استضافت أون مغاربية الأستاذة جميلة المصلي النائبة البرلمانية عن العدالة والتنمية بمجلس النواب المغربي، والحاصلة على شهادة الدراسات الجامعية العليا في الآداب تخصص الدراسات الإسلامية في موضوع " مرتكزات التوجه اليساري في الحركات النسائية" ، وحاصلة على شهادة الدكتوراه في تخصص الفكر والحضارة في موضوع " الحركة النسائية اتجاهاتها وقضاياها"، وهي أستاذة باحثة في قضايا الحركة النسائية، وقد خصصت لنا حديثا مطولا شمل الحديث عن وضعية المرأة المسلمة بالدول العربية وفي المغرب على وجه الخصوص سياسيا وتربويا والجهود التي تبذلها الحركات الإسلامية من أجل إنقاذها من الوقوع في الاستلاب الغربي. بوصفك دكتورة جميلة المصلي متخصصة في الشأن النسائي المغاربي، إلى أي مدى كان التأثير سلبا على المرأة من قبل الاستلاب الغربي ؟ فعلا تأثرت المرأة العربية عموما والمغاربية على وجه الخصوص بالعديد من المؤثرات الداخلية والخارجية، وجعلت هذه المؤثرات والتجاذبات محط تفاعل منذ نهاية القرن 19 م وبداية القرن العشرين، فإذا كان التأثر باديا في عهود الانحطاط والجمود الفكري مما جعل المرأة خارج حركة المجتمع معزولة ومهمشة ومحرومة من التعليم، فإن الوافد الغربي اعتبر بمثابة المنقذ والمحرر للمرأة من قبل النخب النسائية والمجتمعية التي وجدت نفسها أمام مشروع مجتمعي مختلف يفسح العديد من المجالات أمام المرأة. وأمام هذه التحولات العميقة التي عرفتها المجتمعات العربية تأثرت شرائح نسائية واسعة بالفكر الغربي وأصبحت تدافع عن رؤيته الإنسانية للمرأة والنموذج النسائي الذي يقدمه ولم تميز بين الانفتاح المطلوب على المشترك والحضارة وبين الثوابت الدينية والقيم الراسخة للمجتمعات الإسلامية. هل هذا يعود إلى ضعف المناعة التأصيلية للمرأة المسلمة بسبب الغزو الثقافي من قبل قوى الاستعمار، أم أن هناك أسباب أخرى؟ في نظري هذا الانجذاب للنموذج النسائي الغربي مر بعدة عوامل يمكن حصرها في ما يلي: أ- عدم استيعاب التصور الإسلامي للمرأة، ووجود تداخل بين النص الشرعي وفهومات وتقاليد وعادات ما أنزل الله بها من سلطان، عادات تمنع تعليم الفتيات وتعتبر صوت المرأة عورة، وتقاليد تتحدث على أن للمرأة ثلاث خرجات: خرجة إلى الدنيا وخرجة إلى بيت زوجها وثالثة إلى القبر. فهذا الفهم المغلوط للدين جعل العديد من المتعلمات يستقر في أذهانهن أن الدين ضد المرأة. ب- ضعف الحركة الاجتهادية المسندة إلى الكتاب والسنة والداعية إلى تبني القضايا العادلة للمرأة وما يلحقها من ظلم في المجتمعات الاسلامية خاصة في قضايا الطلاق والميراث والحضانة وما يرتبط بها من أحوال شخصية. ج- نجاح الغرب في الاهتمام بالمرأة، وتسليط الضوء عليها واستعمل في سبيل ذلك العديد من الآليات والوسائل والمنظومات الحقوقية واستعان لتحقيق ذلك بالإعلام، كما اجتهدت المدارس الفلسفية في تطوير نظرتها للإنسان وبلورة مفاهيم ذات جاذبية بغض النظر عن مآلاتها الاجتماعية. هل من نقاط إلتقاء أو تقاطع تجمعنا مع الغرب خاصة في هذا المنعطف الحضاري الذي نعيشه يؤثر في قوانا ويستنزف ثرواتنا لصالح أعدائنا الذين سلبوا قدراتنا بواسطة عملائهم من بني جلدتنا؟؟؟ بداية وجب التأكيد أن مقولة الغرب شر كله اعتقد بأن بها كثير من السلبيات، المفروض اليوم أن نتعامل كحضارات، صحيح هناك نقاش أو لنقل صراع و تصادم أو حتى تحالف بين الحضارات، هذا نقاش لا مجال للدخول فيه، ولكن نحن كمسلمون لا يمكن إلا أن نكون عنصر تعاون وعنصرا فعالا في المجتمع الدولي والمجتمع الأممي، نلاحظ اليوم نوعا من التكالب ومن الاستهداف وخصوصا ما نلاحظه هذه الأيام الأخيرة حينما دعا الفاتيكان وحرّض مسيحيو الشرق الأوسط، هذا فيه خروج عن الأهداف النبيل التي من الفروض على دعاة الأديان