وسط الدخان الأسود الكثيف المتصاعد من الإطارات المشتعلة، اشتبك فلسطينيون مع جنود إسرائيليين في جنين الخميس خلال أعنف مداهمة نفذها الجيش في الضفة الغربية منذ عام 2005 وسقط فيها 14 قتيلا. تشكل مدينة جنين ومخيم اللاجئين فيها منذ فترة طويلة "عصب مقاومة" الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربيةالمحتلة. والخميس دوت عشرات الانفجارات وتصاعدت أعمدة الدخان الأسود والأبيض في الشوارع، على ما شاهد صحافيو وكالة فرانس برس. في اشتباكات الشوارع هذه يواجه الدبابات الإسرائيلية مسلحون فلسطينيون يطلقون النار من رشاشات ويلقون قنابل يدوية الصنع. undefined 00:00 / 00:00 عندما تنال النيران الإسرائيلية من مسلح فلسطيني ملثم، يلتقط أحد رفاقه سلاحه ويحاول استهداف المواقع الإسرائيلية. – "سيناريو معروف" – أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل 14 فلسطينيا الخميس في معارك جنين. وهي أكثر عملية إسرائيلية حصدا للأرواح منذ العام 2005 عندما بدأت الأممالمتحدة تحصي عدد القتلى خلال المداهمات والتوغلات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وقتل أربعة فلسطينيين آخرين الخميس في مناطق أخرى من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ 56 عاما، ما رفع إلى ما لا يقل عن 180 عدد الضحايا الفلسطينيين منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر في قطاع غزة الذي تسيطر عليه الحركة الإسلامية الفلسطينية. ويقول مهندس معلوماتية رفض الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس "هذه يومياتنا، هذه حياتنا. هذا سيناريو معروف، هذه الحياة يرثى لها". بدأت الحرب في غزة بعدما شنت حماس هجوما غير مسبوق داخل الأراضي الإسرائيلية قتل فيه 1400 شخص في إسرائيل غالبيتهم من المدنيين، على ما تفيد السلطات. وتشن إسرائيل منذ ذلك الحين قصفا عنيفا لا هوادة فيه على قطاع غزة المحاصر البالغ عدد سكانه 2,4 مليون نسمة قتل فيه ما لا يقل عن 10800 شخص غالبيتهم مدنيون وبينهم أكثر من 4400 طفل على ما تفيد وزارة الصحة التابعة لحماس. أما في الضفة الغربية، فتستمر مداهمات الجيش الإسرائيلي وهجمات المستوطنين بالارتفاع منذ شهر في المدن والبلدات الفلسطينية فضلا عن عمليات اغلاق وتوقيفات. وأعلن الجيش الإسرائيلي الخميس إنه أوقف عشرين فلسطينيا في جنين قائلا إن اثنين منهم عناصر في حركة الجهاد الإسلامي. وقال إنه ضبط أسلحة وهدم "نفقا تحت الأرض يحوي عبوات ناسفة جاهزة للاستخدام". – الاحتلال هو المشكلة" – وعلى غرار ما يحصل في غزة، يلقي الطيران الإسرائيلي ملايين المنشورات التي تحث المدنيين على المغادرة وهي وسيلة استخدمها الخميس في جنين في محاولة لإخلاء الحي المستهدف من السكان على ما قال أحد أبناء المنطقة. واستمر إطلاق النار حتى حلول المساء فعلق أطفال في المدارس فيما غطى الدخان سماء المدينة ولم تتوقف حركة سيارات الإسعاف وآليات الاطفاء. في خضم هذه الاشتباكات، كان يسمع دوي انفجار كل خمس دقائق في شوارع مخيم اللاجئين الذي يؤوي 23 ألف شخص وفق الأممالمتحدة التي تديره لتطغى على هدير المسيرات في أجواء المدينة. ويقول طبيب أسنان "نشعر بضيق أكبر مما يمكنكم تصوره" مشيرا إلى الجنود الإسرائيليين وواضعا يده على عنقه في إشارة إلى الاختناق. ويتابع "يقولون إن المشكلة في غزة هي حماس. لكن المشكلة ليست بحماس بل الاحتلال هو المشكلة" رافضا أيضا الافصاح عن اسمه. – "الأرض لنا" – يتابع عشرات من الأشخاص الاشتباكات وقد لجأوا إلى شوارع مجاورة. خلال فترات الهدوء القليلة يرتشفون فنجان قهوة. وعندما تستعر الاشتباكات مجددا يوجهون المسعفين إلى أماكن تواجد الجرحى والجثث على الأرض. يمر رجلان ملثمان بين الحشود يحملان بندقيتين وقد زنرا خصريهم بمخازن للرصاص. وشوهد على بندقية شعار حركة الجهاد الإسلامي التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منظمة "إرهابية". وعلى مسافة قريبة تنتظر شاحنة صغيرة نقل الجرحى والجثث. ويقول المسعف محمد الأحمد البالغ 35 عاما لوكالة فرانس برس "كل ساعة نتلقى جثة". في مسجد قريب، يقول محمد عقل البالغ 45 عاما وهو بجوار جثمان شاب من أقاربه "هذه الأرض لنا إنها مقدسة لكل المسلمين ومن واجبهم الدفاع عنها".