يتحدث خطيب المسجد الأقصى محمد أحمد حسين، في خطبته عن العدوان الأمريكي السياسي على الشعب الفلسطيني، وهو العدوان الذي يتجاهل أبسط الحقوق الإنسانية والشرعية والطبيعية لشعب فلسطين في بناء كيانه ونيل حريته وفق إرادته فوق تراب أرضه الطهور، لقد جاء هذا العدوان السياسي السافر، يقول خطيب الأقصى، من رأس الإدارة الأمريكية على شعبنا ليزيد من حدة العدوان العسكري الذي تنفذه سلطات الاحتلال بآلة الحرب الأمريكية لتدمير مقدرات هذا الشعب الصامد المرابط. وفي خطبة المسجد الحرام للجمعة الأخيرة دعا الدكتور سعود الشريم المسلمين إلى التمسك بشريعتهم والعض عليها بالنواجد، وحماية جانبها عن أن يخدش أو يثلم أو أن تتسلل إليها أيدي العابثين، يقلبون نصوصها وثوابتها، ويتلاعبون بأحكامها ومسلماتها كيف شاؤوا على حين غفلة عن استشعار هيبة القرآن الكريم في النفوس. من للأقصى يحرره؟ الخطيب: محمد أحمد حسين المسجد الأقصى يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ لاَ يَالُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْواهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران: .118 يكشف الله أحوال هؤلاء الأعوان بما يفصح عنهم من تصريح أو تلميح بعداوتهم للمسلمين، (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْواهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) آل عمران: ,118 فهل يبقى لعاقل بعد هذا البيان أن يوالي غير المسلمين أو يستضيء بنار غير المشركين، وفي مثل هذا المعنى يقول تعالى: (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً، يُرْضُونَكُم بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة: ,8 ومعنى إِلاًّ: القرابة والعدل، وحينما يكون الكفر ظاهراً يبدي عداوته بجلاء للمسلمين ويبسط يده ولسانه في إيذائهم، ولعل حال المسلمين اليوم شاهد على تسخير قوى الكفر كل وسائل القوة المادية للبطش بالمسلمين والاستعانة بوسائل الإعلام لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وإلحاق الأذى بعقيدتهم وبتعليم دينهم الحنيف، يبدو ذلك واضحاً من خلال الحرب المسعورة التي تشنها قوى الاستكبار على كثير من شعوب الأمة الإسلامية بوسائل مختلفة، وتنفذها تحت ذرائع واهية وبحجج بالية، مردها إلى العداوة المتأصلة والصراع المستديم بين الإيمان والكفر، والإسلام واللاإسلام، وبين الحق والباطل، ورحم الله القائل: كل العداوات قد ترجا مودتها إلا عداوة من عاداك بالدين أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، وفي هذا السياق يأتي العدوان الأمريكي السياسي على شعبنا الفلسطيني، متجاهلاً أبسط الحقوق الإنسانية والشرعية والطبيعية لشعبنا في بناء كيانه ونيل حريته وفق إرادته فوق تراب أرضه الطهور، لا بل يحاول هذا العدوان أن يسلب شعبنا حقه في اختيار من يراه حريصاً على تحقيق أهدافه ورعاية مصالحه، والوفاء بتضحيات هذا الشعب، الذي قدم قوافل الشهداء من أبنائه على امتداد تاريخه النضالي دفاعاً عن حقه وحق أمته في هذه الديار المباركة، التي شرفها الله بأولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وجعلها حلقة الوصل بين ديار المسلمين في رباط عقدي، جسدته معجزة الإسراء والمعراج في رحلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس، لتكون مكةوالقدس ومقدساتهما أمانة في أعناق المسلمين، توجب عليهم دفع غوائل الزمان عنهما وعن ديارهما المباركة، ولتكون حرية هذه الديار علامة على عزة المسلمين ومؤشرا على صلاح حالهم وأحوالهم على