ان التأمل فيما آلت اليه الأوضاع السياسية في العديد من البلدان العربية، يجعلنا نخلص الى الحاجة الماسة الى معرفة بعضنا البعض والبحث عن المساحات المشتركة التي ستسمح لنا بوضع قواعد مرجعية لتدبير اختلافنا.لا بد من انهاء التقاطب الحاد و انهاء الاستثمار في الانقسام الناتج عنه ،لنوفر على الأجيال اللاحقة عقودا أخرى من البحث عن السبيل نحو الديمقراطية و التنمية. الخطوة الأولى تبدأ بتشخيص بؤر الاختلاف و التقاطب بين مختلف الاتجاهات السياسية و الأيديولوجية في العالم العربي.و لا يمكن لأحد ان ينفي ان قضايا المرأة تنتصب على راس لائحة الاختلاف و الانقسام، اذ تلتهب الصراعات كلما اقتربنا من حدود التماس في كل ما يخص المرأة،حيث تتكاثف الحمولات الدينية و الفكرية و الاجتماعية و الاقتصادية لتشكل حواجز رمزية، تتخذ مرجعيات جاهزة لتصنيفات معيارية لا تزال في حاجة الى اضاءات(محافظون،تغريبيون،رجعيون،منحلون،متطرفون،فاسقون...)و تعتبر لحظات وضع الدساتير و إقرار التشريعات و المصادقة على الاتفاقيات و المعاهدات الدولية ابرز تمظهرات الاختلاف و الانقسام .مؤشرات مقلقة تدعونا الى التفكير الجدي في وضع أسس حوار هادئ و مسؤول في القضايا الخلافية،و هي مؤشرات النزوع الى التطرف من كلا الطرفين كرد فعل سيكولوجي على استقواء الطرف الاخر و استفزازاته ،ومنها نزوعات التعري و الاستعراضية التي تنحو الى خلق الصدمة ،في مقابل انتشار دعوات التكفير و حجب جسد المرأة كليا و ممارسة الهيمنة عليها،و كلها في النهاية تقاطبات تصدر المرأة كأداة لإدارة الصراع، قبل ان تعكس اختيارات فكرية مؤسسة تتوج مسارات طبيعية لتراكم الفكر و الثقافة. في سياق التنازع هذا يمكن تسجيل الصعوبات التالية التي يجب ان ينصب عليها النقاش لتبديد التوترات الهيكلية بين الاتجاهات السياسية المتناقضة: 1 قلة الأبحاث و الدراسات العلمية الرصينة المتعلقة بقضايا المرأة الإشكالية داخل المنظومة الإسلامية في علاقتها بمستجدات الواقع المتلاحقة. 2 استدعاء قضايا المرأة الخلافية في نقاشات النخبة السياسية، في سياق الاتهامات و الاتهامات المتبادلة مما يكرس نفس التنازع الذي يحكمها في التمثل السياسي الجمعي المشترك. 3 نحو النخب السياسية النسائية التقليدية او الصاعدة الى التشنج و الاستعلاء و الاستفزاز ،حيث تغيب مساحات الحوار بين النساء المختلفات اكثر مما يحدث لدى الرجال،و اعتبارات ذلك متعددة قد تتاح الفرصة للتفصيل فيها. 4 عزوف النساء بشكل عام عن البحث العلمي المتخصص في قضايا المرأة و انفتاح الرجال اكثر على ذلك.فعلى سبيل المثال معظم المراجعات الفكرية المتنورة في قضايا المرأة داخل الحركات الإسلامية و التيارات الدينية ،انتجها الرجال ،و الفئة التي تظل اكثر استعصاء و مقاومة للمراجعات هن النساء انفسهن. 5 اختيار النخب النسائية اليسارية و العلمانية تهريب الخلافات الداخلية في قضايا المرأة الى الخارج بالاستعانة بالهيئات الأممية و المنظمات الأجنبية ،و هو امر و ان حقق مكاسب هامة للمرأة المغربية لا يمكن انكارها،غير انه الغى مساحات الحوار و النقاش الداخلية، و خلف إشكالات متعددة تعتبر فتيلا قابلا للاشتعال في كل لحظة. 6 تأجيل النقاش الحتمي حول قضايا المرأة و غيرها من القضايا الخلافية و اختيار سياسة النعامة بشأنها بين مختلف الفاعلين، يهدد بنسف التحالفات البراكماتية التي ينسجها الإسلاميون و اليساريون و العلمانيون و الليبراليون فيما بينهم هنا او هناك،بناء على اعتبارات انتخابية سياسية لا تلغي الوجه القسري و الاضطراري الذي يحكمها،مما يجعلها تحالفات ظرفية هشة لا تشكل نتاجا طبيعيا لمسارات نقاش و تداول و محاولات للفهم المشترك.و بذلك تنتفي عنها الصبغة الاستراتيجية التي يمكن ان تقود يوما الى تفكيك بنى التحكم و الاستبداد. ان الاختلاف بين الإسلاميين و خصومهم سيظل قائما،كما ان منهج الاستئصال و الاقصاء و التضييق لن ينفي وجودهم كما لن ينفي وجود غيرهم. فمجتمعاتنا ملزمة بالإيمان قطعيا بضرورة القبول بحقيقة الاختلاف ،و حتمية تدبيره حتى لا يكون العائق الأكبر امام بناء الديمقراطية و تحقيق التنمية و الكرامة الإنسانية .مدخل ذلك هو الحوار بنية توسيع دائرة المشترك و الاتفاق على قواعد التعامل الحضاري مع مساحة الاختلاف ،و المدخل لذلك مرة أخرى هو قضايا المرأة.