انتصار دبلوماسي جديد للمملكة المغربية تمثل في قرار مجلس الأمن رقم 2703 المتعلق بالحالة في ما يتعلق بالصحراء المغربية وفي الوقت نفسه هو تذكير جديد للعالم واعتراف سياسي رفيع المستوى في ظل مناخ جيوسياسي عالمي متقلب زمن الحروب المجنونة والمواجهات العنيفة والاستقطاب المفتوح بين مختلف المحاور بصوابية المقترح المغربي من أجل إنهاء نزاع مفتعل عمّر أكثر من خمسة عقود وأثر بشكل كبير على الفرص التنموية التي من الممكن استثمارها خدمة لازدهار وسلام مغرب الشعوب الديمقراطي المنفتح على محيطيه القريب والبعيد. قرار جديد يكرس سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية بعد عقود من المؤامرات الخبيثة والمحاولات البئيسة لفصلها عن وطنها الأم وبعد سنوات من الصراع المفتوح في مواجهة ميليشيا إرهابية تهدد الأمن الإقليمي والاستقرار العالمي خدمة لأجندات بومدينية متهالكة للنظام العسكرتاري الجزائري فالقرار الأممي الجديد يأتي في ظل مجهودات استثنائية تبذلها الدبلوماسية المغربية متسلحة بالرؤية الملكية المستنيرة وبثوابت الأمة المغربية في ملف الوحدة الترابية وسط الدعم الدولي المتزايد من نحو مائة دولة عضو في الأممالمتحدة للمبادرة المغربية للحكم الذاتي وافتتاح أكثر من ثلاثين قنصلية عامة في كل من العيون والداخلة مع تسجيل عدم الاعتراف من قبل أكثر من 84 في المائة من الدول الأعضاء في الأممالمتحدة بالكيان الوهمي. كما أن هذا القرار هو اعتراف صريح بالمجهودات الكبرى التي تبذلها الدولة المغربية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة في إطار النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي حوّل الصحراء المغربية إلى ورش تنموي عملاق تتجسد فيه العبقرية المغربية وإصرار الشعب المغربي على التنمية والبناء والسلام. undefined 00:00 / 00:00 قرار مجلس الأمن الأخير عرف تصويت 13 دولة بمجلس الأمن الدولي لصالح قرار حول الصحراء المغربية؛ فيما امتنعت دولتان عن التصويت هما روسيا والموزمبيق، وهو القرار الذي حمل رقم 2023/2703 والذي يؤكد على الطابع الإقليمي للنزاع المفتعل ويدعو كل الأطراف الإقليمية إلى العودة إلى مسار الموائد المستديرة لفتح حوار جدي ومسؤول للبحث على حل سياسي واقعي متوافق بشأنه وعادل ومستدام مستند على المعايير السياسية لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد ونهائي للنزاع؛ وذلك بتحديد الإطار المرجعي للحل السياسي انطلاقا من روح قرار مجلس الأمن رقم 1754 / 2007، وهي السنة التي عرفت اقتراح المغرب لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. الموقف الروسي الكلاسيكي يمكن تفهمه دون ربطه أو وضعه في سياق التجاذبات الجيوسياسية، التي يعرفها العالم منذ بداية الحرب الأوكرانية؛ فيما الموقف الأمريكي يأتي بعد ثلاث سنوات من الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية الذي شكل منعطفا مصيريا في تناول القوى الدولية الفاعلة الأخرى للملف. الموقف الفرنسي يمكن اعتباره جزءا من السلوك الدبلوماسي الفرنسي الدائم اتجاه قضية الوحدة الترابية ويمكن قراءته كخطوة فرنسية لخفض التصعيد مع المغرب، خاصة بعد الإشارات القوية التي ترسلها الرباط حفاظا على العلاقات التاريخية مع باريس. بالنظر إلى قائمة الدول التي صوتت لصالح القرار، الصين والمملكة المتحدة وألبانيا والبرازيل وإكوادور والغابون وغانا واليابان ومالطا وسويسرا؛ وهي دول استطاعت الدبلوماسية المغربية، طوال سنوات، بناء مسارات صلبة للتعاون الدبلوماسي وخلق آفاق تنموية واقتصادية معها وفق مبدأ رابح – رابح. الإمارات العربية المتحدة الدولة الشقيقة للمملكة المغربية تظل أحد أهم الشركاء الإستراتيجيين للمملكة المغربية، وتعتبر أحد أهم الحلفاء الثابتين في مواقفهم بالنسبة للمغرب وتلعب دورا مركزيا في ترسيخ العمق العربي للمغرب؛ بالنظر إلى العلاقات التاريخية والأخوية بين قيادة الإمارات وجلالة الملك محمد السادس، حيث