استرعت مسألة أسفار الملك الطويلة، إلى الخارج، دون منح تفسيرات "رسمية" اهتمام الكثيرين، بل وخاضت فيها وسائل إعلام أجنبية، ذهب بعضها إلى حد القول ب "زهد" محمد السادس في الحكم، وبالتالي "ثمة رغبة تحدوه في التخلي عن المُلك" أما جرائد مغربية، فقالت "فقط" أن الملك يغضب كثيرا، وبالتالي يُسافر كثيرا.. في الواقع لا يُمكن رصد كل ما قيل ويُقال، غير أن المعطيات الموثوقة تظل شحيحة، عن أسفار الملك الطويلة الغامضة. "" الصحافي خالد الجامعي، لديه تفسيراته الخاصة للموضوع، فهو لا يتفق مع الكثير مما يُقال بهذا الصدد. بمناسبة السفر الطويل الأخير، الغامض بدوره، للملك محمد السادس، إلى فرنسا، اتصلنا بالأستاذ خالد الجامعي، فكان معه هذا الحوار. غادر الملك محمد السادس مؤخرا البلاد إلى فرنسا، في سفر سيدوم شهرا، كيف يبدو لك هذا المستجد؟ أجده أمرا مفاجئا جدا، ذلك أن قائدا في بلاد مثل بلادنا، لا يسافر للخارج لمدة شهر كامل، غير أن هذا لا يمنع من القول، أن للملك أسبابه التي دفعته إلى ذلك.. أسباب من مثل ماذا في رأيك؟ لستُ أدري.. لا يمكنني قول تفسيرات غير دقيقة بهذا الصدد، هناك العديد من الاحتمالات، قد تكون ذات طابع صحي، أو للقاء شخصيات سياسية، لا أدري ما هو السبب بالتحديد، غير أنني لا أعتقد أن الملك شخص غير مبالي، حتى يترك البلاد لمدة شهر كامل، دون سبب معقول. هل تجد عدم الإعلان رسميا عن هذه الزيارة، سيما في ظرفية سياسية مطبوعة بعدة اعتبارات، منها مثلا الظرفية الانتخابية.. هل تجد ذلك أمرا عاديا؟ إن اللوم الذي يُمكن أن نُبديه بهذا الصدد، يتمثل في نقص التواصل، ذلك لأن القول بأن الملك ذاهب في عطلة راحة لمدة شهر، لا يُمكن إلا أن يزرع شكوكا عديدة، حيث سيطرح الناس الكثير من الأسئلة.. أسئلة من مثل ماذا؟ لستُ أدري، فكل واحد سيخترع سؤاله الخاص، ذلك أنه حينما لا يتم تحديد الأمور، يصبح المجال مفتوحا، لعدة أسئلة ومثلها من الأجوبة، وهو ما يسميه الفقهاء القُدامى: التأويلات.. أي فتح باب التأويل، كل واحد يُدلي بتفسيره الخاص للموقف، كأن يقول أحدهم: الملك سافر لأنه لا يُريد أن يكون في البلاد خلال الظرفية الانتخابية، ويقول آخر: إنه مريض وذهب للعلاج، وآخر سيقول: ذهب للقاء ابن عمه الأمير مولاي هشام، إلى آخره، كل واحد يخترع التأويل الذي يناسبه، لذا أعتقد أن هناك خطأ في عملية التواصل. دفع البعض بشكل غير رسمي، بهذا التفسير القائل أن وجود الملك ليس ضروريا إلى هذا الحد، باعتبار أنه يمكن أن يشرف على أمور الحكم من مقر سفره، ما رأيك؟ فعلا، إن هناك اليوم وسائل اتصال، سيما تلك التي يُطلق عليها اسم "الخطوط المُؤمَّنة" يُمكن عبرها القيام ببعض الأمور المستعجلة، فضلا عن أن مكان السفر، لا يبعد بأكثر من مسافة ثلاث ساعات جوا. إن الأمر المهم بصدد سفر الملك، يتمثل في أنه كلما سافر يحدث شيء مهم في هذا البلد. ماذا تقصد بذلك؟ لا شك أنك تتذكر أن أحد أسفار الملك، تزامن مع إلقاء القبض على خلية إرهابية، كما قيل عبر وسائل الإعلام، كما أن أحداث "سيدي إفني" تصادفت للغرابة مع سفر طويل آخر للملك، ومُحكمات الصحف والصحافيين، اقترنت أيضا بنفس الظرفية.. ففي كل مرة سافر فيها الملك حدث ب "الصدفة" أمر هام في البلد، والحال أنه كلما تكرر الأمر مرة ومرتين أو أكثر، يكون حينها الموقف مدعاة للتساؤل والاستغراب، كأن نتساءل مثلا: أليس هناك أناس يستغلون غياب الملك "باش يديرو شي كعيات". أليس الأمر بالأحرى، مُخطط له بدعوى إبعاد المسؤولية عن الملك، بالقول أنه كان غائبا، ما رأيك؟ لا أعتقد ذلك، أميل بالأحرى إلى التفسير القائل، بوجود أناس يستغلون غياب الملك، ممن يصدق عليهم المثل القائل: "واش كا تعرف العلم؟ كَاليهوم كانعرف نزيد فيه".. ماذا يُمكن أن يقع في نظرك خلال السفر الجديد الطويل للملك؟ لا أحد في هذه البلاد، يُمكنه أن يقول ما الذي سيقع، ذلك أننا عند هذا المستوى، ندخل في نطاق اللامُتوقع، لذا أعتقد أن مدة شهر من السفر تُعتبر طويلة جدا. بمعنى؟ "خاص الملك يترصى شوية". لاحظنا أن محمد السادس كثير السفر إلى الخارج، بدون تبريرات، مثل القيام بمهام رسمية وما شابه، وهو ما يتعارض مع ما كان عليه الأمر أيام الحسن الثاني، ما رأيك؟ على ذكر الحسن الثاني فقد كان مسكونا بهاجس الانقلابات. تقصد أنه كان خائفا على عرشه؟ نعم. وابنه لا يعرف نفس الخوف؟ نعم، ليس لديه ذلك الخوف، أما الحسن الثاني، فكان يعتقد أنه إذا ما غادر البلاد، سيقع شيء ما، والمُلاحظ اليوم أن الملك يُغادر البلاد في سفر لمدة نصف شهر أو شهر أو أكثر، ولا يحدث ما كان يخشاه الحسن الثاني، وهذا مؤشر على وجود الاستقرار.. شخصيا لا أرى ما يبرر عدم سفر الملك، فعلى كل حال، لا يُمكن أن نقول له لماذا تسافر أو لا تُسافر، إن ما يهمني، أن تكون الأمور على ما يُرام في البلاد، غير أن هذا لا يمنع من القول أيضا، أن وظيفة ملك ليست هينة، حيث يكون عليه أن يظل مُعبئا أربعة وعشرين ساعة على أربعة وعشرين. ألا ترى أن قضية سفريات الملك يلفها الكثير من الغموض؟ أعتقد أن هذا الأمر يجد أبعاده فيما هو سياسي، وبالتالي ضرورة مُراجعة الدستور المُنظم لأمور البلاد، كأن يتم التنصيص، على أن الوزير الأول هو الذي يترأس المجلس الوزاري، ويتوفر على السلطات التنفيذية، التي تجعل الأمور تسير بشكل عادي، ذلك لأن الأمر يتعلق بأمور الحكم، وهي كما تعلم جد وليست هزلا. بالعودة إلى التفسيرات التي مُنحت لسفر الملك، قيل أنه غاضب من الخلافات الحزبية حول البند السادس من قانون الأحزاب، وأنه ذهب في سفر طويل، تعبيرا عن غضبه ذاك، ما رأيك؟ إذا كان هذا صحيحا، فإن هذا يمكن أن نصفه ب "لعب الدراري الصغار".. لا أعتقد أن الملك "يغضب ويهز حوايجو ويمشي".. لا يجب أن نُبالغ بهذا الصدد، أنا لا أعتقد بصحة هذا الطرح.. إذا كان الملك يُريد أن يغضب فيُمكنه فعل ذلك في المغرب، وليس في الخارج، كأن يُقفل عليه بابه، ويقول "مابغيت نشوف كمارت حتى شي واحد". خلال سفر سابق للملك بالخارج، كان هناك مَن كتب في الصحافة الأجنبية، مثل الصحافي الاسباني "بيدرو كناليس" أن محمد السادس يُريد التخلي عن الحكم، ما رأيك في هذا الطرح؟ أنا لا أعتقد في صحة مثل هذا الطرح.. فعلى كل حال، يتعلق الأمر بالمُلك وليس بشيء يسهل التخلي عنه، إن لدينا ملك قام باختيار مُعين، سواء كنا مُتفقين أو غير مُتفقين معه، وأنا من هؤلاء الأخيرين.. يمارس كامل سلطاته التنفيذية والتشريعية، غير أن هذا لا يُبيح النظر فقط، إلى جوانب بعينها مثل مسألة السفر، ويجب ألا ننسى أن الملك حينما يكون في المغرب يُسافر كثيرا، عبر أنحاء البلاد، لذا لا يصح القول، حينما يُسافر لمدة شهر أنها نهاية العالم. كل ما يمكن أن نقوله، هو أن يكون هؤلاء الذين يُشرفون على الأمور في غياب الملك، رجالا، وأعتقد من زاوية مُعينة، أن عدم وجود الملك في لحظة إجراء الانتخابات، أمر ينطوي على جانب إيجابي. لقد كان البعض ينتظر أن يُلقي الملك خطابا، يحث فيه الناس على المشاركة في العملية الانتخابية، وهو ما لم يحصل، ما رأيك؟ لا أعتقد أنه سيكون أمرا إيجابيا، أن يقول الملك للناس اذهبوا لتصوتوا أو لا تُصوتوا، ويجب أن نتذكر أنه حينما حث الناخبين على التصويت، من خلال خطاب رسمي، حدث العكس، حيث سُجلت نسبة تصويت ضعيفة جدا، لقد كان ممكنا أن يتم تفسير ذلك على أساس أنه تصويت ضد الملك، لذا أعتقد أن الملك فعل الصواب، بعدم حث الناس على التصويت، ذلك أنه يجب أن يدع المسألة الانتخابية بين المُتبارين، ومنها أن مسألة الدعوة للمشاركة في التصويت شأن حزبي وليس ملكي، وفي تقديري، ويمكن أن أكون مُخطئا بهذا الصدد، فإن نسبة المشاركة في اقتراع 12 يونيو ستكون ضعيفة جدا، فلنتصور أن الملك قال للناس صوتوا، ولم يفعلوا، ففي هذه الحالة سيُؤخذ الأمر، باعتباره استفتاءا على الملك. لذا فإنه كان قرارا عقلانيا في نظري عدم توجيه الملك خطابا للناخبين لحثهم على المشاركة في الانتخابات. لكننا على كل حال، في بلد يسود فيه الملك ويحكم، وبالتالي لا يمكن القول أن الانتخابات شأن للأحزاب فقط، ما رأيك؟ يجب ألا نُبالغ بهذا الصدد، فالبلاد يسيرها الأمنيون، إن الأمر المهم، هو أن تكون مسألة الأمن مُتحققة حين يُسافر الملك، فالحاصل في هذه البلاد أن التسيير الأمني لا يد للحكومة فيه، فليس عباس الفاسي أو زيد أو عمر، من الحكومة، هو الذي يُشرف على المسائل الأمنية. مَن يسير الجانب الأمني في نظرك؟ إنه وزير الداخلية، وهو وزير سيادي كما تعرف، كما أن هناك مدير "دي. إيس. تي" ومدير "لادجيد" ورئيس الدرك، وجنرالات الجيش إلى آخره، إنهم هم الذين يسيرون الأمور الأمنية. هل تريد أن تقول بأن هؤلاء هم الذين يتحكمون في الأمور خلال غياب الملك؟ لا، يصح القول بالأحرى، أنهم هم الذين يُؤمِّنون المسألة الأمنية، بمعنى أنهم يؤدون مهام أمنية، وهم على تواصل دائم مع الملك خلال سفره، عبر وسائل الاتصال. حسب هذا الطرح هل نعتبر كما قال البعض، أن الملك هو الذي منح الأمر بمعاقبة مُتظاهري "سيدي إفني"؟ لم أقل هذا في كلامي، لا أعتقد أن الأمر تم كما ذكرت في سؤالك، ما حدث أنه منح ضوءا أخضر لعملية أمنية، غير أن مُنفذيها بالغوا في تطبيقها، وهو ما يُحيل على مقولة "هذاك لي كيعرف يزيد فالعِلم".. غير أن هذا لا يمنع من أنه كان هناك أمر بضرب الناس، أليس كذلك؟ لا، الأمر صدر بتأمين الأمن، غير أن الذين نفذوا الأمر اشتطوا في استعمال الصلاحيات المُخولة لهم، فأنا لا أعتقد أن الملك قال لرجال الأمن "خربوا بيوت عباد الله، واسرقوا متاعهم، واغتصبوا نساءهم".. آخر كلمة بصدد سفر الملك إلى فرنسا؟ أتمنى أن يُمضي عطلة سعيدة (يضحك) وأن يعود سالما. نُشر نص هذا الحوار بأسبوعية "المشعل" بتاريخ 21 ماي 2009 عدد رقم 215.