بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تمتلك الفصائل الإسلامية آليات الحوار؟
نشر في هسبريس يوم 14 - 05 - 2009

في ندوة صحفية عقدت صباح الأربعاء 22 أبريل 2009 ضمن فعاليات الملتقى الوطني 11،أطلقت الكتابة العامة للجنة التنسيق الوطني للاتحاد الوطني لطلبة المغرب مبادرة وطنية للحد من ظاهرة العنف بالجامعة وترسيخ ثقافة الحوار،و في هذا السياق يأتي المقال إسهاما منا في التأسيس لثقافة الحوار، ومشاركة في إرساء مبدأ نبذ كافة أشكال العنف المادي والمعنوي الذي بدأ ينخر الجسم الطلابي حيث صارت بعض المواقع الطلابية مسرحا لحرب ميليشيات سقط ضحيتها العديد من الطلبة والطالبات . ""
مضى عقدان من الزمن ونيف على الوجود الإسلامي في الجامعة المغربية* ،وهي –في نظري-مدة كافية جدا لتقييم التجربة من أجل تثمين الإيجابيات من جهة، و لوضع الأصابع على مواطن الضعف والخلل من جهة أخرى ، قصد إصلاح النقائص للمضي قدما بالعمل الطلابي الإسلامي لأنه محط الأنظار إذ يعتبر نجاحه أو فشله اختبارا للخيار الإسلامي في الشارع السياسي إلى حد بعيد... ولئن كان هذا التقييم يقتضي صراحة و موضوعية علمية فهو يتطلب منا جرأة وشجاعة بنفس القدر، مع الأخر ومع الذات لننصف كل الأطراف الفاعلة في الساحة خاصة أن الضرورة صارت ملحة الآن إلى توحيد الصفوف داخل الجسم الطلابي ولم الشمل لإنقاذ الجامعة المغربية من أجواء التمييع والعسكرة التي تعيشها وتدارك ما يمكن تداركه حتى تستطيع القيام بأدوارها العلمية والفكرية والتنموية المرجوة، لكن هذا الهدف النبيل والمطلب السامي لتوحيد الصفوف وتنسيق الجهود لا ينبغي بأي حال من الأحوال،أن يدفعنا إلى التسرع والاستعجال الذي يفضي حتما إلى صياغة حلول جزئية أو ترقيعية سرعان ما تنتج عنها كوارث فيما بعد.إذ أنه لابد قبل أي محاولة توحيدية من قراءة دقيقة لكل مكونات الساحة الطلابية قراءة متأنية ورزينة بعيدة عن التنابز بالألقاب والتقاذف بشتى أنواع النعوت من أمثال الإقصائية والظلامية أوعدم الشرعية- وغيرها... ولابد أيضا لكل فصيل أن يراجع أوراقه ويقوم بالوقوف مع ذاته صادقا، ليمارس "النقد الذاتي" حتى يحدد مطالبه وشروطه بدقة فأكبر مشكلة تعاني منها الفصائل الطلابية الآن، هي أن أغلبها لا تعلم ما تريد أولا تمتلك برنامجا تفصيليا. وهذا ينتج عنه بالطبع تضارب في المواقف وغموض في الرؤى حتى بين أبناء الفصيل الواحد، فالمفروض على الفصائل إذا أن تتقدم للجماهير الطلابية بمشاريعها وأن ترضخ لقرار الطلبة واختيارهم انسجاما مع مبدأ الديمقراطية الذي تتبناه أوطيم وارتضاه الجميع ،كما ينبغي على الفصائل الطلابية أن تكون واقعية في التعامل مع خصوصيات الواقع الطلابي. من خلال استيعاب مجموعة من قواعد لا يمكن حجبها لأنها واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار، ولأن الإقرار بها في رأيي هو أول خطوات الحوار لتحقيق التقارب بإذن الله.
1. القاعدة الأولى: رحمة الاختلاف
علمتنا حقائق الواقع وتجارب الحياة ومجريات الأمور، أنه ليس في مقدور أي فصيل طلابي أن ينفرد بالقيادة وتأطير الساحة الجامعية مهما بلغت قوته تنظيميا وعدديا وسياسيا. ومهما تراكم لديها من تجارب، ورغم ما يحظى به من دعم جماهيري ومصداقية لأنه سرعان ما يسقط فيما يمكن أن نطلق عليه "بالتآكل الذاتي" فالأشياء تعرف بنقائضها وأضدادها فلمعرفة صحة أو أصالة أو صواب أي فكرة أو برنامج لابد من تعدد الاختيارات ليتم الترجيح وتفضيل رأي على الأخر ووجهة نظر على أخرى.
