يستقر عبد العزيز رزيق بكندا، على مستوى كبيك تحديدا، منذ مطلع عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وقد أفلح في جعل اسمه متميزا في المجال المهني الذي اختاره لنفسه؛ إذ يحضر بين أوائل المنتمين إلى صف الجالية المغربية ممن اختاروا الإقبال على تقديم خدمات في المعاملات العقارية، ويبقى متواجدا بنشاط في هذا الميدان حتى الآن. من جهة أخرى، يرتبط اسم عبد العزيز رزيق بعطاء جمعوي رفيع المستوى في حاضرة مونتريال، حريصا على العناية بحاجيات الجالية المغربية، وأيضا نظيراتها المغاربية والمسلمة، على الجبهات الثقافية والتعليمية والدينية، مع البذل من أجل تعزيز اندماج ذوي الأصول الأجنبية في البيئة الكندية، والمساهمة في منحهم سمعة إيجابية بين أبرز الفاعلين في الساحة السياسية. من الدارالبيضاء إلى العيون ازداد عبد العزيز رزيق في مدينة الدارالبيضاء، إذ رأى النور أول مرة في درب "السلطان" وكانت أولى خطواته للتعرف على محيطه في شوارع وأزقة "البلدية" بحي "الحبوس" بالعاصمة الاقتصادية للمملكة. ويقول رزيق مستحضرا تلك الفترة: "تأتى لي الاستئناس بالقراءة والكتابة في أقسام مدرسة الفوسفاط الابتدائية، بالمنطقة الحاملة اسم درب الكبير، ومنها انتقلت إلى مؤسسة الجاحظ للحصول على التعليم الإعدادي في القريعة، وبعدها نلت الباكالوريا بثانوية مولاي عبد الله". حصل عبد العزيز، لاحقا، على تكوين يوفره "مكتب الفوسفاط" بمدينة اليوسفية، وهو ما أهله إلى الاشتغال ضمن طواقم شركة "فوسبوكراع" بالصحراء المغربية ليصير مستقرا بضواحي مدينة العيون ابتداء من أواخر سبعينيات القرن العشرين. تطوير المستوى في كندا يقول رزيق إن الاشتغال في مجال الفوسفاط كان فرصة لاستثمار التكوين النظري في تطبيقات واقعة، والقيام بتحسين المهارات عبر الاحتكاك بمن سبقوه إلى الممارسة، كما شكل ذلك مناسبة لتقوية الشخصية بالاستقرار بالأقاليم الجنوبية للمملكة، بينما كان الإقبال على العمل شهرا يعني الاستفادة من عطلة مدتها أسبوع كامل. ويضيف الناشئ في الدارالبيضاء: "ظروف تلك الفترة كانت مغايرة لأحوال اليوم، فقد عانت البنية المخصصة لنقل الفوسفاط من أعمال تخريبية على أيدي البوليساريو، وأفضى ذلك إلى عرقلة الأداء فترات طويلة بسبب خطورة الأوضاع الأمنية في فضاءات الاشتغال". من جانب آخر، كان رزيق يبتغي تطوير مستواه الدراسي خارج المغرب، مائلا إلى الاستفادة من تكوين أكاديمي يتيح له ممارسة الطب مستقبلا، ومن أجل ذلك تقدم بطلب إلى دولة كندا للإقامة على ترابها، وقد توصل سنة 1980 برسالة تخبره بالحصول على القبول. الانزياح نحو العقار "المنخرطون في تجارب الهجرة إلى كندا لا يلتزمون بمسار واحد، بل يبقون منفتحين على استغلال أي فرصة متاحة كي يحسنوا أوضاعهم بعيدا عن أوطانهم الأصلية"، يقول رزيق تعليقا على انزياح طموحاته من ممارسة الطب إلى الوساطة العقارية. رغم حالة الركود الاقتصادي في كندا، وقتها، فإن الوافد على كبيك من المغرب اندفع نحو تغيير وجهة التكوين ليصير متخصصا في المعاملات العقارية، متخرجا من جامعة كبيك بمونتريال (UQAM)، وجاء ذلك بعدما اعتبر أن هذا التوجه يستجيب لطموحاته، وقد بدأ مساره المهني سنة 1986 بشركة "La capitale courtier immobilier"، وفي أواسط التسعينيات شرع في الاشتغال لحسابه الخاص من خلال شركة أسسها. ويستحضر رزيق بدايته المهنية قبل أن يورد: "كانت الانطلاقة صعبة لأن معدل الفائدة وصل إلى نسبة 24 بالمائة في ذلك الحين، وسط حالة ركود أكثر قساوة