ولد يورغن غرهارد تودنوهفر (الصورة)سنة 1940 بمدينة أوفنبورغ. درس القانون و اشتغل في بداية مشواره الوظيفي قاضيا. "" في 1972 صعد إلى مجلس النواب الألماني ممثلا للحزب المسيحي الديمقراطي، وكان له نشاط سياسي في مجال التنمية. لفت إليه الانظار من خلال مواقفه المحافظة. استقال من منصبه سنة 1990. في مجال التأليف له كتب عديدة، نذكر منها كتابه: (من الذي يبكي عبدول وتنايا)، (مجانين الحرب الصليبية على الإرهاب). وحول موضوع مصير الضحايا في أفغانستان وحرب العراق نُشر له كتابه الذائع الصيت بألمانيا: (لماذا تَقتُل يا زيد). تزوج تودنهوفر مرتين وهو أب لثلاثة أبناء ومستقر بمدينة ميونيخ. السيد تودنهوفر، عرف العاشر من ديسمبر سنة 1948 ظهور قانون "حقوق الإنسان " في صيغته المعروفة اليوم إلى الوجود، مُلزما لكل فرد، بصفتك زائرا ترددت على العراق أكثر من مرة، هل يمكننا القول بأن هناك حقوق إنسان؟ كانت حقوق الإنسان في عهد صدام محدودة للغاية، فقد كان ديكتاتوريا لا يشق له غبار. وقد استُبدل اليوم بديكتاتورية عسكرية أمريكية، بحيث أنه لم يعد بوسع الناس اليوم لا الإفصاح عن رأيهم ولا التنقل بحرية، والنظام الإجتماعي هناك خرب عن آخره. هل يعني هذا أن أوضاع العراقيين كانت قبل الإحتلال أفضل مما عليه الحال اليوم؟ لقد ساء تقريبا كل شيء، في عهد صدام حاول الشعب أن يتعايش مع الديكتاتور. اليوم لدى العراقيين حكومة، يحس الأغلبية أنها لا تمثلهم، علاوة على الإحتلال الأمريكي والإيراني الجاثمين على أنفاس البلد ما من أحد يستطيع أن ينكر بأن العراقيين يعيشون اليوم في فوضى وعنف، لكن أليس توفير إمكانية إجراء انتخابات حرة خطوة صغيرة إلى الأمام في اتجاه "حقوق الإنسان"؟ إن التشدق بأن العراقيين يمكنهم اليوم رمي أوراق في مكان ما في صناديق الإنتخابات، كل بضع سنوات تحت حماية الشرطة، لاختيار أسماء أشخاص مرشحين لا يعرفونهم، لا يغني ولا يسمن من جوع. كمية الأدوية المتوفرة اليوم أقل مما كان عليه الوضع قبل الحرب الأمريكية التي ضربت بحقوق الإنسان عرض الحائط، كما أن كميات المياه الصالحة للشرب والغذاء المتوفرة صارت اليوم أقل بكثير، وفي معظم أقاليم العراق لا يمكننا الحديث عن وجود أمن. إن الذي فقد أبناءه من جراء القنابل الأمريكية، لن يقول: شكرا، أخيرا صار بإمكاني أن أذهب للإنتخاب! ستون عاما هي عمر "حقوق الإنسان"، هل هو ميثاق تم خرقه؟ لم تكن حقوق الإنسان تهم الرئيس الأمريكي في شيء البتة. إن أهم حق من حقوق الإنسان انتزعته المسيحية عبر كفاحها الطويل هو: احترام كرامة أي إنسان، حتى ولو كان من أفقر الناس. هذا الحق الإنساني خرقه الإحتلال الأمريكي بشكل رهيب. فقد عامل العراقيين كالحيوانات: رجال عراة يقادون من طرف النساء الجنديات عبر دهاليز السجون وأهرامات تُشيّد من أجساد الرجال واحدا فوق الآخر. لا يوجد أبشع من هذه الطريقة في الحط من كرامة الإنسان هل يمارس يحط الغرب من كرامة الإنسان؟ كثير من السياسيين يظنون، أنهم بمجرد ما يجتازون حدود بلادهم، يسقط عنهم الإلتزام بقوانين وقواعد محددة. فتراهم يشطبون "الأخلاق" من سجل السياسة الخارجية، ويعتقدون أن كل شيء في الحرب مباح. إن القيم التي ندعو إليها داخل بلداننا، يجب أن نعترف بها أيضا للناس خارج بلداننا. في العالم الإسلامي يجلس الناس أمام شاشات التلفزة، ويشاهدون كيف نعامل المسلمين كأنصاف قردة. إن هذا الأمر يعد في حقيقة الأمر فضيحة دينية. إن اليهود والمسيحيين والمسلمين كلهم مؤمنون بأنهم من سلالة إبراهيم باراك أوباما أعلن عن عزمه على سحب القوات الأمريكية من العراق. فكرة جيدة؟ الأفغان والعراقيون ليسوا في حاجة إلى الأمريكيين لتوفير أمنهم. بانجلاء الإحتلال، سيفقد الثوار والإرهابيون الشرعية التي يضفونها على عملياتهم. إن الحروب ضد الإرهاب هي في حد ذاتها برامج لتفريخ الإرهاب بتأثيرات عالمية. هل أوباما هو "المسيح المداوي" حقا، كما يرجح الجميع؟ لو قابل أوباما العالم الإسلامي ندّا لندّ، ومد له يده، وعامله بعدل كما تُعامل إسرائيل، فإن الكثير من المشاكل سوف تحل كتبت مرارا عن "العنصرية الخفية" في الغرب، كيف تصف هذه العنصرية؟ تسود في الغرب "عقدة التفوق" بشكل موسع لا يتم الإفصاح عنه. كثير من الغربيين يعتقدون في قرارة أنفسهم، بأن حياة الأوربي هي في العادة أكثر قيمة من حياة المسلم. وهذا الإعتقاد لا يفتقد فقط إلى النظرة الأخلاقية، وإنما يتسم أيضا بالغباء. إن الحرب على الإرهاب لا يجب أن تنتصر عسكريا، وإنما يجب أن تنتصر في قلوب 1.4 مليار مسلم في العالم تقول بأن السياسة الغربية اتجاه العالم الإسلامي تعاني من تجاهل رهيب لأبسط الحقائق. ماهي؟ هناك 45 بلدا إسلاميا، وما من واحد منها هاجم أي دولة غربية منذ 200 سنة. دائما كنا نحن السباقين إلى شن هجومات عسكرية: في الحروب الصليبية الدموية، في الإحتلالات، في الحرب العالمية الأولى والثانية، في الإبادة الشاملة البشعة تحت سيطرة الإشتراكيين الصينيين والسوفياتيين، في الهولوكست، في كل هذه الجرائم لم يكن للمسلمين يد فيها. وحين أقرأ أن 83 بالمائة من السكان في ألمانيا، على الرغم من كل هذه الحقائق، يعتبرون المسلمين متطرفين، يتضح لي أكثر، كم هو هزيل حجم ما نعرفه عن العالم الإسلامي. إن المتشددين الحقيقيين يتواجدون عندنا في الغرب. لم يسبق لي أن استُقْبِلت في أي مكان آخر بمثل التودد والحفاوة التي استقبلت بهما في العالم الإسلامي ما الذي دفع القاضي السابق، وممثل الحزب المسيحي الديمقراطي في مجلس النواب والمدير الإعلامي السابق، السيد تودنهوفر إلى التوجه إلى مناطق الأزمات؟ البحث عن الحقيقة، والسعي وراء العدالة...والإلتزام بمبدأ أن يدافع المتمتعون بحقوقهم كاملة عن حقوق المهضومين من البشر. عايشت في أفغانستان والعراق كثيرا من المآسي، لم أستطع أن أبقى بعدها صامتا. "الرجل الصارم" تحول إلى "مغير العالم المتحمس"؟ كان الأمر مؤسفا، لو أني لم أتطور يكاد يشبه هذا الأمر رسالة ما أقوم به ليس شيئا مميزا. على فكرة، "غوته" سمى هذه الكسور "انسلاخا" وليس رسالة. في الماضي كنت تخطب ضد اليسار، واليوم تؤاخذ على الغرب سياسته ضد العالم الإسلامي. هل يحتاج واحد مثل تودنهوفر إلى خصوم كبار؟ أنا لست في حاجة إلى خصوم، أنا أبحث عن مصالحة. نحن تمكنا ذات يوم من تحقيق المصالحة الألمانية الفرنسية التي لم تكن تخطر على البال البتة، بعدها المصالحة الألمانية الروسية، ثم اليهودية المسيحية. جيل اليوم عليه أن يحقق المصالحة الغربية الإسلامية. * مترجم وباحث مغربي مقيم بألمانيا (عن جريدة دي تاغس تسايتونغ die Tageszeitung)