ولأنه من شأن التعدد أن يكون دافعا للابتكار والتجديد في الأفكار والوسائل كما من شأن التنوع والاختلاف أن يدفع إلى التنافس ويساعد على إذكاء جذوة الحاجة إلى التوحيد والتنسيق لدى كافة الطلبة باختلاف مشاربهم وهذا هو مربط الفرس لهذا من المهم أن ننظر إلى الاختلاف نظرة ايجابية ونجعل منه عنصر قوة لا عنصر ضعف فربنا سبحانه و تعالى يقول :"وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ "... فإن لم نستطيع أن نكون من المرحومين فلا أقل من أن نستفيد من رحمة الاختلاف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شر عظيم من خفاء الحكم و لهذا صنف رجل كتابا سماه ( كتاب الاختلاف ) فقال له الإمام أحمد سمه :( كتاب السعة )و إن الحق في نفس الأمر واحد و قد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه.
وفي كتاب "المدخل إلى السنن الكبرى" نقل الإمام البيهقي عن القاسم بن محمد قوله: اختلاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لعباد الله،وفيه أيضا عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول: ما سرني لو أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا، لم تكن رخصة،وفيه أيضا عن يحيى بن سعيد أنه قال: أهل العلم أهل توسعة، وما برح المفتون يختلفون، فيحلل هذا ويحرم هذا، فلا يعيب هذا على هذا.وقال عبد الله الفارسي: هذا في الأمور الاجتهادية التي يسوغ فيها الاجتهاد وليست في الأمور التي وضح فيها النص صحة ودلالة.
2. القاعدة الثانية: اقسطوا هو أقرب للتقوى
حين نؤكد على تقبل الاختلاف واستيعابه لأنه أول خطوات الحوار والتعايش، فهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أننا نغمض أي فصيل من الفصائل حقه أو ننكر ما قدمه للجامعة المغربية وما أسهم به من عطاءات وتضحيات في الساحة الطلابية، منذ تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والى الآن.
وإن كنا نركز في هذا المقال على التجربة الإسلامية، التي دشنت بدخولها في أواخر الثمانينات عهدا جديدا أو مختلفا إلى حد.المفاصلة بين مرحلتين من مراحل الحركة الطلابية في تاريخ المغرب:
1- المرحلة الأولى: تميزت بسيطرة فصائل التيار اليساري بمختلف مكوناته على قيادة وهياكل الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وهي مرحلة طبعت بعدة خصائص أهمها الراديكالية و العداء المطلق لما هو غيب ودين ولسنا بحاجة إلى التدليل على ذلك فأدبيات هذه الفترة زاخرة برفض لكل أنواع [الرجعية والظلامية] إلى درجة يحرم فيها الطلبة من ممارسة شعائرهم الدينية وعلى رأسها الصلاة، حيث لم يكن يجرؤ أيا كان على افتتاح حديث باسم الله فضلا عن الأذان والصلاة...
2- المرحلة الثانية: دشنتها الحركة الإسلامية خاصة فصيل طلبة "العدل والإحسان" حيث لبست خلالها الجامعة المغربية رداء الإسلام ونزعت عنها ثياب الارتداد الديني ومعاداة الإسلام ،ولم يكن ذلك أمرا سهلا فقد قدم الفصيل عددا من التضحيات العظيمة وهذه هي حقيقة لا يستطيع إنكارها أي أحد .. فشهداء الفصيل عديدون وسجناؤه أكثر. ولائحة المعتقلين والمخطوفين والمعذبين والجرحى أكبر وأكثر من أن تحصى ليس المقصود بهذا القول أن يجعل الفصيل من هذا تكأة أو سببا لاستجلاب المصداقية أو الحصول على المشروعية التاريخية –كما تفعل بعض الحركات السياسية (في العالم العربي التي تشتري بالتضحية ثمنا قليلا)- ولكن هذا من باب الشهادة التاريخية التي يجب على أي قارئ منصف أو باحث الإدلاء بها لله وللأمة وللتاريخ ومن باب الاعتراف للناس بفضلهم وهذه قيمة الفضلاء من الناس. وهي أيضا أولا وأخيرا من باب الشرع والدين خاصة ونحن بصدد الحديث عن التجربة الإسلامية فأولو السابقة في الإسلام –وفي ميزان سيدنا عمر رضي الله عنه- المرء وسابقته وغناؤه في الإسلام مقدمون ومعتبرون، يقول الله تعالى: ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبيرا﴾ هذه مزية وسابقة ينبغي لأبناء الحركة الإسلامية أن يقدروها حق قدرها لهذا الفصيل، الذي بفضل الله وتأييده وبسبب ما قدمه بنوه و بناته من تضحيات جمة وما يقدمونه الآن صار لأبناء التيار الإسلامي موقع قدم تحت شمس الجامعة، وارتفع الأذان عاليا وأقيمت الصلاة واهتدى إلى الله أفواج وأفواج من الطلبة والأساتذة. وأنعم به من مكسب عظيم... فلا ينبغي أن يشغلنا اختلاف الانتماء أو الانتصار لأحد الفصائل عنا مجانبة القسط واحترام آداب الشرع وأحكام الدين فالاعتراف بالفضل لأهل الفضل والسبق لأهل السبق خلق رفيع.