يظل محور الرباط / أبو ظبي جزءا أساسيا من الأمن القومي العربي الممتد من الخليج للمحيط. الغابون الشقيقة هي قاعدة صلبة للإستراتيجية المغربية في إفريقيا، إذ إن العلاقات الثنائية بين الدولتين على مستوى القيادة الجديدة في الغابون والشعب تعتبر نموذجا متميزا للتعاون الإقليمي بين دول جنوب – جنوب . القرار الأممي نبه إلى الوضعية المأساوية التي يعيشها المحتجزون في مخيمات تندوف بظروف لا إنسانية وضرورة أن تقوم المنظمات الإغاثية الدولية بالعمل على تمكينهم من المساعدات الغذائية؛ وذلك لن يتم إلا بالحفاظ على حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بإحصائهم وضبط أعدادهم. وشدد القرار الأممي على ضرورة تمكين المحتجزين من حقوقهم في تأسيس الجمعيات والمنظمات المدنية والتعبير على الرأي. على المستوى الحقوقي، أشار مجلس الأمن إلى الخطوات والمبادرات الحقوقية الجادة التي يقوم بها المغرب في الصحراء المغربية ممثلة في الآليات الوطنية لحقوق الإنسان مما يشكل انتكاسة حقيقية وهزيمة نكراء لكل الطروحات الوهمية والحالات الحقوقية المفبركة التي تروجها ميليشيا البوليساريو في ردهات المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتي أصبحت متجاوزة قانونيا وأمميا وسياسيا. قرار مجلس الأمن الأخير تحقق بفضل المجهودات الاستثنائية التي بذلتها مختلف أجهزة الدبلوماسية المغربية والمصالح الخارجية من أجل الترافع الجدي والمسؤول على قضايا الوطن المقدسة وفضح كل المناورات والمؤامرات التي تستهدف أمن واستقرار ووحدة الوطن في ظل الالتزام الكامل بالرؤية الملكية المتبصرة لنهج عمل الدبلوماسية المغربية كإحدى أهم المؤسسات الإستراتيجية المنوط بها الدفاع عن المقدسات الوطنية والحفاظ على المصالح العليا للشعب المغربي؛ فالمتتبع لصيرورة عمل الدبلوماسية المغربية يجدها ترتكز على قواعد صارمة مؤسسة لها ولا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عنها.. هي قواعد تتمثل في حماية المصالح العليا للمغرب أولا والتزامها بالقانون الدولي والشرعية الدولية واحترام الوحدة الترابية للدول ودعم جهود السلام العالمية والإقليمية والانخراط الجدي والمشاركة الفعالة في كل الاتفاقيات الإطارية متعددة الأطراف للأمم المتحدة؛ كقضايا التنمية المستدامة ومكافحة الإرهاب الدولي والجريمة العابرة للقارات والسلم العالمي. بالإضافة إلى أن الانخراط الجدي والفاعل والوازن في الهندسة المؤسساتية للتعاون الدولي والوضع العالمي بعد جائحة كورونا أصبح يفرض على كل دول العالم، بما فيها المغرب، الالتزام بقواعد أكثر واقعية تفرض تغليب منطق دبلوماسية المصالح على دبلوماسية المواقف التي أصبحت نهجا متقادما مع سقوط جدار برلين ونهاية القطبية الثنائية وبروز عالم جديد متعدد الأقطاب. الدبلوماسية المغربية تعتمد، اليوم، على "إستراتيجية الفعل" ولا تبني مواقفها على "ردود الأفعال"؛ وهو ما عودتنا عليه في قضايا مصيرية اتخذت فيها مواقف صارمة بقراءة إستراتيجية ورؤية مستقبلية جد متقدمة. طوال ثلاث سنوات ومنذ انتصار الكركرات السياسي والعسكري والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء واتفاقيات إبراهام وأزمة بنبطوش مع إسبانيا وردع التدخل الألماني في الشؤون الداخلية للمملكة والأزمة السياسية مع الاتحاد الأوروبي والتطويق الإستراتيجي لميليشيا البوليساريو في الاتحاد الإفريقي ونجاح نهج القنصليات في تثبيت السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية ومشروع ربط المغرب بطريق الحرير الصيني كشريك متميز بالإضافة للتموقع المغربي المتقدم جدا في منظومة الأممالمتحدة والعودة القوية إلى الساحة الإفريقية والاحتضان الحيادي للملف الليبي والدور المركزي في الملف الفلسطيني والنجاح المبهر في معركة توفير لقاح كورونا وإدارة العلاقات مع الحليف الأمريكي بشكل متوازن وتدبير الموقف بمسؤولية في ملف العلاقات مع إسرائيل، كلها مسارات دبلوماسية ومعارك