أن يتسموا بها، في حين نحن المسلمون نتصرف بحسن نية مثلا في القضية الفلسطينية، وندعو إلى التواصل وخلافه، هذا لا يمكن ينفي أن هناك مشترك إنساني وجب أن ندافع عنه وان نشرك أنفسنا فيه، ديمقراطية كانت أو حقوق إنسان أو بناء سياسات رشيدة أو حكامة أو غيره، ولكن في نفس الوقت وجب أن نتشبث بثوابتنا فالشعوب التي لا تتشبث بثوابتها هي شعوب تذوب ولا تجد لها استمرارية، فمثلا إذا بحثنا عن شعوب كاليابان نجده استمر ونما كنموذج مبني على هويته وتقاليده وتراثه، ونجد دول كبرى كبريطانيا تتحفظ على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة رغم أنها دولة عريقة في الديمقراطية ولكنها تتحفظ في الجوانب التي تمس تقاليدها وتراثها وحضارتها ، واسبانيا كذلك تتحفظ في المادة المتعلقة بتوريث عرش المملكة إذ أن لها نظام خاص بها وهكذا دواليك، إذن لا ينبغي أن نحس بأي ضعف ولا بأي عقدة ولا أي حرج اتجاه التشبث بثوابتنا وهويتنا وتراثنا ولغتنا العربية لأنها لغة حضارية صالحة لمجموعة من الشعوب وليست لغة قومية. نقول أن هذا المنعطف صحيح انه منعطف حضاري خاص تتكالب فيه الأمم على الأمة الإسلامية، نبرز فيه كشعوب ضعيفة، كشعوب يتم استنزاف ثرواتها بكل بساطة، ولكننا أيضا مدعوون إلى مراجعة الذات على مختلف المستويات ومن السلوك اليومي، ففي اغلب الأحيان نحمل المسؤولية إلى السياسات الكبرى في حين إذا انتبهنا إلى المواطن البسيط والى ابن هذه الصحوة الإسلامية نجد تعامله مع وقته ومسؤولياته والتزاماته لا يرقى إلى ما نطمح إليه، لابد إذن أن نبني ثقافة ايجابية تقوم على العطاء والبذل والإسهام في مجتمعاتنا إسهاما ايجابيا. من وجهة نظرك دكتورة جميلة المصلي، هل أثرت الحركة الإسلامية في الفكر النسوي بإثرائه، أم لا تزال المرأة المسلمة تعاني من التأثير الغربي وعملائه ؟ الحركة الإسلامية تملك رصيدا فكريا ومشروعا مجتمعيا متكاملا في قضية المرأة بسبب المرجعية الإسلامية الغنية في هذا المجال، والسؤال المطروح هو قدرة الحركة الإسلامية على إخراج هذا الرصيد إلى الواقع، وتحويله إلى نماذج مشرقة تتحرك على الأرض، لاشك أن الحركة الإسلامية في عمومها وهنا أخص بالذكر التيار الوسطي المعتدل الذي بذل مجهودا كبيرا لإعادة قراءة النصوص الدينية المرتبطة بالمرأة، وهنا أذكر الموسوعة الكبيرة للأستاذ عبد الحليم أبو شقة، والمجهود الكبير الذي بذله في مجال التأصيل لمشاركة المرأة في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عبر استقراء نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة واستخراج خلاصات واستنتاجات تؤكد مشاركة المرأة في المجتمع. كما أذكر كتابات الدكتور حسن الترابي والدكتور راشد الغنوشي وكتابات سعد الدين العثماني ومحمد يتيم ودورهم في تجديد رؤية أبناء الصحوة الإسلامية لقضايا المرأة، وهي إنتاجات أسهمت في بث وعي جديد لدى بنات وأبناء الحركة الإسلامية بتصحيح الموقف اتجاه المرأة وتجاوز التصورات التقليدية وعدم السقوط في الرؤية التغريبية التي ألغت في كثير من الأحيان إنسانية المرأة ومست بكرامتها. وإجمالا فالحركة الإسلامية اليوم تساهم في إعادة تأطير المرأة بتصور وسطي يرفض النظرة التقليدية المهمشة للمرأة وينفتح على الحضارات الأخرى فيما لا يتعارض مع الثوابت الدينية. ووجب أيضا أن لا ننسى دور الصحوة الإسلامية تاريخيا في إعادة تصحيح العديد من المفاهيم المغلوطة في قضايا المرأة والانفتاح على الحضارة الغربية، مع النقد الموضوعي لهذه الحضارة وفلسفتها المادية التي جردت الإنسان من إنسانيته وسقطت في تشييء المرأة واستغلال صورتها في الإعلام والمؤسسات التجارية الكبرى. فالمجتمع اليوم تتجاذبه العديد من المؤثرات، وبالتالي فالحركة الإسلامية مدعوة لفهم