امتداد التاريخ الإسلامي، منذ الفتح العمري إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ورحم الله من قال: المسجد الأقصى له عادة ثارت فصارت مثلاً سائرا إذا غدا للشرك مستوطَنا أن يبعث الله له ناصرا فناصر طهره أولا وناصر حرره ثانيا فمن للأقصى اليوم، أما آن لكم أن تنالوا هذا الشرف الرفيع فإنه: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، لقد جاء هذا العدوان السياسي السافر من رأس الإدارة الأمريكية على شعبنا ليزيد من حدة العدوان العسكري الذي تنفذه سلطات الاحتلال بآلة الحرب الأمريكية لتدمير مقدرات هذا الشعب الصامد المرابط، للنيل من إرادته الصلبة التي غدت عصيَّة على كل مخططات الاستعمار والاستيطان والاحتلال الهادفة إلى إذلال شعبنا وإهانته والمس بكرامته، ودفعه إلى القبول بما تمليه أمريكا وتقوده الغطرسة والعدوان بحلول استسلامية للقضية الفلسطينية، التي طالما انتظر حكام الأمة من أمريكا حلولاً لها أو خلاصاً من تبعاتها. إن حلول المسخ التي تهدف إلى تصفية القضية وحقوق شعبنا، تعيد للأذهان أنظمة الفصل العنصري وروابط القرى وإبراز دور العملاء في ظل إدارات مدنية وعسكرية تكرس الاحتلال وتعيد جروحه. إن هذا العدوان لن ينطلي على شعبنا الذي قدم ومازال يقدم التضحيات الجسام لنيل حريته وتحرير أمره والمحافظة على كرامته، لا يوجد شعب في العالم يعاني ويلات الاحتلال ويذوق مرارة الظلم التي حولت الضحية إلى جلاد، والمعتدى عليه إلى معتد، وجعلت من الجلاد حملاً وديعاً يدافع عن نفسه من خلال الاجتياحات المتكررة للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وفرض العقوبات الجماعية، التي تطال كل الشعب في الحصار، والأطواق وفرض نظام منع التجول ومنع إقامة الصلاة في المساجد لمنع وصول المصلين إليها، وإقامة الجدران السياسية والعسكرية ونصب الحواجز العسكرية التي تفيض عندها أرواح الأطفال والمرضى والجرحى، ليكونوا شهداء، لترتفع أرواحهم شاكية إلى الله ظلم الظالمين واعتداء المعتدين. ومع هذا كله فلن ينالوا من هذا الشعب مناهم، ولن يكون كالهنود الحمر غريباً في وطنه، وصدق الله العظيم إذ يقول: (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوء، وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ) الممتحنة: .2 أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، إن اجتياز هذه المرحلة في حياة شعبنا وقضيته العادلة يتطلب منا في ظل استمرار العدوان وممارساته الجائرة في حق أرضنا وشعبنا مزيداً من الصبر والثبات والتمسك بالحق، والوعي بما يحيط هذا الشعب وقضيته من مؤامرات ومخططات، يحاول العدوان تمريرها بتوسيع العدوان وفرض الأمر الواقع، في ظل عجز عربي وتخاذل إسلامي وصمت دولي في عالم غابت فيه الحقائق واختل فيه ميزان القوى، وشوهت فيه الصورة المشروعة في مقاومة الاحتلال والمحتلين، وكأنه لا يحق للشعب الذي اكتوى بويلات اللجوء والشتات والحرمان أن يعيش كسائر شعوب العالم في أمن وحرية وكرامة فوق تراب وطنه الغالي. أيها المسلمون، إن التعاون والتكاثف والتلاحم بين أبناء شعبنا يعينه على الصمود والاستمرار في الدفاع عن كرامة الأمة ومقدساتها وحضارتها وتاريخها في هذه الديار المباركة. فيا أيها الشعب المرابط والمكافح، مزيداً من الوحدة ورصّ الصفوف وتوحيد الجهود ونبذ كل خلاف وتطويق كل فتنة، وليكن الحوار البناء سبيلاً لتجاوز كل العقبات، وطريقاً للوصول إلى ما يحقق نفع الوطن والمواطن ويعين على الخلاص من نير الاحتلال والمضي قدماً نحو تحرير البلاد