوقات للتسكع في رمضان هي الليل بعد الإفطار، فإن هناك عددا من المواطنين لا يحلو لهم الخروج من بيوتهم والقيام بجولة رمضانية إلا في الساعتين اللتين تفصلانهم عن أذان المغرب. فمن هؤلاء من يجدون راحتهم القصوى في التجول داخل حومتهم، كأنهم يكتشفونها لأول مرة. ومنهم من يعوضون شهواتهم المقموعة بسبب الصيام بشهوة جامحة أخرى لا تبطل صيامهم. أي أن البسطاء عندما يقترب المُغرُب يجدون في ذواتهم شهوة بديلة جامحة هي الأخرى، وهي شهوة شراء المأكولات والمشروبات التي تصبح البديل الشرعي لشهوتي البطن والفرج. يعني الواحد فيهم إيلا شم ريحة الشباكية نيفو كيوقف بحالا شم بارفان ديال نانسي عجرم. عندك الحق، شحال من واحد قْبل المُغرب كيبقى غير يشري في الماكلة، وملي كيجي الفطور ما كيقرّبش لحتى حاجة. واش كيدير للماكلة؟ كيلوحْها؟ لا، كيخلّي هاداك الشي كلو حتى السحور وكياكلو، علاه كاين شي واحد كيلوح الماكلة؟ كاين هاداك اللي ما عندوش ثلاجة تسلّف خمسين درهم قبل المُغرب باش يعمّر البوطا، مشى شراها كلها حوت ورجع للدار ما لقى باش يطيبو. هو يلوحوا للمْشاش. خلال الساعتين اللتين تسبقان أدان المغرب، يتزاحم الناس ويتدافعون في الأسواق والمارشيات والشوارع التي يحتلها أصحاب الفرّاشة. كأن المواطنين تعمى بصيرتهم في هذا الوقت وهم يندفعون إلى شراء ما استطاعت أياديهم الوصول إليه من مأكولات ومشروبات. الجوع فعلا يعطل الحواس إلا حاسة واحدة وهي الشم. بنادم بعقلو كيبان ليك غادي سايكو نيفو كيطوف بيه على الشهيوات. هناك من يخرج من بيته وليس في جيبه إلا عشرون درهما، هي اللي كتدّور، فجأة يوقفه أنفه عند مول الديسير، فيطرطق ربعمية دريال كلها، ثم يمضي سعيدا إلى بيته، قال ليك باغي يفطر ببّاناشي. لكن مباشرة بعد أدان المغرب، وما إن ينتهي من شرب الباناشي يشعر بالندم الشديد حيث يتذكر متأخرا أن كل ما كان في جيبه شربه الآن في جُغمة واحدة، وباش غادي يكمي هو دابا باش؟ هذا الندم الذي يهجم على البسطاء بعد الإفطار شبيه بالندم الذي يهجم على القمّار بعد كل خسارة، لأنهم أيضا يحلفون بألا يكرروا الغلطة، لكنهم يكررونها مع أول تقرقيبة تدخل جيوبهم. وهو ندم مشترك بين كل الذين يسرفون كثيرا في شراء طعام يزين موائدهم دون أن تمتد أياديهم إليه ساعة الإفطار. فهل يخطئ الصائمون حين يبالغون في ملء موائدهم بما لذ وطاب؟ أبدا، البسطاء لا يخطئون.، لأن شهر رمضان بالنسبة للفقراء هو فرصتهم الوحيدة في السنة ليتمتعوا بمائدة متنوعة يتمتع بها عادة الأغنياء على مدار السنة. فالتقشف والزهد في هذا الشهر معني بهما الأغنياء أكثر من الفقراء والله أعلم. دابا بغيتي تقول المزاليط من حقهم يعمْروا الطابلة؟ واش عرفتي شحال من طبسيل كيحطّوه في الفطور؟ أسيدي، رمضان شهر الزهد... والصيام مزيان للجهاز الهضمي باش يرتاح. متافق معاك، هادي على الناس اللي عندهم اللعاقة واللي ديما كيقصّيو، أما المزاليط راه العام كامل والجهاز الهضمي عندهم كيدور في الخْوا. يعني بغيتي دابا في رمضان تقلب الآية، المزاليط تولي الطابلة ديالهم عامرة بما لذ وطاب واخا يشيط عليهم. والأغنياء خاصهم في رمضان يفطروا غير بطبسيل واحد ديال اللوبيا يغمسوا فيه مجموعين؟ إيه، حيت هاداك اللي العام كلو شبعان كيصوم باش يحس بداك الشي اللي كيحس بيها الجيعان. ياك؟ إيوا، وعلاش هادا اللي العام كلو جيعان حتى هو كيصوم؟