تمثل البرامج الحوارية العمود الفقري لكثير من البرامج في وسائل الإعلام الجماهيرية الإذاعية والتلفزية، وتكتسي البرامج الحوارية أهمية بالغة لكونها تمد الجمهور بالمعلومات الهامة المتعلقة بالأحداث الجارية وتطرح الآراء ووجهات النظر المتفقة والمتباينة. والبرنامج الحواري في التلفزيون ليس هو المقابلة أو اللقاء التلفزي فحسب، ولذلك فإن كثيرا ما يحصل اللبس عند استخدام كلمة "حوار" حيث ينصرف الرأي إلى أن المقصود هو لقاء تلفزي، أو مقابلة تلفزية يكون الهدف منها إجراء حوار بين شخص يسأل وآخر يجيب عن أسئلته. ولذلك فإن خبراء الإعلام التلفزي يعتقدون أن البرامج الحوارية التلفزية من أصعب أشكال الإنتاج التلفزي لاعتمادها على مقدم ومدير الحوار والذي لا بد أن تتوافر فيه جملة من الخصائص في مقدمتها الثقافة الواسعة، ومعرفة طبيعة الوسيلة والجمهور، والمعرفة بالأساليب العلمية للحوار التلفزي. كما حددوا وظيفة هذه البرامج في أمور كثيرة من بين أهمها كشف الحقائق وتنوير المشاهد والمساهمة في الرفع من وعيه وإلمامه بالقضايا الراهنة في جوانبها المختلفة. كما تسعى البرامج الحوارية في التلفزيون إلى التعريف بالشخصيات المتميزة في إنتاجها وعطائها الفكري في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، والعمل من خلال محاورة هذه الشخصيات البارزة والحديث معها إلى تحقيق إسهامها في تشكيل الوعي الاجتماعي لدى الجمهور المتلقي. ولا تخلو خريطة برامج القنوات التلفزية في كل الدول من البرامج الثقافية الحوارية، وذلك بسبب الوعي المتنامي، في ظل العولمة الكاسحة، بأن ووسائل الإعلام والاتصال السمعية البصرية هي أحد العناصر المكونة للثقافات الوطنية والقومية التي تسهم في الحفاظ على الهوية، وتقوم بدور طلائعي في تعزيز التواصل والتفاعل الثقافي بين الشعوب والأمم. وقد تنامى الاهتمام بالبرامج الثقافية في المحطات التلفزية في الدول الإفريقية نتيجة الانتشار الواسع لاستخدام هذه الوسيلة في هذه المجتمعات، ولما يتميز به التلفزيون من مزايا عديدة تشارك فيها وسائل الإعلام الأخرى. ومن بين المبادرات الرائدة في هذا المجال، إطلاق برنامج تلفزيوني، بعنوان (تمبكتو تناديكم) تيمنا بهذه المدينة الثقافية العريقة في جمهورية مالي، وإبرازا لدورها التاريخي في تعزيز الإشعاع الحضاري وتحقيق التنمية الثقافية، وبناء أسس التسامح الديني والاجتماعي في القارة الإفريقية. ويبث هذا البرنامج في القناة الإفريقية الإخبارية الأولى (JOLIBA TV)التي أسسها نجل الرئيس الأسبق لجمهورية مالي ألفا عمر كوناري، ويوجد مقرها في مدينة باماكو عاصمة جمهورية مالي. ويصل بث هذه القناة حاليا إلى أكثر من 44 دولة إفريقية. ويهدف البرنامج الثقافي (تمبكتو تناديكم) إلى تلميع صورة اللغة العربية والثقافة الإسلامية في وسائل الإعلام الإفريقية، وإبراز قيمتهما وموروثهما الغني، والتعريف بإسهاماتهما في صنع المسار الطويل لتاريخ إفريقيا وإنجازاتها الخلاقة عبر قرون. كما يسعى البرنامج إلى إبراز الجوانب المضيئة من العلاقات الدينية والسياسية والثقافية والتعليمية التي لا تزال مستمرة