3- القاعدة الثالثة: الحد بين الواقعية والمبدئية
الاقتناع بالمبدأ والإيمان بصوابه وصحته والدفاع عن ذلك بكل الوسائل المشروعة شيء طيب ومطلوب لكن أن يتحول هذا الإيمان إلى استخفاف برأي الآخر وتحقيره وعدم إعطائه حقه من الدراسة والتحليل والتمحيص.إلى اعتزاز جماعي مرضي وعدم احترام الغير فهذا أمر مذموم للغاية فعلى الفصائل أن تترك مساحات للحوار باحتمال الخطأ في تصوراتها أو على الأقل قبول رأي الأخر باعتباره يحمل جزءا من الصواب من خلال استحضار القاعدة الحوارية التي ثمنها فقهاؤنا الكرام رحمهم الله "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، فالمرونة أمر حيوي ومطلوب لأية حركة تغييرية والمرونة في التعامل والحوار وقبول الأخر لا تعني بحال من الأحوال "الميوعة" أو التخلي عن المبادئ وعدم "توطين" النفس كما ورد في الحديث الشريف،يوضح لنا حدود هذه "المرونة" موقفين من مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم أوردتهما السيرة النبوية العطرة:
أ-الحد الأول موقفه صلى الله عليه وسلم من قريش حين ساوموه وهددوه ليترك الدعوة إلى الله ونشر الإسلام ،فقد روى ابن هشام في سيرته : " مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا ، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها ، فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى ، فقالوا له يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا له . ( ثم ) انصرفوا عنه فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه .
فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا ابن أخي ، إن قومك قد جاءوني ، فقالوا لي كذا وكذا فأبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق قال فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله ومسلمه وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته قال ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب فقال أقبل يا ابن أخي ، قال فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اذهب يا ابن أخي ، فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدا . " قمة الثبات على المبادئ خاصة إذا علمنا ظروف هذا الموقف فالمبادئ لا مساومة ولا تبرير فيها.
ب- الحد الثاني لهذه المرونة: صلح الحديبية بكل مراحله والقصة مشهورة في كتب السيرة ولعل ابرز معالمها رجوعه صلى الله عليه وسلم دون أداء فريضة الحج. ومحوه لاسمه الشريف وفي صلح الحديبية دروس وعظات عظيمة في المحبة والأدب مع الجناب الشريف والطاعة إن في ذلك لعبرة لمن يعتبر والأمثلة كثيرة.
نخلص من خلال هذين الموقفين أنه لابد من تنازلات مرحلية لأي حركة تغييرية، ولا يعني كونها على الصواب وعلى الحق أن تتصلب على مواقفها، فأول خطوة على طريق التنازل هي القبول بالحوار مع الأخر حوارا جادا ومسؤولا يبحث عن نقط الالتقاء ويؤجل القضايا المختلف فيها إلى حين، لأن الزمن كفيل بتقريب البعيد وتيسير العسير المهم أن تكون الإرادة صادقة (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما)، وعلى كافة الأطراف التحلي بالصبر والتخلي عن "حوار الطرشان" من جهة وحوار المجاملات المعسولة من جهة ثانية لأنه إذا كان النوع الأول يضر بالغرض لكونه يسد كافة أبواب التواصل والاتصال لأن كل طرف يستمع لنفسه فقط، فالنوع الثاني أي حوار المجاملات يجعل من الحوار ونتائجه بناء هشا لا أساس له صحيحا يقيه الانهيار العاجل، نعود إلى صلح الحديبية لنقرأ كيف أن سهيل بن عمرو ممثل قريش كان محاورا حاسما لا يجامل في قضية قومه وحزبه قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي كاتب وثيقة الصلح "اكتب بسم الله الرحمان الرحيم" قال سهيل: أما الرحمان فو الله ما أدري ما هي ولكن أكتب باسمك اللهم فقال المسلمون والله لا نكتب إلا بسم الله الرحمان الرحيم، فقال النبي صلى الله عله وسلم: أكتب باسمك اللهم ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن أكتب محمد بن عبد الله فقال رسول الله :والله إني لرسول الله إن كذبتموني أكتب محمد بن عبد الله (في رواية مسلم فأمر علي أن يمحوها فقال علي والله لا أمحوها فقال رسول الله صلى الله عليه سلم أرني مكانها فأراه مكانها فمحاها).
