نجد من المرادفات القوية لمفهوم مجتمع المعرفة مفهوم المجتمع الشبكي الذي ولَّد بدوره مترادفات عديدة من قبيل المجتمع الرقمي والفجوة الرقمية. وقد صدرت في نهاية القرن الماضي أطروحة هامة في ثلاثة مجلدات لمانويل كاستِلز بعنوان: «مجتمع الشبكات، عصر المعلومات. ويتمتع هذا العمل الضخم بكثير من الجرأة والقوة والإبداع، حيث يقف على العديد من الجوانب المركبة لروح عصرنا. فهو يرى أن السمة الرقمية لمجتمع المعرفة تثير قضايا متعددة. فهي من جهة تعد الخاصية الأكثر إثارة في ثورة المعلومات، بحكم السهولة التي أصبحت تستعمل بها الأدوات والتقنيات والبرمجيات في أنظمة الإنتاج. غير أن هذه السهولة تؤدي في الآن نفسه إلى نتائج وإشكالات تعد من صميم الانتقال إلى نظام التقنيات الدقيقة والعالية في مجتمع المعرفة. وقد وضح تقرير اليونسكو نحو مجتمعات المعرفة هذه المسألة باستعارة دالة، مشيراً إلى أن صعوبة إيجاد المعلومة المناسبة في عصر المعلومات تعادل «صعوبة شرب الماء من المضخة المستعملة في إطفاء الحريق. فالماء غزير، لكن حذار من الغرق». ويقف كاستِلز في المجلد الثاني من أطروحته «قوة الهوية» أمام مجتمع الشبكات ليوضح أن عصر المعلومات محكوم وموجه بقطبين مركزيين: قطب الشبكة، وقطب الذات الفاعلة. ذلك أن مفهوم الشبكة لا يحيل إلى شبكة بعينها، بل إلى شبكات متعددة تتحكم في مصادر القوة والثروة والمعلومة المسلحة بالتكنولوجيا الرقمية. والشبكة هي: «البنية الاجتماعية الجديدة لعصر المعلومات، عصر المجتمع الشبكي المكون من شبكات الإنتاج والقوة والتجربة، حيث تقوم هذه الشبكات بدورها في بناء ثقافة افتراضية في إطار التدفقات المعولمة، متجاوزة بذلك مفهومي الزمان والمكان (..) وقد حصل في عصرنا هذا اختراق كل المجتمعات بالفعل الجارف للمجتمع الشبكي». ومقابل التشبيك المتعولم، الذي يعد الظاهرة الأبرز في مجتمع المعرفة، تقف الذات، التي تشير في نصوص كاستِلز إلى الهويات الفردية والجماعية (الفرد والمواطن والإنسان والجماعة) الهادفة إلى المحافظة على حياتها، في خضم التحولات المعرفية الكاسحة. وينتج هذا التناقض بين الشبكة والذات صوراً جديدة من الصراع الاجتماعي، أبرزها الطابع المعرفي لهذا الصراع، فبدلا من الصراع الطبقي تصبح البشرية أمام صراع تلعب فيه الشبكات بقواعدها الرمزية دوراً بارزاً في تأجيج وترتيب ملامحه الكبرى. ومن هنا تأكيد كاستِلز على الأدوار التي تمارسها الحركات الاجتماعية والثقافية الجديدة، مثل حركة الطلبة والنساء، وحركة السلام، والحركات البيئية. ففي مختلف هذه الحركات، كما في انهيار المعسكر الاشتراكي، وتداعياته المتواصلة، وكذلك تراجع رمزية النظام الأبوي، ما يندرج ضمن التناقضات التي فجرها عصر المعلومات. تتمثل أهمية مفهوم المجتمع الشبكي في هذا المنظور في محورين: المحور الاجتماعي والمحور المعلوماتي. ولأن كاستي مَـعنيٌّ بإبراز دور المعلومات في عصرنا، حيث يصبح نموذج العالم الجديد هو النموذج المعلوماتي، باعتباره مُحصلةً للنظم التقنية والنماذج البيولوجية في تعقدها، مما يعني أن الشبكة عبارة عن فعلٍ مركَّبٍ؛ إنها تشبه خريطة الجينوم البشري المسنود معرفياً، بفعل معطيات رياضية متطورة ودقيقة جداً. والقبول بمفهوم الشبكة يعني أن تكون التكنولوجيا وتقنية المعلومات بالذات وراء التنظيم الاجتماعي، وتصبح الرأسمالية المعلوماتية، بتعبيرات كاستِلز، هي البديل لما كان يسميه ماركس في القرن التاسع عشر بالرأسمالية الصناعية. أما شبكة الإنترنِتْ فقد أصبحت أول أداة وسائطية في الإعلام الدولي، بل أنها أصبحت قادرة على عولمة العالم. وقد ساهمت في زعزعة كل أدوات الاتصال، وأعادت بناء معمارها وصيغ استعمالها وأنماط إنتاجها، مثلما غَيَّرت عاداتِ العمل وممارسة السلطة والسيطرة. تتميز أفعال الإنترنِتْ بكونها تشكل اليوم أضخم سِجِلٍّ للمعلومات المرجعية في مختلف مجالات المعرفة، إضافة إلى أن شبكاتها توفر إمكانيات تفاعلية داخل أنسجة المجتمع وبتوسط آليات رقمية سريعة. ويترتب على ذلك أن المكان أصبح في مجتمع الشبكات عبارة عن تدفقات؛ إنه ليس مكاناً فيزيقياً، كما أصبح الزمان، بتسمية كاستِلز، هو اللازمان، إذ لم يعد موصولاً بالساعة المرتبطة بدورها بعصر الصناعة، إنه في مجتمع الشبكات عبارة عن آنيةٍ تسمح لنا بالحضور في أمكنة عديدة في الآن نفسه. إن تدفقات رؤوس الأموال، وفيض المعلومات لا علاقة لهما اليوم بمكان بعينه؛ إنهما في اللامكان المرادف لكل مكان.