من الحرارة التي تهوي إلى 25 درجة مائوية تحت الصفر، لكنني تحليت بالإصرار على أن أجعل هذا العمل يلبي طموحاتي المستقبلية". رهانات على "النور" يتوفر رزيق على "قبعة جمعوية" بتولي مسؤولية رئاسة الجمعية الإسلامية لشمال مونتريال، وهو تنظيم مدني تطور كثيرا بعدما حضر إلى الوجود، سنة 1988، كمكان بسيط يحتضن صلوات قلة من أفراد الجالية المغربية، ويشهد تنظيم بعض الأنشطة الترفيهية لعدد محدود جدا من هذه الفئة المجتمعية. وقد أشرف رزيق، بمعية المشاركين في تسيير الجمعية الإسلامية لشمال مونتريال، على تقوية حضورها على مراحل؛ باقتناء بناية تم تحويلها إلى مسجد ومركز ثقافي، ثم إنشاء فصول تعليم اللغة العربية للأطفال، وصولا إلى شراء البناية التي تحتضن حاليا مسجد نور الإسلام. "كلما ضاق المكان بتوافد الجالية المغربية، ونظيراتها المغاربية والإسلامية، يتم التوسع للحصول على فضاءات تكفي الإقبال الكبير، وقد عملنا في وقت مضى على اكتراء مدرسة من الدولة كي نؤطر الصغار، وبعدها ارتأينا وضع لبنات مؤسسة النور؛ طامحين للعناية بحاجيات المستهدفين، خاصة أن قرابة 600 طفل يستفيدون من دروس في اللغات والدين والرياضة، يقول رزيق. الانتفاع من اللائكية يؤكد المستقر بكندا منذ 43 سنة أن تأسيس المركز الاجتماعي "النور" انطلق من الرغبة في المساهمة ضمن الجهود التي تقرب بين المسلمين وغيرهم في شمال مونتريال، وأن ذلك جاء بتضافر جهود السياسيين والجمعيات المعترف بها في هذه المنطقة من كبيك، ويزيد: "إذا كنا نرفض الانصهار فإننا نشجع الاندماج .. ثقافاتنا المغربية تستحق الافتخار". ويحرص رزيق على إدارة "حضانة النور" شخصيا، ويتعلق الأمر بمركز فسيح يخدم أبناء المغاربة بالأساس، إلى جانب منحدرين من أصول إسلامية أخرى، حيث تتناوب 26 معلِّمة على التدريس في 12 قسما، بينما يشهد التسجيل في هذا الحضانة تواجد لائحة انتظار لتدبير الإقبال الكبير، وتعمل الدولة على المساهمة في تمويل هذا الورش الاجتماعي والتربوي تفوق مساهمة أولياء الأمور ب6 أضعاف. يقول رزيق: "فكرة المركز الاجتماعي جاءت، في الأصل، من عمدة مونتريال الشمالية، الذي اقترح خلق جمعية لائكية لأن التنظيمات الدينية لا تستفيد من التمويل الذي توفره المجالس الجماعية، وهذا التوجه مكننا أيضا من الحصول بسهولة على الرخص، وبناء صومعة مسجد، كما حضر السياسيون حفل افتتاح مركز النور وأعلنوا أن المبادرة تغني حضور الجاليات في الحياة العامة، وبالتالي أسسنا علاقة رابح-رابح نريد تنميتها لكسب المزيد". الحضور المفصلي للسياسة يرى رزيق أن أبناء الجالية المغربية المولودين بكندا، وأيضا أولئك الذين وفدوا على البلاد في سن مبكرة، يحتاجون الولوج إلى العمل السياسي من أجل الظفر بمكاسب كبرى من تلك التي حققها الجيل الأول من المغاربة المهاجرين إلى كندا. ويضيف الخبير العقاري والفاعل الجمعوي: "إغفال التموقع السياسي وعدم المساهمة في العمل التطوعي، بالأساس، يبقيان خسارة غير قابلة للتعويض من خلال الإقبال على أنشطة أخرى، والقادمون للاستقرار في أي بلدية كندية عليهم البحث عن منتخبيهم للتعرف عليهم وربط التواصل قبل الوصول إلى مرحلة الحاجة لتدخلاتهم". "الاشتغال في مركز النور الاجتماعي حرص على تكوين شباب للقيام بأعمال جمعوية، وأيضا للانخراط في الأداءات السياسية"، يورد رزيق قبل أن يختم: "هناك أسماء من أصل مغربي في مجموعة من المجالس المنتخبة بمونتريال، وما أقوم به أنا لا ينبغي أخذه كنموذج كي يقوم الجيل اللاحق بتطويره".