في الصورة رشيد نيني طيلة العقد الأخير تربعت صحافة وُصفت بأنها صحافة "العهد الجديد" على القمة، وفرضت هيمنتها بشكل أوحي بأنها جبَّت كل التجارب التي سبقتها. وقد تكرس هذا "الوهم" أكثر، حين استحوذت بعض الأسماء على موقع الأستاذية حتى ظنت أن تاريخ الصحافة المغربية يبدأ منها وينتهي إليها. "" وبما أن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض، فإن الصحافة المعلومة لم تصمد حتى عقداً واحداً، هذا إذا تجاوزنا الانشقاقات المتتالية التي شهدتها صفوفها، لأسباب يتضح يوما بعد آخر أنه لا علاقة لها باختلاف الآراء، ولا بطريقة التعاطي، ولا بأي شيء له ارتباط بالمهنية، وإنما لأسباب مالية ومادية صرفة يمكن إدراجه ضمن ثقافة "ما تحت الطاولة وما فوقها". وهنا يستحق الزميل رشيد نيني تحية مهنية، لأنه في مقاله الصادر يوم الاثنين الماضي سمى الأشياء بأسمائها وأطلق رصاصة الرحمة على كثير من الرؤوس التي كانت قد أخذت مواقعها في المقدمة إلى درجة أنها أوحت أحيانا بأنها "حزب" المعارضة الرئيسي -والوحيد- في البلد، وأنها الماسكة وحدها بمصادر الأخبار، والمطلعة حصرياً على كافة الأسرار. الزميل نيني في مقاله المذكور أكد فكرة خالدة، وهي أن زواج الصحافة مع لوبيات المال والسياسة ينتهي في الغالب مثل زواج الراقصات برجال أعمال بعقود عرفية، أي على الصفحات الأولى للصحف الصفراء.. فهذه الأقلام التي كانت تحارب طواحين الهواء في النهار، بل وتتعدى دورها الصحفي لتفتي في السياسة الاقتصاد والديبلوماسية والإعلام والدستور والبرلمان والحكومة وحتى الملكية، كانت تجلس في آخر الليل إلى موائد "الأمير الأحمر" المنصوبة من تمارة الى تارودانت ليس لأكل ما لذ وطاب فقط، أو لتذبيج قصائد المدح التكسبي، ولكن لاستلام "أمر العمليات"، أي تحديد الأهداف التي ينبغي قصفها، والأخرى التي ينبغي تحييدها أو تمجيدها. ما اتضح في النهاية -ونحن فقط في بداية النهاية، في انتظار أن يكتب آخرون عن سوء تفاهم آخر - هو أن بعض الأقلام التي ملأت الساحة بصوتها المرتفع طيلة عقد كامل، كانت مجرد أدوات في أيدي أصحاب المال والطموح اللامحدود.. وإلا فأي إنسان عاقل يمكنه أن يقبل هبة مالية - لأهداف اجتماعية أو إنسانية- مقابل أن يوقع اقراراً بدين قد يستعمل ضده في أية لحظة، بل يظل سيفاً مسلطاً على رقبته خاصة إذا كان كل رأسماله هو سمعته ونظافة يده؟ الصحافي الذي يرهن قلمه لمن يدفع أكثر، يصبح ألعوبة في النهاية، خاصة وأن أصحاب المصالح أكثر من أن يحصرهم عد أو إحصاء. فمن أكل على مائدة الأمير وتحول إلى بوق، ما الذي يمنعه أن يأكل على موائد أغنياء الوقت الضائع وأثرياء الحروب الاجتماعية والاقتصادية، وحتى أباطرة الممنوعات بكل أشكالها وأنواعها ....مقابل التطبيل والتزمير؟؟ لابد إذن من العودة الى أرشيف هذه الصحافة لقراءته بطريقة مختلفة تماماً أي اعتماداً على الخلفيات التي ظهرت مؤخرا .. وتبقى كلمة أخيرة، تتعلق بالهجوم الذي تعرضت له بعض الأجهزة الأمنية، وكبار المسؤولين بها، على خلفية ما قُدم في حينه على أنه حصار ومطاردة للأمير الإصلاحي الأحمر. فقد أثبتت المعطيات الأخيرة أن هذه الأجهزة كانت على حق، وأن هناك أشياء كانت تطبخ في مطابخ ضيعة تارودانت بعيداً عن الأنظار.. وأن أطماع أمير اقتضت تجنيد أقلام اعتادت ماءها ومرعاها.. وحين أنقطع الماء والمرعى أكلت هذه الأقلام بعضها كما يحدث للفئران الجائعة حين تقع في المصيدة. *سكريتير تحرير أسبوعية أصداء