رفض سهيل بن عمرو أن يكتب بسم الله الرحمان الرحيم وأن يكتب محمد رسول الله وهذا موقف ينم عن جدية المحاور وعدم تنازله في قضايا تراها قريش جوهرية في حين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدقق في قضايا تعد شكلية أو ثانوية مع الغرض من الحوار الذي هو تحقيق الصلح و حقن الدماء، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم حذف اسمه الشريف وإن قرر المبدأ وأكده "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني" لم يكن الغرض من هذا الحوار إقناع قريش برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه قضية أخرى فالمعطى الواقعي هو أن قريش كافرة مشركة ومع ذلك تريد الحوار في قضية محددة هي رده عن الحج وقريش أيضا تستوعب هذا المعطى الواقعي وتفقهه جدا لأنها تعتبر المسلمين قوة لا يمكن تجاهلها أو إقصاؤها فهم طرف في الحوار ورقم مهم في المعادلة رغم الاختلاف العقدي الجذري.الأفكار المتصلبة والعقول المتحجرة لا مكان لها ولا اعتبار لها في مقياس الإسلام ولا اعتبار أيضا لمن يشطر العالم شطرين شطر صائب وأخر خائب في زعمه.
قد مضى زمان كان يرى فيه البعض الرأي المخالف خطأ -إن لم نقل- خطيئة، وأقبل زمان آخر ينبغي أن يكون النقاش فيه ليس بمقياس الخطأ والصواب وإنما بمقياس الصائب والأصوب والحسن والأحسن، فيكفي كل الاجتهادات أنها داخل الإسلام، لنسلم لها ونقبلها مرجحين بعضها على بعض. وليكن شعار كافة الإسلاميين من الطلبة قول الإمام المجدد حسن البنا رحمه الله "فليعاون بعضنا البعض فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه "نقط الخلاف قليلة جدا بين أبناء الحركة الإسلامية والتوحيد بينها اختيار إستراتيجي وضرورة واقعية ومطلب شرعي" فنسأل الله أن يكشف عنا بلاء الفرقة"، ولا وحدة إلا بتنازلات جدية من كافة الأطراف ولا تنازلات إلا بحوار جدي ومسؤول أمام الله والأمة والتاريخ. مع ذلك لابد من التأكيد أن الرغبة في التوحيد لا يجب أن تدفعنا إلى التسرع فرب بناء يبنى على عجلة ينهار على عجلة. فالتدرج سنة كونية وحكمة شرعية يتعين مراعاتها، فكما قال الإمام العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه لابنه "ان الناس ان حملتهم على الحق جملة واحدة تركوه جملة واحدة " هذا إن كنت على الحق، فكيف بك إن كان رأيك وجها من وجوه الحق فقط.
4- القاعدة الرابعة: "سرطان الغرور الجماعي"
الغرور في حق الفرد داء خبيث يسري سريان السرطان في الجسم فلا يبقى على الدين ولا المروءة والإنسانية وهو إذا كان في حق الفرد منقصة ومبغضة فهو في حق الجماعة أبغض وأقبح وأفظع .فأخطر ما يمكن أن تعاني منه الحركة الإسلامية هو ما يمكن أن نطلق عليه "الغرور الجماعي" الذي يصيب أي جماعة في مقتل لأنه بكل بساطة يؤدي إلى تضخيم "الأنا"، وإذا تضخمت هذه الغولة لم تستمع إلى رأي الأخر ولم تحترمه.وصارت لا ترى العالم إلا من الداخل من خلال قراءة مغلقة يستحسنها أبناء الفريق الواحد ويؤيدها ويزينها بعضهم جملة وتفصيلا"كل حزب بما لديهم فرحون". دون أن يمتلكوا الجراءة على النقد والتحليل لأن احتمال الخطأ غير وارد أساسا فالمحيط الذي يعيشون داخله يطبعهم بوجهة نظر وحيدة مسيطرة والأمثلة على هذا الأمر أكثر من أن تحصى، حتى إن هذا الغرور الجماعي لا يكتوي بناره الآخر "المفترض". بل سرعان ما يجد أبناء التنظيم الواحد ريحه هذا إن لم يكتوو بناره، حين يفشو فيهم الاستبداد بالرأي والقرار وتضيق حويصلاتهم بالرأي المخالف أو حتى النقد الملاطف، فتغيب الشورى وتختفي المناصحة وتموت المحبة وتذوي، فإذا من نذر نفسه لمجابهة الظلم- في زعمه -صار طاغوتا صغيرا وتلك أول خطوة على درب صناعة الطغاة.
*نخص في هذا المقال الفصائل الإسلامية، على أنه لنا كلمة مع باقي الفصائل في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.