والعباد، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». إمام الحرم المكي في خطبة الجمعة:فليصمت الرويبضة دعا إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور سعود الشريم، المسلمين إلى التمسك بشريعتهم والعض عليها بالنواجد، وحماية جانبها عن أن يخدش أو يثلم أو أن تتسلل إليها أيدي العابثين يقلبون نصوصها وثوابتها، ويتلاعبون بأحكامها ومسلماتها كيف شاؤوا على حين غفلة عن استشعار هيبة القرآن الكريم في النفوس. وبين في خطبة الجمعة الماضية أن للمسلمين شدة في دينهم وقوة في إيمانهم يباهون بهما من عاداهم من أهل الملل، وأن في عقيدتهم ونصوص الوحيين عندهم أوثق العرى لارتباط بعضهم ببعض ودفاع بعضهم عن بعض تحت جامعة الإسلام الحقة، وأن مما رسخ في نفوس المسلمين أن في الإيمان بالله وبما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم على وجه الانقياد والتسليم كفالة لسعادة الدارين، وأن من حرم ذلك التمسك والانقياد فقد حرم التوفيق والسعادة. وتابع يقول: «إن المدلهمات الحديثة والخطوب التي اعترت حياض المسلمين وقوضت روابطهم استطاعت أن تكون في أنفسهم شيئا من الذعر والفرق اللذين أفرزا في نفوس بعض المسلمين إحساسا بالانهيار، وترددا في القناعات ببعض الجوانب في الشريعة، واستحياء في التمسك بالدين والاعتزاز بالشريعة الحية، بل لقد تعدى الأمر إلى أكثر من ذلك، حيث نبتت نابتة تريد عزو أسباب الانهيار والضعف لدى المسلمين إلى ما يحملون في أنفسهم من تطبيق لشريعة الإسلام في عصر العولمة وتصارع الحضارات»، ويضيف الشريم «فأخذوا يلفقون التهم لعقيدة الأمة ولأصالتها وعالمية رسالتها، ورأوا أن في تطبيق الشريعة على ما عهده المسلمون في القديم والحديث مانعا من تعانق الحضارات ونوع تخلف ورجعية»، مسجلا اختلاط مصادر التقرير في صفوف المتحدثين حتى تحول الصحفي فقيها ومرجعية دينية تضع المعايير للمصيب والمخطئ كيفما اتفق، وانقلب السياسي مشرعا والعامي ناقدا، وفُقدت المرجعية الشرعية بعد تهميشها بين أوساط الناس. وأرجع إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الشريم ذلك إلى بعد العلماء، مستدلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنها ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال السفيه يتكلم في أمر العامة». وذكر أنه في هذه الآونة تأثر كثير من الناس بكثرة المطارحات والمجادلات التي تمس أصولا في الدين... بما رأوه من حركة إعلامية تنشط مثل هذه المجادلات والمحاورات وتنوع أساليب التأويل والصرف لمعاني النصوص الشرعية، وضرب بعضها ببعض وتقديم العقل والتعايش العالمي والمصلحة الدولية والوطنية على النص الشرعي. وأكد أن الواجب على كل مسلم كمال التسليم لشريعة الله والانقياد لما فيها وتلقي ذلك بالقبول والتصديق دون معارضتها بخيار باطل، ولو سماه الناس معقولا أو مصلحة أو ضغطا حضاريا، كما لا يجوز لأحد أن يحمل الشريعة شبهة أو شكا أو يقدم عليها آراء الرجال وزبالة أذهانهم، فلا يصح إلا التحكيم والانقياد والتسليم والإذعان للشريعة واستشهد بقوله تعالى: (فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)، (وما كان لمومن ولا مومنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا). وأوضح الدكتور الشريم أن الواجب على الولاة والعلماء والدعاة أن يكونوا حماة لجناب الشريعة، وأن يتصدوا لكل غارة على حماها، وأن يقفوا في وجوه العابثين بها وبأحكامها وثوابتها، وبيان الحق لهم ودعوتهم إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلتهم بالتي هي أحسن.