بين الوطن العربي ومنطقة إفريقيا جنوب الصحراء، وتحصين الشباب الإفريقي من الانزلاق وراء تيارات الفكر المتطرف التي تستخدم اللغة العربية في خطاباتها. إضافة إلى التعريف بالمعالم الأثرية والحضارية الإسلامية في القارة الإفريقية، والتوعية بحمايتها وصيانتها، والسعي إلى استثمار ذلك كله في التنمية المستدامة وتعزيز الدبلوماسية الثقافية، وتكريس مفاهيم القيم الإفريقية السمحة. ويتولى إعداد وتقديم البرنامج كل الدكتور عبد المجيد إدريس حناكوكو، الإعلامي وأستاذ الأدب العربي بالمدرسة العليا للأساتذة في باماكو، التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بجمهورية مالي، والأستاذة سلمى مسعود، الإعلامية والمدربة في مجال التنمية البشرية وتطوير الذات في جمهورية مالي. وعلى مدى ثلاث سنوات من عمر هذا البرنامج الثقافي، تم تسجيل 60 حلقة داخل باماكو وخارجها، وبلغ عدد متتبعي البرنامج في "فيسبوك" أكثر من 10 ملايين مشاهد. واستضاف البرنامج منذ انطلاقته عددا مهما من الخبراء والأساتذة والمسؤولين من القيادات الدينية والمنظمات الإسلامية والعربية والدولية، والمؤسسات الفكرية والثقافية والتعليمية، وعددا من السفراء والوزراء العرب والأفارقة والباحثين في مجالات الفكر واللغة والأدب والثقافة والفنون وحوار الحضارات. ومن بين القضايا والمواضيع التي أولاها البرنامج أهمية قصوى ثلاثة مواضيع رئيسية هي: – وضعية اللغة العربية في الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء، باعتبارها لغة وطنية في عدد من هذه الدول مثل مالي والنيجر وتشاد، ويتحدث بها الملايين من الشعوب الإفريقية المسلمة، ويدرس بها جزءٌ كبيرٌ من العلوم الشرعية والأدبية والعلمية والاجتماعية في مئات الآلاف من المدارس الأهلية المنتشرة في ربوع المنطقة. – تحصين الشباب الإفريقي من الانزلاق وراء تيارات الفكر المتطرف في القارة الإفريقية، أخذا بعين الاعتبار الانتشار الواسع والمخيف لظاهرة التطرف الديني في المجتمعات الإفريقية لأسباب عديدة منها الانتشار الواسع لاستعمال تكنولوجيا الإعلام الجديد التي أصبحت لدى الجماعات المتطرفة أداة للتحريض على الآخر، وتغليط الرأي العام، وإحداث الفتن ونشر أفكار التطرف والغلو. – معاناة الشعوب المسلمة في القارة الإفريقية من حملات التنصير. والتبشير بواسطة وسائل المدعومة ماليا وفنيا من أطراف عديدة تسعى سعيا حثيثا لتشكيك المسلمين الأفارقة في مدى صلاحية الثقافة الإسلامية لمواكبة العصر، وزعزعة إيمانهم بالمبادئ والقيم والمثل الإسلامية الأصيلة. في ضوء هذه الاعتبارات جميعها، يعد برنامج (تمبكتو تناديكم) برنامجا ثقافيا تلفزيا متميزا يحمل رسالة إعلامية إنسانية، تستند إلى رؤية استراتيجية واستشرافية، ذات بعد حضاري وتواصلي، تهدف إلى التعريف بالثقافة والحضارة العربية والإسلامية، والمساهمة في نشر وترسيخ قيم السلم والحوار والوسطية والاعتدال والتسامح والانفتاح على الآخر وتعزيز سبل العيش المشترك. لذلك فهو جدير بالمتابعة وبالدعم والمؤازرة من قبل الجهات المختصة الحكومية وغير الحكومية في الدول العربية والإفريقية.