هيمنت إلى فترة غير بعيدة، على المشهد الإعلامي المغربي، الصحافة الحزبية وتكفلت بتقديم مادة ذات حيز ضيق، ما دامت الغاية تتمثل في نقل ومتابعة أنشطة الحزب، كما فروعه المنبثقة عنه، مما أسهم في تبديد الرأي المختلف، وانتفاء النقد الذاتي، بحكم أن ما يتم تداوله ونشره يجدر أن يوائم الخط الأيديولوجي للحزب. وقد أثر هذا على حرية الرأي والتعبير، خاصة أن التوجه للكتابة في منبر حزبي ما، معناه عقد ميثاق مع المنبر. ميثاق لا يجيز حق النشر في المغاير خطا وتوجها. "" وظهرت في هذه الفترة، إن لم نقل حاولت الظهور، نماذج عديدة من الصحف المستقلة، لولا أن السيولة المادية حالت دون استمرارها، علما بأن بعض هذه التجارب تم توقيفه من طرف السلطة، وفي أحيان حوكم المسؤولون عنه. تبقى تجربة قيدوم الصحافيين المغاربة مصطفى العلوي، فريدة في هذا الجانب، من حيث الحرص على الاستمرار والحضور. على أن التحولات التي طبعت الوضع الاقتصادي، والمتمثلة في ظهور شركات جديدة ومنتجات كذلك، إلى الثورة العلمية والمعلوماتية، عوامل أسهمت كلها، في التفكير في صيغة صحافية جديدة ملائمة. وكان من ثمار هذا التحول، ظهور أسبوعيات باللغة الفرنسية، البعض منها متخصص في الجانب الاقتصادي، والآخر يسمه التنوع في مادته. وبالفعل استطاعت هذه الأسبوعيات ضمان سوق واسع من القراء إلى حيازة إعلانات تجارية حركت آلية الاستمرار. وبما أن سوق القراءة، لا ينحصر في جمهور اللغة الفرنسية (على سعة ذيوعها)، فإن بعض مسؤولي هذه الأسبوعيات، فكروا في إصدار طبعات بالعربية. هكذا صدرت يومية «الصباح» عن ليكونوميست، إلى «الصحيفة»، وفيما بعد، «الأيام» و«البيضاوي» و«الجريدة الأخرى» و«المشعل» وغيرها كصحف مستقلة أسبوعية. على أن اللافت تحول بعض هذه الأسبوعيات العربية إلى مجلات، ثم التفكير في جعلها يوميات، وإن كان لا أحد يعرف مدى قابليتها للصمود والاستمرار. ومن بين التجارب الصحافية اليومية المستقلة التي شكلت نواة بداية قوية وناجحة جريدة «الأحداث» المغربية، وفيما بعد، ودون أن يدل ذلك على مقارنة جريدة «النهار» المغربية. وحمل صيف 2006، إشارات عن مبادرات صحافية جديدة أخرى سيتم كما سلف تحويلها من الأسبوعي إلى اليومي. هكذا تم تداول خبر صدور جريدة يومية مستقلة للقاص والصحافي رشيد نيني، وهو ما كان، حيث نزل إلى السوق اسم جديد هو «المساء»، تحت إدارة رشيد نيني، فيما أسندت رئاسة التحرير للصحافي توفيق بوعشرين القادم من أسبوعية «الجريدة الأخرى»، التي حازتها أسبوعية «تيل كيل» لتصدر في صيغة مجلة وباسم جديد: «نيشان». وهي كلمة من الدارجة المغربية ومعناها الموضوعية والجدية. ومن جهة أخرى أعيد إصدار يومية «صوت الناس» المتوقفة تحت إدارة الصحافي عبد الكريم الأمراني، والعائدة إلى الظهور باسم «يومية الناس» وبرئاسة الصحافي جمال براوي. ومن المتوقع أن تنضاف يومية ثالثة إلى السابقتين تحت عنوان «الصحيفة»، وهي أسبوعية سابقة، على أن يستمر في رئاستها الصحافي محمد حفيظ. لكن وفي سياق هذا الفيض من العناوين: ما هو موقع الثقافي؟ وما هي درجة الاهتمام به؟ من الموضوعية الاعتراف بأن الملاحق الثقافية الصادرة عن الصحف الحزبية، تجسد النموذج الأمثل الذي يعكس واقع المشهد الثقافي في المغرب وتحولاته، في ظل غياب غير مبرر لمجلة ثقافية فكرية مغربية. فمجلة «الثقافة المغربية» كما «المناهل»، وهما معا تصدران عن وزارة الثقافة، تعانيان من تعثر الصدور بين عدد وآخر، إلى الحد الذي يمكن معه القول بأن العدد الجديد منهما يكاد يظهر بعد نصف عام كامل. والأمر ذاته ينسحب على مجلة «آفاق» التابعة لاتحاد كتاب المغرب. بيد أن الملاحظ بخصوص هذه الملاحق هو توقفها عن الصدور على امتداد فصل الصيف، إلى فترة الاستحقاقات الانتخابية، حيث تكرس الجريدة صفحاتها للدعاية لمرشحي الحزب، ثم أنها لا تدفع مكافآت لكتابها، رغم حيازتها إعلانات متنوعة وبشكل دائم. أما فيما يتعلق بهذه اليوميات الجديدة والمستقلة، فإن رهانها الأساس هو على الفضائحي متمثلا في الفساد المالي والأخلاقي، إلى الحد الذي يجعل العناوين الرئيسة في الصفحات الأولى شبه متشابهة. هذا إضافة إلى الرياضة حيث تخصص لها صفحات، وفي أحيان نجد ملاحق خاصة، للكلمات المتقاطعة والمسهّمة. ومن ثم فالثقافي في هذه اليوميات ضعيف، إذ لا يعدو أن يشكل منوعات متفرقة من هنا وهنالك. والمطلوب ليس توافر كم من الصحف سواء اليومية أو الأسبوعية، وإنما ابتكار وخلق النوعية المجسدة للحرفية والمهنية على السواء، حيث الحكم النهائي هو للقارئ الحاذق والمتابع لمجريات التحولات التي تطول الحقل الإعلامي عربيا وعالميا.