سياسية انخرط فيها الجهاز الدبلوماسي المغربي بقيادة السيد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية، بإشراف ملكي مباشر وبخطى ثابتة متوازنة لتنزيل الرؤية الملكية المتبصرة حقق فيها إنجازات جيوسياسية كبرى بفضل نهج التوازن الإستراتيجي لسياساته بين مطالب الشرق وتحصين مكتسباته مع الغرب. بالعودة إلى التاريخ القريب في حرب الصحراء المقدسة التي خاضتها أسود القوات المسلحة الملكية المغربية بكل شرف وبطولة وبرغم دعم بعض الأصدقاء من دول المعسكر الغربي وحلف الناتو للمغرب في جهوده الحربية والدعم السوفياتي وشركائه في المنظومة الاشتراكية للجزائر وميليشيا البوليساريو ظلت الدبلوماسية المغربية فاعلة في منظمة دول عدم الانحياز ملتزمة بالشرعية الدولية رافضة الانخراط في سياسة المحاور أو أن يتحول المغرب إلى مجرد رقم في معادلات الصراع الشيوعي / الرأسمالي مبتعدا عن نموذج شاه إيران أو أنظمة جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية وباقي الأنظمة التابعة وراء الستار الحديدي. الحياد الإيجابي للمملكة المغربية اليوم في العديد من الملفات الدولية الحارقة ليس وليد اللحظة؛ بل هو نتاج مسار تاريخي وموقف يترجم حكمة الديبلوماسية المغربية والتزامها بالقانون الدولي والجهود الدولية لتثبيت سلام عالمي عادل. المغرب ينتهج، منذ سنوات، إستراتيجية خفض التصعيد الدبلوماسي لمواجهة محيط إقليمي متوتر بدول فاشلة تنتظر الفرصة المناسبة لخوض مغامرات عسكرية مجنونة لتغطية أزماتها الداخلية. المغرب لن يسمح بتحويل المناطق الجنوبية لمنطقة تماس جيوسياسي بين الشرق والغرب، ولن يتحول إلى ورقة ضغط أو دومينو في لعبة الروليت الروسي التي يلعبها التحالف الأوروبي/ الأمريكي ضد روسيا، وأكيد سيتجنب خوض مغامرات دبلوماسية جديدة غير محسوبة العواقب في ظرف داخلي وخارجي حساس وفي وقت يتطلع فيه إلى تنزيل مقتضيات النموذج التنموي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية من طنجة إلى الكويرة مرورا بالكركرات. لكن ما علمنا التاريخ هو أن المملكة المغربية لم تقف يوما موقف المتفرج إزاء أي عدوان يستهدف سلامة واستقرار الوطن أو أمن وأمان الشعب المغربي. ولذلك، فأية محاولة لاستهداف استقرار المغرب فإن إستراتيجية الردع المباشر لها من الجاهزية والقدرة على تحييد أي خطر في أي زمان أو مكان، ولنا في ملحمة الكركرات درس جيوسياسي عميق، حيث فرض المغرب قواعد اشتباك جديدة ولن يتوانى في أية لحظة عن تطوير موقف مع ما يستجد من محاولات الطرف الآخر إدخال عناصر مواجهة جديدة قد تنسف كل الجهود الدولية للحفاظ على السلام في منطقة شمال إفريقيا. العقل الإستراتيجي المغربي استطاع، بمهنية عالية وبأداء سياسي، إبعاد قضية الوحدة الترابية عن الصراعات الجيوسياسية المتصاعدة التي يعرفها عالم ما بعد كورونا، ورفض أن يحولها إلى حلبة مفتوحة لتكسير العظام بين القوى العالمية خدمة لمصالح آنية أو ظرفية صحيح هو ملف بحمولة إقليمية تتداخل فيه مصالح وتقديرات واختيارات العواصم الفاعلة بشكل كبير؛ لكنه يبقى المنتظم الدولي، بفضل المواقف الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف أو النقاش، ينظر إلى الحل من زاوية مغربية بقواعد اشتباك دبلوماسية صارمة وفق معادلة جيوسياسية حددتها العاصمة الرباط بهدوء إستراتيجي عنوانها العريض: الوحدة الترابية خط أحمر. المغرب كقوة إقليمية صاعدة في غرب المتوسط وشمال/ غرب إفريقيا له مواقفه السيادية المرتبطة أساسا بأجنداته المتعددة داخليا وخارجيا، لعبة التوقيت يمارسها المغرب بشكل عبقري.. لهذا، نثق في الدبلوماسية المغربية والعقول والأدمغة في مبنى وزارة الخارجية والمصالح الخارجية الساهرة على صياغة مواقف وسياسات تتماشى مع مصالحنا الوطنية، مع تأكيدنا على الثقة الكاملة في قوة وجاهزية مؤسسات الدولة الإستراتيجية في الدفاع عن الأمن القومي المغربي ومصالح الشعب المغربي في كل مكان وزمان؛ فالمغرب أولا وأخيرا.