بتنسيق بين المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف والجمعية الطبية لتأهيل ضحايا التعذيب ، شهدت مدينة تنغير ونواحيها أيام 8 و9 و10 يونيو 2012، فعاليات قافلة حقوقية وإنسانية تندرج في إطار العمل المشترك للجمعيتين من أجل حفظ الذاكرة وإعادة الاعتبار لضحايا سنوات الجمر والرصاص. ففي يوم الجمعة 8 يونيو 2012، انطلقت القافلة من مدينة الدارالبيضاء وهي مكونة من حافلة وعدد من السيارات الخاصة تحمل أعضاء من المكتب التنفيذي للمنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف، وأعضاء من المكتب المسير للجمعية الطبية لتأهيل ضحايا التعذيب، وعددا من مناضلات ومناضلي المنتدى بكل من الدارالبيضاءومراكش وآكادير، بالإضافة إلى عدد من الأطباء والطبيبات المغاربة والأجانب من مختلف التخصصات وعدد من الصيدلانيات والصيادلة وممرضين وممرضات وفعاليات حقوقية وعدد من الصحفيين. وشكلت المسافة الزمنية التي قطعتها القافلة بين الدارالبيضاء وتنغير، مرورا بمراكش وورزازات وقلعة مكونة وبومالن دادس، مناسبة قدم فيها عبد الحق عندليب عضو المكتب التنفيذي للمنتدى المكلف بالذاكرة، بيانات ومعلومات لفائدة المشاركين في القافلة حول ما عانته المنطقة ومناضلوها وساكنتها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال الحقبة الممتدة من سنة 1956 إلى سنة 1999. وفي هذا الصدد ألقى عضو المكتب التنفيذي للمنتدى الضوء على عدد من الأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدها المغرب في إطار الصراع من أجل بناء الدولة المغربية ما بعد مرحلة الاستعمار، حيث لجأ الحاكمون آنذاك عبر أجهزتهم الأمنية والعسكرية إلى أساليب القمع والتنكيل بمعارضيهم ومناهضي سياسة الاستبداد . كما سلط عندليب الضوء على أساليب الاختطاف والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب المحرمة دوليا في إطار الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والتي مارستها تلك الأجهزة تجاه المئات من الضحايا، خاصة من عائلات مناضلة معروفة في المنطقة كعائلة سيدي حمو عبد العليم ، وعائلة فخر الدين محماد ، وعائلة علي السكونتي ، وعائلة سالم أومسعود وعائلة حدو اللوزي ، وعائلة موحا أوحرفو وعائلة أولهاوس ، وعائلة ايت سعيد بودريق وعائلة العربي ايت زايد . أما الدكتور عبد الكريم المانوزي رئيس الجمعية الطبية لتأهيل ضحايا التعذيب، فقد أبرز العلاقة السببية بين ما يعانيه الضحايا من اضطرابات نفسية وعاهات صحية، وما تعرضوا له داخل المعتقلات السرية وغير السرية من تعذيب وسوء المعاملة وسوء التغذية وانعدام الحد الأدنى من الشروط الصحية والإنسانية. كما أكد المتدخل بأن مسؤولية تقديم العلاج والتطبيب والإسعافات اللازمة للضحايا ملقاة على عاتق الدولة المغربية، حيث أنها قد أقرت بمسؤوليتها في ما تعرض له ضحايا سنوات الرصاص من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وفي يوم السبت 9 يونيو 2012 شهد مقر المستشفى الإقليمي بتنغير توافد مئات المواطنات والمواطنين من مختلف الجماعات التابعة للإقليم من أجل الاستفادة من الخدمات الطبية التي وفرتها الجمعية الطبية لتأهيل ضحايا التعذيب بدعم من عدد من الأطباء والصيادلة والممرضين المتطوعين، ومن طرف المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة والمركز الطبي لبومالن دادس والمركز الطبي مولاي علي الشريف بتنغير. فبعمل متواصل استغرق أزيد من 8 ساعات، استطاع الطاقم الطبي المشارك في القافلة، إجراء المئات من الفحوصات والعمليات وتقديم الأدوية للمرضى وتوجيههم إلى مستشفيات ومصحات الإقليم من أجل استكمال الفحوصات وإجراء العمليات الجراحية اللازمة، حيث بلغ عدد المستفيدين 1162 شخصا، جزء منهم ذاق مرارة الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة التي تجرعها المئات، بل الآلاف من ساكنة المنطقة. وفي مساء يوم السبت 9 يونيو 2012 توجهت القافلة إلى مكان دفن الشهيد العربي آيت زايد الذي تمت تصفيته على خلفية أحداث 3 مارس 1973، وتم دفنه بكامل ملابسه في حفرة في تحد سافر لكل المشاعر الإنسانية والطقوس الدينية للمغاربة. وقد استمع الحاضرون بعد قراءة الفاتحة ترحما على روح الفقيد إلى شهادات في الموضوع قدمها كل من كاتب فرع المنتدى بتنغير إدريس فخر الدين وبعض أقارب الفقيد، مذكرين بكل المبادرات والمحاولات التي قاموا بها لدى سلطات الإقليم من أجل احترام كرامة وحرمة الشهيد ووضع جثته داخل قبر طبقا للقوانين والأعراف الجاري بها العمل، إلا أن هذه المحاولات لم تلق آذانا صاغية. أما رئيس المنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف مصطفى المانوزي، فقد عبر عن موقف المنتدى بإدانة الاعدامات خارج نطاق القانون التي ذهب ضحيتها المئات من الضحايا، مؤكدا على أن المنتدى سيظل متشبثا بالكشف عن الحقيقة في هذا الموضوع، وبالكشف عن مصير المختفين قسرا وعن كل المقابر الجماعية لضحايا القتل الجماعي، ملتزما بمعية رئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان فاطمة عراش بتقديم شكاية إلى النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بورزازات من أجل إجراء بحث حول ظروف وملامسات اغتيال ودفن الشهيد العربي ايت زايد. وفي نهاية هذه الوقفة طالب المشاركون في القافلة الجهات المعنية بالتحفظ على مكان الدفن وإجراء الكشف الجيني على جثة الفقيد للتأكد من هويته وتسليم رفاته لعائلته كي تعيد دفنها وفق ما تقتضيه الشعائر المعمول بها في بلادنا . وفي حدود الساعة التاسعة ليلا من مساء يوم السبت 9 يونيو 2012 عقد المكتب التنفيذي للمنتدى بمقر المركز الثقافي والتربوي لتنغير، لقاء تواصليا بمشاركة رئيس المنتدى ورئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان. وفي مستهل هذا اللقاء الذي ترأسه إدريس فخر الدين كاتب فرع المنتدى بتنغير وعبد الرحمان عبد العليم أمين الفرع ، قدمت رئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بيانات حول ما قامت به اللجنة من أعمال لفائدة ضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، خاصة ما يتعلق بالإدماج الاجتماعي والتغطية الصحية وجبر الضرر الفردي والجماعي. وأكدت المتدخلة أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان ملتزم بمواصلة العمل من أجل تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وبأن اللجنة مستعدة للتعاون مع فرع المنتدى بتنغير من أجل تسوية مطالب الضحايا. أما رئيس المنتدى مصطفى المانوزي فقد استعرض أهم الأنشطة والمبادرات التي قام بها المنتدى خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث توقف بالأساس على المذكرة التي أعدها المكتب التنفيذي للمنتدى حول الإصلاحات الدستورية ليؤكد على أن جل مطالب المنتدى قد تحققت في هذا المجال، وبأن المنتدى سيواصل نضاله من أجل الإصلاح الشامل للدستور ومن أجل إصلاح القضاء وإعمال الحكامة الأمنية وكل ما تضمنته توصيات هيئة الانصاف والمصالحة .وأكد المانوزي رفض المنتدى للإفلات من العقاب الذي يكرسه البند7 من مشروع القانون 12-01 الذي يقدم الحصانة للعسكريين عند اقترافهم لجرائم من قبيل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ويجدر التذكير بأن برنامج القافلة ليوم السبت 9 يونيو 2012 قد اختتم بسهرة فنية على إيقاع طبول ورقصات كناوة التي تفاعل معها كل المشاركات والمشاركين في القافلة . وفي اليوم الأخير من برنامج القافلة، أي يوم الأحد 10 يونيو 2012 انتقلت القافلة نحو المعتقل السري الرهيب بقلعة مكونة، حيث تمت زيارة بقايا الزنازين التي احتجز داخلها العشرات من المناضلين