قالت حنان رحاب، الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، "إن التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة والنقاشات والمقترحات بخصوصها يجب أن تبتعد عن أي شكل من أشكال الاستقطاب، سواء الإيديولوجي كما حدث للأسف أثناء عرض الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، أو على أساس صراع وهمي بين الرجال والنساء"؛ وذلك حلال كلمة ألقتها أمام اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة أمس الجمعة. وأوردت رحاب أن "الأفق الذي نطمح إليه هو مدونة في صالح الأسرة المغربية، بمختلف تعبيراتها، يجب أن تساهم في الاستقرار والتوازن الأسريين". وشددت القيادية الاتحادية على أن "القانون لا يجب أن يعكس مستوى وعي المجتمع، بل أن يساعد هذا المجتمع على التطور والتحرر"، مضيفة: "لا يمكن أن نقبل باستمرار بعض المظاهر المنافية لحقوق الإنسان، وخاصة حقوق النساء والأطفال، بمبرر أنها أعراف اجتماعية". وتابعت المتحدثة ذاتها: "إذا كانت بعض مناطق البلاد على سبيل المثال تشرعن زواج القاصرات، وتعتبره موروثا، رغم ما ينجم عنه من مآس، فإن قانونا يمنع زواج القاصرات، ويجرمه، ويوقع عقوبات صارمة على من يسهله، سيساعد مع مرور الوقت على تغيير العقليات التي كانت تقبل به". من جهة أخرى، اعتبرت رحاب أن التعديلات المرتقبة "يجب أن تعالج العديد من القضايا الملحة، كتلك المتعلقة بإثبات النسب"، مبرزة أنه "لم يعد مقبولا في بلد يعتبر الإسلام دينا رسميا للدولة أن يستمر اعتبار الخبرة الجينية للاستئناس فقط، فالإسلام دين العقل، وهو كذلك دين العدل، ولا نرى أي وسيلة أضمن لعدم اختلاط الأنساب كما تصطلح على ذلك المدونة الفقهية من الخبرة الجينية، وبالتالي يجب اعتمادها مصدرا وحيدا لإثبات النسب، إلى جانب إقرار الأب المفترض بالبنوة". وزادت المتحدثة نفسها: "يجب أن يترتب على ذلك اعتبار الأبناء المزدادين من علاقة خارج إطار الزواج الشرعي يتمتعون بكل حقوق الأبناء المزدادين في إطار مؤسسة الزواج، انطلاقا من القاعدة الربانية الكبرى: لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن يتم بحكم هذا المقتضى حذف أي إجراءات تمييزية قد تلحق ضررا نفسيا أو قانونيا أو ماديا بهؤلاء الأبناء"؛ كما دعت إلى "تثمين العمل المنزلي عند احتساب الممتلكات المحصلة أثناء الزواج"، معتبرة أنه "إذا كانت رعاية الأبناء مسؤولية مشتركة بين الأب والأم فإننا نرى أنه حتى مسؤولية الإنفاق يجب أن تكون مشتركة، إذا كان كلا الطرفين لهما مداخيل شخصية، وهو ما يجب أن ينسحب حتى على النفقة بعد إيقاع الطلاق، بحيث يجب تقدير النفقة على حسب احتياجات الأبناء وإمكانات كل من الأب والأم"، واستطردت: "إننا في منظمة النساء الاتحاديات نرفض هذا التناقض بين رفع مطالب حقوقية تنبع من قيمة المساواة وفي الآن نفسه القبول بمقتضيات أخرى لا علاقة لها بهذه القيمة". وفي هذا الإطار اقترحت رحاب أن يمر أداء النفقة حصريا عبر صندوق يحدث لهذا الغرض، بحيث يستلم الحاضن مستحقاته من خلاله عبر بطاقة سحب، مردفة: "هذا الصندوق نقترح أن يكون تمويله مما يودعه من استحقت النفقة عليهم، وكذلك من تمويل من طرف الدولة، بحيث إذا عجز من عليه النفقة عن الأداء لسبب من الأسباب يستطيع الحاضن الاستمرار في الحصول على النفقة لمدة ثلاثة أشهر، على أن يسوي دافع النفقة ما استحق عليه لاحقا، وبهذا نضمن انسيابية النفقة من جهة، ونقلل من القضايا المرفوعة أمام المحاكم بخصوص النفقة". في السياق ذاته، أثارت القيادية الاتحادية موضوع الولاية على الأبناء بعد الطلاق، واعتبرت أنه "لم يعد مقبولا أن تبقى حصرا بيد الأب، فقد أبانت التجربة أن الأبناء يكونون ضحايا هذا الإجراء، وبالتالي يجب أن تكون الولاية مشتركة بين الأم والأب، بل إنه لا يجب حرمان الحاضن منها، لأنه هو الذي يقوم عادة بالإجراءات المتعلقة بدراسة الأبناء، أو وثائقهم الإدارية وغيرها من المعاملات، ولا يجب أن تسقط الولاية إلا بحكم قضائي يستند إلى الإخلال بمقتضياتها وواجباتها". كما اقترحت الفاعلة السياسية ذاتها "تحويل مسطرة الصلح إلى مؤسسة قائمة بذاتها، بحيث تحدث خلايا في كل المحاكم الاجتماعية، ويتم توظيف مختصين نفسانيين واجتماعيين ومرشدين دينيين، وتكون مهمة اللجنة والخلايا دراسة طلبات الطلاق المقدمة من طرف القضاة، ومحاولة إجراء عمليات الصلح، ومرافقة الأزواج إذا نجح الصلح، ولا يتم إيقاع الطلاق إلا إذا كان الضرر جسيما، أو بتقرير من الخلية يثبت استحالة الصلح". واعتبرت المتحدثة أن "هذا المطلب يجد مبرره في الأرقام المتصاعدة لحالات الطلاق الناجمة في أحيان كثيرة عن تحول مسطرة الصلح إلى إجراء شكلي فقط؛ وكثيرة هي الحالات التي تتم الاستجابة فيها لطلبات الطلاق في حين كان بالإمكان إنقاذ العلاقة الزوجية والأسرية، لأن المشكل كان عابرا". إلى ذلك، اعتبرت رحاب أن "بعض أحكام الإرث لا تستند إلى نصوص دينية قطعية الثبوت، وقطعية الدلالة، بل هي من الظنيات، وهي اجتهادات بشرية اكتسبت بمرور الزمن رغم تغير السياقات ما يشبه الإطلاقية، ولذلك ينبغي إعادة النظر في بعضها بما ينسجم مع روح الإسلام وسياقات العصر وغايات الإنصاف، وعلى رأس تلك الأحكام ما ارتبط بالتعصيب، إذ تنطوي على ظلم في حق زوجة المتوفى وبناته في حال لم يكن له ولد، وهو ظلم لا يمكن قبوله بمسوغ ديني ضعيف، ولا بمنطق حقوقي، ولا حتى بمبادئ الأخلاق والفضيلة والمروءة"، بحسبها.