الثقافة، المهنية والآفاق ظهرت محطة العيون الجهوية سنة 2004 كأول تجربة إعلامية سمعية بصرية بالصحراء، فاتحة بذلك الباب على مصراعيه لمرحلة جديدة لم يعرف أبناء الصحراء مثيلتها من قبل. ففي وقت وجيز جداًً أصبح من الممكن الكلام عن قناة جهوية تنقل لك أخبار الصحراء من خلال بث ارضي و فضائي. وكان هذا الحدث مثار تساؤلات و ردود أفعال كثيرة ومتباينة في أوساط الصحراويين. البعض استحسن الفكرة، والبعض أبدى تحفظه والبعض الآخر لزم السلبية. وكانت هذه المستويات من ردود الأفعال هي المحدد الأساس لدى الصحراويين في تعاملهم مع القناة. "" قناة العيون والمسألة الثقافية إن اختلاف أشكال تعاطي الإنسان الصحراوي مع القناة هو في واقع الأمر نتاج مجموعة من العوامل يتداخل فيها ما هو سياسي وما هو ثقافي وما هو اجتماعي. حيث أن الطبيعة الاختيارية للمادة المقدَّمة في القناة تجعل منها منبرا يختزل الصحراء بصحراوييها في صور فنية غنائية شعرية تخلو في اغلبها من التعاطي الجاد مع ثقافة لا يمكن أن تنحصر في مجرد مظاهر فرجوية Culture de Spectacle مفرغة من مَحمولِها الغني والعريق. إن الإبداع يأتي دائما في المرحلة الثانية بعد الثقافة، التي هي أصلا مجموع الممارسة والسلوك الإنساني الذي يجد في هذا الإبداع صوتا له. فلا يمكن أن تكون هذه الأغاني والأشعار إلا الناقل الجمالي للسلوك الإنساني الصحراوي في وسط جغرافي و تاريخي معيَّنين. يستدعي التعامل مع المسألة الثقافية الكثير من الحذر من عدم السقوط في مطبات الاختزالية أو التتفيه كأن نترك التنظير في أيدي أناس لا علاقة لهم بالنظرية الثقافية. فالثقافة أسمى من أن تكون مجرد مادة ترفيهية أو محط نقاش لأناس لا تمتهم بالبحث العلمي أي صلة. فبدل أن تحاول قناة العيون بان ترقى بالبحث العلمي بالصحراء من خلال تقديم برامج تغني النقاش الثقافي بالمنطقة وتنفتح على الباحثين الحقيقيين في مختلف المجالات، بقيت هذه القناة حبيسة وجوه تنقل الصورة المغلوطة لغير العارف بالصحراء. لا يمكن أن ننكر أن للقناة ما يحسب لها كأن تقدم للجمهور فاعلين جادين ما كانوا ليعرفوا لولا تسليط الضوء عليهم. لكن في الجانب الأخر تتعرض القناة للكثير من النقد لما تقدمه من مادة ناقصة يشوبها الكثير من المسكوت عنه. قناة العيون وسؤال المهنية ساهمت قناة العيون منذ نشأتها في خلق حركية كبيرة في الصحراء، حيث مثلت صلة الوصل لدى الكثير من الصحراويين مع محيطهم الثقافي والسياسي والاجتماعي. و تبقى هذه المساهمة، التي قد تبدو مهمة، نتيجة للفراغ الذي كانت تعيشه الصحراء على المستوى الإعلامي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة هو مدى مهنية طاقم القناة؟ ومدى إنعكاس هذه المهنية على المادة المقدمة؟ عمدت القناة عند أول انطلاقة لها إلى إجراء مباريات لتشغيل طواقم من المنتظر أن تكون هي المحرك لهذه التجربة التي كانت في مرحلتها الجنينية آنذاك. وهو ما وقع فعلا؛ حيث تفاجأ الجمهور الصحراوي بمقدمين و أشباه إعلاميين لا دراية لهم بميدان تحكمه التقنية بشكل كبير، اللهم القلة القليلة التي مرت من مراكز تكوين تسمح لها بأن تلج الإعلام. فمنهم من سقط في تقليد ومحاكاة تجارب إعلامية معروفة في الإعلام العربي ومنهم من لم يتقن حتى قواعد اللغة العربية وبالأحرى يصبح مقدما لقناة تُبث عبر الفضاء لجمهور واسع. ونقول بهذا الصدد كيف لمنبر إعلامي أصبح يحظى بمتابعة واسعة أن يعتمد على طواقم لا دراية لهم بالإعلام على مستوييه التقني و النظري؟ ما هي المعايير التي تُأخذ بعين الاعتبار في اختيار إعلاميين من المنتظر أن يتقنوا بحرفية تقنيات تقديم المادة الإعلامية والتجاوب مع ضيوف حلقات البرامج بشكل أحسن من ما هو موجود الآن؟ إن الجمهور الواسع الذي يتابع برامج تلفزة العيون هو تفسير لمدى إهتمام هؤلاء بما قد تأتي به من جديد يهمهم بشكل مباشر. ويبقى هذا هو الداعي الرئيس لإعادة النظر في الكثير من جوانب هذه التجربة من خلال خلق منابر تقييمية تنظر إلى متطلبات المشاهد ورأيه فيما يقدم له من مادة. *باحث في الثقافة والهوية [email protected]