خلال سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، خاصة منهم مجموعة بنوهاشم ومجموعة من المنحدرين من الأقاليم الصحراوية. ففي هذه الوقعة الرهيبة تم حمل اللافتات وصور مجهولي المصير وتم رفع الشعارات المطالبة بالكشف عن الحقيقة الكاملة حول ما حدث من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وبتوضيح مصير كل المختفين قسرا ومساءلة المتورطين في هذه الانتهاكات وجبر أضرار كافة الضحايا والتحفظ على كل الأماكن والمعتقلات التي شهدت أبشع صور الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والعمل على ترميمها وتحويلها إلى مراكز للذاكرة. وقبل الاطلاع على زنازين هذا المعتقل الرهيب، قدم عبد الحق عندليب وسعيدة الرويسي عضوا المكتب التنفيذي للمنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف، بيانات حول أماكن الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري التي استعملت خلال سنوات الرصاص من أجل تعذيب الضحايا وممارسة القتل البطيء ضدهم انتقاما منهم على جرأتهم في مواجهة الاستبداد والظلم والتسلط وانتهاك حقوق المواطنات والمواطنين، وأن ما تعرض له الضحايا من تعذيب وسوء المعاملة في مثل هذه الأماكن قد أدى إلى استشهاد العشرات منهم، وإصابة المئات بعاهات نفسية وجسدية مستديمة. بعد ذلك قدم المعتقل السياسي السابق محمد الرحوي الذي قضى بمعتقل قلعة مكونة أزيد من 3 سنوات ضمن مجموعة بنوهاشم المكونة من عدد من مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، شهادة حية حول الظروف اللاإنسانية التي عانى منها الضحايا داخل كهوف لا تتوفر على أبسط الشروط الصحية ولا تقدم فيها للضحايا التغذية التي تليق بالبشر ولا تقدم لهم الإسعافات الطبية اللازمة، ولا يسمح لهم بزيارة الأهل والأصدقاء. هذه الظروف التي أدت كما أوضح الرحوي إلى استشهاد بعض الضحايا وإصابة آخرين بعاهات صحية مازالت مستمرة مع الناجين منهم من الموت رغم خروجهم من هذا المكان الرهيب بعد إطلاق سراحهم. وفي ختام القافلة قدم الدكتور عبد الإله الهيري رئيس الائتلاف الطبي المغربي الفرنسي، تقريرا على مجمل الأنشطة والعمليات الطبية التي قام بها الأطباء والممرضون والصيادلة المشاركون في القافلة لفائدة المرضى من ضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، كما عبر الدكتور عبد الكريم المانوزي عن استعداد الجمعية الطبية لتأهيل ضحايا التعذيب لمواصلة كل عمل إنساني يهدف إلى التخفيف من معاناة ضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وقدم عبد الحق عندليب وسعيدة الرويسي شكرهما باسم المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف لكافة الأطباء والصيادلة والممرضين والحقوقيين والصحافيين الذين شاركوا في القافلة وإلى كل من ساهم في إنجاحها من مسؤولين عن قطاع الصحة العمومية بالإقليم وسلطات محلية. وأكدا على أن المنتدى مدعم من كافة مكونات الحركة الحقوقية والقوى الديمقراطية ومصمم على مواصلة النضال من أجل التسوية الشاملة والعادلة والمنصفة لملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال الكشف عن الحقيقة الكاملة حول ما حدث في الماضي من انتهاكات جسيمة، ومساءلة المتورطين في هذه الانتهاكات وجبر أضرار كافة الضحايا بمن فيهم أصحاب الملفات خارج الآجال أو الذين أقرت هيئة الإنصاف والمصالحة في حقهم بعدم الاختصاص، ووضع كافة التدابير والإصلاحات اللازمة قانونيا ومؤسساتيا من أجل عدم تكرار ما حدث في الماضي وحفظ ذاكرة ما حصل من تجاوزات باعتبار هذه الذاكرة ذاكرة جماعية، وجزءا لا يتجزأ من تاريخ بلادنا حتى تستطيع الأجيال الحالية والقادمة استخلاص الدروس والعبر منها، والعمل على تجنب كل الأسباب والعوامل التي أدت إلى حدوث تلك الانتهاكات التي انعكست سلبا على مجتمعنا.