قافلة طبية حقوقية كان من المرتقب أن تحط الرحال بقرية تزمامارت، التي ارتبطت في الذاكرة التاريخية بالمعتقل سيئ الذكر الذي يحمل اسمها، أُلغيت في ظل "غضب وسخط شديدين" من الجمعية التي تضم السجناء السابقين بالمعتقل السري زمن سنوات الرصاص. وبعد قافلتين سابقتين، توصل منظمو النسخة الثالثة، على بعد أيام من الموعد، بمراسلة، اطلعت عليها هسبريس، تقول ب"عدم الاستجابة لتنظيم القافلة الطبية ليوم السبت 2 دجنبر 2023، لتزامنها مع قوافل طبية مبرمجة سلفا". ووفق معلومات استقتها الجريدة الإلكترونية فإن المندوبية الإقليمية للصحة بميدلت اعتذرت عن الترخيص للقافلة الطبية في تاريخها الحالي، بعد تأجيل موعدها السابق الذي كان مقررا قبل شهر، نظرا لتزامن الموعد مع أنشطة صحية أخرى مبرمجة. من جهتها وسمت "جمعية ضحايا تزمامارت" هذا التطور ب"المنع المبطن والمقنع لقافلة تزمامارت الطبية الحقوقية، التي كان من المزمع تنظيمها أيام فاتح، 2 و3 دجنبر المقبل، من قبل كل من الجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا العنف وسوء المعاملة، وجمعية ضحايا تزمامارت وجمعية تزمامارت للثقافة والتنمية، بشراكة مع الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، والجمعية المغربية لوقاية الفم والأسنان، وهيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية لحقوق الإنسان". وأضافت الجمعية: "المندوبية الصحية بإقليم ميدلت سبق لها أن رحبت ووافقت مبدئيا على هذا النشاط وأعربت عن استعدادها لدعمه؛ والحال أن الوازع الكامن خلف هذا القرار، كما تفيد بعض المعطيات، هو طابعها الحقوقي غير المرحب به من طرف السلطات". في حين ذكرت "الجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا العنف وسوء المعاملة" أن هذا "قرارٌ مفاجئ للمندوبية، بعد ترحيبها والموافقة المبدئية والرسمية على هذا النشاط والاستعداد لدعمه"، وتابعت: "نعتذر لساكنة تزمامارت التي عبرت عن ترحيبها بالقافلة والانخراط الجماعي لإنجاحها، ونأسف لهذا القرار، وسنتابع عملنا الإنساني كجمعية طبية لحقوق الإنسان، متشبثين بمبادئ كونية حقوق الإنسان ومبادئ وآداب وأخلاقيات المهن الطبية، وبحق الولوج للخدمات الطبية دون تمييز". كما سجلت الجمعية المنظمة للقافلة أنها ستجدد موعدها مع الساكنة والجمعيات التي انخرطت معها في هذا المشروع الحقوقي "في تاريخ يحدد في وقت لاحق". في هذا السياق، قال عبد الكريم المانوزي، عن الجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، إن "هذه القافلة الطبية الحقوقية الثالثة، بعد قافلتين نظمتا سنتي 2012 و2015، لقيت في البداية ترحيب السلطات، وأجلناها بعد أحداث غزة، وقمنا بإشعار (الداخلية) ووضعنا طلبا لدى وزارة الصحة، قبل أن نفاجأ بهذا الاعتذار في آخر لحظة". وزاد المانوزي في تصريحه لهسبريس: "كان من المقرر انتقال 80 مشاركا عبر الحافلات والسيارات، وكانت ساكنة تازمامارت تنتظر هذا التنفيس الحقوقي والصحي، الذي كان من المبرمج أن تتخلله ورشات حول الإنصاف، وحفظ الذاكرة، وعدم التكرار، وهي كلها أنشطة داخلة في ترسيخ دولة القانون، ولا إشكال فيها"، وواصل: "هذا نشاط حضاري، ولا يمكن أن يكون المنع إلا عكسيا، فمنذ 15 سنة كنا نقوم بأنشطة أكبر من هذه، ومثل ما وقع الآن رجوع إلى الوراء، نتمنى من المسؤولين التراجع عنه؛ لأن تثبيت دولة الحق والقانون التي نسعى لها يتطلب إسهام الدولة والمجتمع المدني. بينما توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي صادق عليها ملك البلاد لم تر إلى اليوم النور بطريقة كاملة، ولو أن هذا ما يعطي المصداقية الدولية للمغرب، ولا يجب أن نرجع عنه". أحمد المرزوقي، عن جمعية ضحايا تزمامارت، ذكر من جهته أن "هذا المنع" يأتي في إطار أوسع "لطمس الذاكرة"، ومن أوجهه "قيام المجلس الوطني لحقوق الإنسان بما يسميه تأهيل المنطقة دون إشراكنا"، مردفا: "في لقاء منذ سنتين اتفقنا على تحديد هوية ضحايا المعتقل، وقلنا إنه عبر تقنية الحمض النووي سيكون الحسم دون لغط، لكن كان هنالك تلكُّؤ، وفي رأيي أن المراد ألا تحدّد الأسماء في قبورها، حتى لا تصير مزارا للعائلات، وهذا ما يفسّر الاقتصار على حجر فيه الأسماء". وتابع المرزوقي: "يريدون حفظ الذاكرة بطريقتهم، وقفزوا علينا، وكأنهم هم من كانوا بتزمامارت، بينما نحن من أمضينا حياتنا في الظلمات، ومنا من توفي في ظروف اجتماعية مزرية، في غياب إرادة لتسوية ملفنا إلى اليوم".