بعد مسلسل طويل من التكهنات والسيناريوهات والسناريوهات المضادة، يدشن حزب الأصالة والمعاصر فعاليات مؤتمره الوطني الخامس، مساء اليوم الجمعة، وسط "غموض" بشأن من سيتسلم دفة القيادة في الحزب الذي خرج من رحم الدولة قبل ربع قرن من الزمن أصبح فيه ثاني قوة سياسية في البلاد تشارك لأول مرة في تحالف حكومي يقود المرحلة. فلا حديث داخل الحزب إلا عمن سيقوده في المرحلة المقبلة، بعدما تمسكت فاطمة الزهراء المنصوري، رئيسة المجلس الوطني المرأة الحديدية داخل الحزب، بموقفها الرافض لإعلان ترشيحها بشكل رسمي وصريح لمنصب الأمين العام، ما جعل الحزب يواجه صعوبات جمة في تدبير هذا الملف الحساس، وفق تعبير محللين. وحسب آخر المعطيات، فإن الحزب يتجه إلى اعتماد قيادة جماعية تضم ما بين 3 إلى 5 أشخاص، ستسهر على تدبير شؤون الحزب واتخاذ قراراته في المرحلة المقبلة، وذلك في محاولة ل"تحريك المياه الراكدة" في المشهد كما سماها أحد قادة الحزب في تواصل مع هسبريس، معتبرا ذلك "نهجا مختلفا عما هو سائد في الساحة الحزبية". غير أن التبرير الذي يحاول قادة حزب الأصالة والمعاصرة منحه لهذا التوجه والتدبير الجماعي للحزب، يرى فيه إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، تعبيرا عن المأزق والأزمة اللذين يعيشهما الحزب في التوافق حول قيادة المرحلة المقبلة. وقال حمودي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن قيادة جماعية للحزب تعني "وجود خلافات قوية حول الأمين العام المقبل"، مؤكدا أنه بدل الاحتكام إلى صندوق الاقتراع في حل تلك الخلافات، "جرى اللجوء إلى التسويات والتوافقات، التي قد تكون فكرة القيادة الجماعية أحد مخرجاتها". وأوضح المحلل السياسي أن هذا التوجه مؤشر على أحد أمرين في علاقة الحزب بالسلطة، "إما أن الحزب صار ساحة لأكثر من جهة في السلطة، أو إن السلطة تركت الحزب لشأنه، ما جعله هذه المرة عاجزا عن تنظيم مؤتمر يكون فيه الحكم لصندوق الانتخاب باعتباره آلية ديمقراطية لحل الخلافات". وزاد المتحدث أن القيادة الجماعية "ستكون مؤقتة، ربما في أفق إنضاج تسويات مع السلطة، خصوصا وأن الحزب تلقى ضربات قوية من لدن القضاء سيحتاج معها إلى الوقت التعافي"، في إشارة إلى قضية "إسكوبار الصحراء" التي تلقي بظلالها على المؤتمر بعد تورط اسمين بارزين من الحزب فيها، هما سعيد الناصري، رئيس نادي الوداد البيضاوي، وعبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق. وبخصوص الرهانات التي يتوقع أن تواجه الحزب في المرحلة الحالية، أكد حمودي أنها رهانات تنظيمية بالأساس، وأن القيادة والأعضاء على وعي ب"حماية الحزب من الانشقاق والتشتت والحفاظ على أعيانه وأصحاب الأموال لديه، الذين يشعرون اليوم بأنهم بدون حماية من قيادة الحزب الحالية". من جهته، اعتبر محمد يحيا، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بطنجة، أن مؤتمر "البام" الخامس يأتي في "ظرفية صعبة جدا، بالنظر إلى حصيلة العمل الحكومي، ثم بالنظر كذلك إلى الإشكالات المطروحة داخل الحزب نفسه". وأضاف يحيا، في حديث مع هسبريس، أن الملفات الشائكة التي كانت موضوع نقاشات مؤخرا، ومتابعة أعضاء قياديين أمام القضاء، "مسألة لا يمكن إغفالها في المؤتمر"، بالإضافة إلى إشكاليات كبرى على مستوى الحصيلة والتدبير الحكومي. وتابع الأستاذ الجامعي بأن "نصف ولاية الحكومة انتهت، ونعلم أنه سيكون تعديل حكومي، وكذلك الحكومة مطالبة بكسب العديد من الرهانات المتعلقة بملفات ساخنة كبرى، منها الشغل وارتفاع الأسعار والتربية والتكوين والأمن الغذائي وأزمة المياه، وهي أمور تجعل الحزب في هذا المؤتمر أمام محطة فاصلة وفارقة في تاريخه". وأشار إلى وجود تيارات وصراعات داخل الحزب، ومن يطالب بتجديد القيادة ومن يتحدث عن قيادة جماعية، موردا: "كل هذا مخرجاته ستكون حاسمة بالنسبة للحزب"، معتبرا أن "البام" يواجه "أزمة حقيقية داخل المؤسسات وتدبير علمية اختيار المنتدبين على الصعيد الوطني التي وجهت فيها العديد من الشكايات الرافضة لطريقة انتقاء المؤتمرين". واعتبر المتحدث أن هذه التحديات ستقود الحزب إلى اتخاذ "قرارات ربما ستكون صعبة"، متوقعا أن يكون هذا المؤتمر "الأطول في أيامه من المؤتمرات السابقة، وذلك لصعوبة إيجاد توافقات بالنسبة لهذه المحطة". وأشار الخبير في القانون العام إلى أن حزب الأصالة والمعاصرة مطالب ب"تصحيح المسار والعودة إلى نقطة البداية التي أسس لها المؤسسون الأوائل، وإعادة النظر في توجهاته"، لافتا إلى أن التوجيهات الملكية بخصوص تخليق الحياة السياسية وتركيزها بالخصوص على المؤسسة التشريعية التي فيها إشكاليات كبرى، "تعني بشكل مباشر حزب الأصالة والمعاصرة، وباقي الأحزاب الأخرى". وبخصوص الآفاق المستقبلية للحزب، سجل يحيا أنه معني ب"تجديد القيادات وضخ دماء جديدة فيه"، مشددا على أن كسب ثقة المواطن هو "الأهم؛ لأن الاستحقاقات المقبلة ستعرف محاسبة الأحزاب، والوضع الحالي للبام لا يبشر بالخير"، حسب رأيه.