أصبح مفهوم الشبكة أكثر حضورا في الحياة اليومية ولا أعرف كيف غاب هذا عن ذهننا جميعا، أصبحنا نسمع كثيرا عن شبكة الهاتف وشبكة الطرقات وشبكة التربية والتكوين وشبكة تهريب المخدرات وشبكة توزيع الماء والكهرباء وشبكة الطرق السيارة للمعلومات...وقبل أقل من عشر سنين فقط كنا نسمع عن طبقات الجو وطبقات الأرض وصراع الطبقات والطبقات المنهارة...وبين عشية وضحاها تغير كل شيء. "" حتى من صاغوا مانيفستو الأممية الاشتراكية والذي توج صعود الاشتراكية الديمقراطية في انجلترا، فرنسا أسبانيا والبرتغال استغنوا عن مفهوم الطبقة وعوضوه بمفهوم الشبكة وفق قيم مجتمع الإعلام والمعرفة... ولعل القارىء اطلع على الفيلم المعنون"سنوات طوني بلير"من إنتاج قناة الBBC وقناة الARTE الذي أرخ لمرحلة صعود طوني بلير ليكتشف خيبة أمل بعض مناضلي حزب العمال البريطاني الذين اكتشفوا أثناء الحملة الانتخابية أنهم ليسوا المتحكمين في مسار الحملة بل هنالك شبكة تشتغل في الظل؛ وما أحس به مناضلو حزب العمال البريطاني أحس به كذلك مناضلو الاتحاد الاشتراكي المغربي في مؤتمراتهم الأخيرة حينما أحسوا بأن كل شيء سحب من تحت أقدامهم. من قبل بالواقع الجديد والعالم الجديد استمر ومن لم يقبل انسحب إلى أرض الله الواسعة... انه النظام العالمي الجديد نظام الشبكات و الذكاءات المشبعة بعلوم التمويه والترويض... بواسطة هذه العلوم الجديدة استطاع الأمريكيون إيصال ممثل متواضع إلى رئاسة جمهوريتهم-الراحل رونالد ريكان- ونجحوا مؤخرا في جعل مواطني إحدى أغنى ولايتهم على الإطلاق مخيرون لتدبير شؤون ولايتهم ما بين ممثلة أقدم حرفة في التاريخ )عاهرة(، وممثل أحدث حرفة في التاريخ، الممثل شفازنجير ذي الأصول غير الأمريكية. في الأخير انتصر الممثل على العاهرة. ولكم أن تتصوروا مهمة تسيير شؤون ولاية بحجم ولاية كاليفورنيا. انه العالم الجديد عالم الإنسان الجديد عالم كل شيء ممكن وليس هنالك شيء مستحيل، عالم الحقائق الوهمية و الثورات البيولوجية المسترسلة بامتياز. الأسود والحيوانات المفترسة التي عملت مختلف العلوم على ترويضها لوضعها في الحدائق والمنتزهات هي نفسها الأسود البشرية التي يتم ترويضها اليوم بداخل المجتمعات، حتى تقبل بالشواذ والخنثويين وأنصاف الرجال والنساء. كما تم ترويض أشرس الحيوانات سيتم ترويض أشرس البشر كذلك... مند قديم الزمان عصبونات أدمغة البشر مملوءة بآثار حكايا الدجالين، من عبادة النار وعبادة الأوثان إلى عبادة المال والأشخاص و الذكاءات المشبعة بعلوم التمويه. بشرية المجتمعات المبرمجة وفق قيم الجهل والتخلف مثلها مثل سكان المغارة كما وصفها أفلاطون لا تنظر إلا إلى جدار المغارة الداخلي الذي يعكس ظلال وأشباح العالم الخارجي فقط. زمن النهايات هل هو فعلا زمن النهايات، نهاية التاريخ، نهاية العنصر البشري القديم ونهاية الأنظمة السياسية الضيقة؟ إذا كانت النسخة الوراثية للكائن البشري القديم ما زالت حاملة لاحباطات وتشوهات فلقد أصبح من الممكن القضاء على هذه التشوهات عن طريق تعديلها، وما دام هذا الأمر ممكنا فالإنسان أصبح قابلا للتصنيع مثله مثل أي آلة معقدة، بل هنالك من خبراء تكنولوجيا الحياة من يؤكد انه مستقبلا سوف يعيش هذا الإنسان أكثر من 200سنة و300سنة. بالإضافة إلى هذه التغيرات التي سوف تحدث في الأنظمة الوراثية للكائنات الحية بشكل عام، هنالك تغيرات حدثت في الماضي القريب منها الحبوب المانعة للحمل والتي أصبحت تدفع الإنسان إلى عدم تحمل المسئولية الاجتماعية والى عدم الوفاء بتعهداته اتجاه شريكه في الحياة. لقد قوت هذه الظواهر الجديدة بشكل مرضي النزعات الفردية وجعلت الحالة الاجتماعية حالة استثنائية لم تعد تستهوي الأفراد. حتى هؤلاء الأفراد يقول فرانسيس فوكوياما أصبح من الممكن تعديل أمزجتهم الطبيعية الحادة عبر دواءProzacلأن هؤلاء مثلهم مثل الأطفال الزائدين الحركة والنشاط الذين يتم تهدئتهم بدواءRitaline . إنها تكنولوجيا الحياة التي سوف تنتصر يقول فرانسيس فوكوياما هناك حيث فشلت كل الأيديولوجيات في تحويل الإنسان. نظرية نهاية التاريخ التي تحدث عنها فرنسيس فوكوياما فهي لا تعني نهاية البشر بقدر ما تعني نهاية نوع من البشر؛ لربما هذا البشر الذي يعنيه فرنسيس فوكوياما هو هذا الذي يتقاتل الآن في أفغانستان، في العراق، في شمال افريقيا و يقينا سيتقاتل في الأجل القريب في كل مكان لكي يطيل ولو قليلا في آمد صلاحية استعماله...