هذا الواقع ورصد تحولاته بهدوء وموضوعية وكذا فهم المنظومة الغربية، والأسس التي قامت عليها وفهم تطور الحركة النسائية في الغرب والمراحل التي مرت منها والتي جعلتها تنتقل من المطالبة بالإنصاف إلى المساواة المثلية، لأن مثل هذه التحليلات هي التي ستمكننا من استيعاب الآخر ونقده نقدا بناءا لأجل صياغة تصورات ومواقف أكثر واقعية. والمسؤولية الكبرى ملقاة اليوم على القيادات الفكرية والسياسية المطلوب منها أن تنظر للمشروع النسائي وتؤسس له أكثر من غيرها. ما تقييمك لحضور وفاعلية المرأة "المنتمية للحركة الإسلامية" في العمل السياسي داخل أوطاننا العربية؟؟؟ المجال السياسي في أوطاننا العربية والإسلامية فيه فراغ كبير بالنسبة للأطر النسائية، إذ تعرف قلة على مستوى العدد وخصوصا الأطر ذات المرجعية الإسلامية وهذا يطرح تحد كبير، والملاحظ أن هناك ضعف على مستوى المشاركة النسائية، ضعف تعكسه الأرقام والمؤشرات، فإذا لاحظنا على مستوى البرلمانات والإحصاءات العامة نجد حضور النساء ضعيف جدا سواء في البرلمانات العربية أو الدولية، معلوم أن الدول الاسكندينافية اليوم تسجل اكبر النسب وصلت إلى أكثر من 45 %، والدول الإفريقية أيضا لديها حضور لكن يظل حضور المرأة ذات المرجعية الإسلامية ضعيف وضعيف جدا، فإذا استثنينا التجربة المغربية والتي تعتبر رائدة في هذا الشأن حيث لدينا ست برلمانيات من فريق العدالة والتنمية وهو الحزب المعروف بديمقراطيته ومرجعيته الإسلامية التي يعتز بها حيث قدم سيدات في ولايته الأولى 2002 وفي ولايته الثانية 2007 ، فان مجموعة من الدول الأخرى تفتقد فيها هذه التجربة، كانت هناك مشاركة في الأردن لكنها عرفت تراجعا. سؤال حضور المرأة ذات المرجعية الإسلامية والمعتزة بها والمدافعة عنها في الدول العربية هو سؤال في الواقع مرتبط بعدة جوانب: هناك جانب مرتبط بما هو ثقافي ومدى استعداد الحركة الإسلامية لمشاركة نسائها وانخراطهن في العمل السياسي، لأن هناك عوائق اجتماعية وثقافية مرتبطة بهذه العقلية رغم أنها عقلية إسلامية فهي تحتاج إلى تجديد واجتهاد، والعمل السياسي يتطلب مجهودا وحضورا مكثفا وبالتالي هذا الحضور ينعكس على واقع المرأة بتكريس غياب داخل الأسرة، إذن هذا الأمر يحتاج إلى تغييرات على المستوى الثقافي والفكري و يحتاج أيضا إلى مجهود كبير، وعلى مستوى العمل نحن في حاجة إلى أن نقدم نماذج تستطيع أن توفق بين التزاماتها الأسرية والسياسية والمجتمعية. مؤكد أن هذا الموضوع ليس شأنا نسائيا محضا فالمفروض أن يكون موضوعا للمجتمع بمختلف مؤسساته، فالإحصاء العددي للنساء اليوم يؤكد أنهن أكثر من 50% ، وهذا الحضور العددي يحتاج في ابسط متطلباته أن يمثل داخل البرلمانات كي يعبر عن احتياجاته وتطلعاته وعن الخصاص الموجود على ارض الواقع، وفعلا هناك خصاص كبير اليوم في التشريع المرتبط بالمرأة والمرتبط بالأسرة، وإذا قمنا بمقاربة بسيطة بين الدول العربية والدول الأوروبية في مجال التشريعات التي تحمي الأسرة و المرأة والطفل، نجد أن هناك ضعفا كبيرا في مجال الإجراءات، ومن يدفع الثمن دائما هي المرأة والأطفال، فليس هناك مثلا اختيار العمل نصف الدوام وليس هناك اختيار تمديد الأمومة وإجازة الأمومة وعدم توفر دور الحضانة بشكل كافي، إذن ليست هناك سياسات ولا قوانين لحماية المرأة حتى تؤدي واجباتها على أكمل وجه. جانب آخر هو جانب سياسي، فضعف الديمقراطية في البلدان العربية ومعها ضعف ثقافة حقوق الإنسان يكون المتضرر الأول هن النساء، ثم انتشار الفساد الانتخابي في مجموعة من الدول بحضور البلطجة وتوزيع الأموال يؤثر لا محالة، ولكي تنتظم المشاركة النسائية لابد من تنظيم الديمقراطية واستحضار شفافية القوانين وشفافية المشاركة حتى نستحضر مشاركة فاعلة للنساء.