لم أكن لأكتب هذا المقال و أصرخ، لولى الخبر الذي نشرته جريدة الصباح، مفاده أن خلافات حادة قد نشبت بين بعض العائدين، أعضاء بهيئة الكوركاس. في البداية ظننت أن هاته الخلافات قد تكون تتعلق بموضوع الحكم الذاتي و تتمحور حول بند أو مصطلح أو ربما الوفد الذي سيشارك في المفاوضات التي ستجري بنيويورك بتاريخ 18 يونيو 2007 تحت رعاية الأممالمتحدة وهو أمر طبيعي. لكن المفاجئة والصدمة، الخلافات لم تكن على هذا الموضوع الذي لايشغل إلا بال الوطنيين، بل حول رخص الصيد والإمتيازات الأخرى وأمور تافهة كتذاكر السفر. ففي الوقت الذي تمر فيه القضية الوطنية بمرحلة حرجة، الوقت الذي يجمع فيه الأعداء كل قواهم للنيل من وحدتنا الترابية، انشغل فيه الذين شرفهم المغرب بالدفاع عن حقوقه المشروعة بالمشاجرة على الوزيعة. حينها تراقصت أمام عيني صور حيوانات الغابة تنهش لحم ضبية أو غزالة فتسائلت: "" هل يخضع المغرب العائدين لآلة كشف الكذب كما هو جار به العمل في الدول المتقدمة، ليتأكد من وطنيتهم. أو على الأقل الذين تناط بهم مهام حساسة، ليس من باب التشكيك ولكن من باب الإحتياط فقط؟ هل هاته الإمتيازات هي تكريم على الخيانة؟ أم هي رشوة لألاتعاد الكرّة؟ أليست هاته الإمتيازات هي التي تدفع بعض الشباب لمحاولة ابتزاز المغرب برفع راية العدو في مناسبة وغير مناسبة؟ إنني لاأشكك في وطنية كل العائدين، بل أحترم وأقدر العمل الجبار الذي يقوم به البعض منهم. كما أعتبر أسئلتي مشروعة، لقد قضيت أزيد من خمس سنوات أتنقل بين مقر عمالة الخميسات والمكتب الوطني للكهرباء والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب والجماعة القروية لأيت أوريبل، ليس من أجل الحصول على رخصة أو أي امتياز آخر بل فقط للحصول على حق شيء ضروري نقطة ماء لري عطشنا نور مصباح لطرد حلكة الظلام حينما تؤرقنا الأسئلة، مسلك نعبر منه الى المدينة دون أن تحاصرنا الشتاء. نعم فقط من أجل هاته الحقوق المشروعة لازال القائمون على هاته الإدارات يلعبون بنا الكرة، علما أن والدي مقاوم أبلى البلاء الحسن في طرد المستعمر بشهادة رفاقه، فقد اعتقله الفرنسيون ومارسوا عليه كل أشكال التعذيب لينتزعوا منه اعتراف ويدلهم على رفاقه الشيء الذي لم يحصلوا عليه أبدا. وبعد "الإستقلال" التحق بالمؤسسة العسكرية ، شارك في حرب الرمال ولقن هو ورفاقه درسا للجيش الجزائري لم ينسوه ولم يستصيغوه إلى يومنا هذا ولن يهضموه أبدا. بعد استرجاع أقاليمنا الصحراوية التحق وشارك في كل الحروب التي دارت بإقليم الداخلة وبئرانزارن صد هو وزملاؤه العدو ولقنون درسا لن ينساه هو الآخر. غير أن طرق التعذيب التي مارسها عليه الفرنسيون وأشدها غطس رأسه في المياه القذرة مع رمال الصحراء أثرت على بصره أجبرته على إجراء عملية جراحية بالديار الفرنسية كون وقتها لم يكن ممكنا إجراء العملية داخل المغرب، وقد كان رحمه الله لايطيق الإبتعاد عن وطنه وأهله، فعبر عن رغبته للطبيب الفرنسي الذي أجرى له العملية، وقد حاول معه هذا الأخير البقاء إلى حين الكشف عن عينه و إزالة خيوط العملية، لكن مع إلحاح والدي اضطر الطبيب أن يبعث معه رسالة تحتوي على بيان ورسم توضيحيين وكيفية القيام بعملية الكشف وإزاحة خيوط العملية للبروفيسور السقاط. عاد أبي متفائلا بعدما أن أخبره الطبيب بنجاح العملية، وأول ماوطئت قدميه أرض الوطن أصر على الإتصال بالبروفيسور السقاط، فعلا تم ذلك وحدد له موعد، انتقل والدى رفقة شريكة حياته في الموعدالمحدد إلى عاصمة البلد لمقابلة البروفيسور الذي لا يفتح النقاش إلا إذا قبض، فعلا دفع أبي بدون تردد وأعطاه رسالة الطبيب الفرنسي, اطلع عليها وأكد لأبي أن كل شيء على مايرام فقط عليه أن يعود في موعد آخر حدده له كونه جد مشغول، لم يعترض أبي على شيء، فأيام معدودة ويستعيد بصره، لم تغضب رجل أول ما تعلمه هو الصبر. فعلا عادا إلى الخميسات دون أن ينتابهم أي شك حول الرسالة التي احتفظ بها البروفيسور. انتظر بكل ايمان وصبر الى حين وصول التاريخ المحدد ليشد الرحال هو وزوجته الى العاصمة, قبل مصافحة البروفيسور عليك أولا؟ ..لقد فهمت فعلا حصل. بعدما أن تأكد الفروفيسور بنفسه وليست الكاتبة من المبلغ سأل عن الرسالة، لما علم أنها بقيت معه، دخل إلى مكتبه وغاب طويلا ليعود وهو يصطنع ابتسامة محاولا ايهامهم أن كل شيء على مايرام، ولم يخبرهم بضياع الرسالة، لكن أمي لم تعجبها الضحكة الصفراء أما أبي فلم يكن ليرى شيئا، فالبروفيسور لم يكتف فقط بإخفاء ضياع الرسالة، بل لم يتصل بالطبيب الفرنسي ليطلب منه نسخة ثانية لأن كبرياؤه لايسمح له أن يظهر ضعيفا أمام الطبيب الفرنسي وزبنائه. بل رآها فرصة للتجربة فقد ظهر له أبي على شكل فأر من الفئران التي تجرى عليها التجارب في الدول التي تحترم البشر. فقام بإزاحة الغطاء وخيوط العملية ولم يتقن ذلك فأخطأ وألحق ضررا بعيون والدى ولم يعترف بل ألقى المسؤولية على الطبيب الفرنسي وهو تناقض مع ما صرح به في أول لقاء، لكن حينما اتصل به الطبيب الفرنسي الذي كان يتابع أخبار أبي، فالبروفيسور لم يحمله المسؤولية بل حملها لأبي لأنه تأخر؟؟؟!! كان لهذا الحدث أثار سلبية على نفسية أبي وكافة أفراد العائلة ورغم ذلك لم نفقد الأمل، بل رغم كل ما حدث فقد صدقنا البروفيسور الذي أوهمنا بأنه سيجري عملية ثانية وستكون ناجحة والمشكلة الوحيدة بالنسبة للبروفيسور هو ثمنها الباهض لأنه يعرف الفئة التي ينتمي إليها جندى من رتبة سرجان شاف وقلبه أحن علينا، لكن بالنسبة لنا فبصر أبي الذي كان دائما يحتاط من غدر الزمان ويوفر كل مااستطاع توفيره، لاتساويه أموال الدنيا كلها، فعلا قبلنا المبلغ الذي حدده البروفسور دون مناقشته وأحضرناه بالتمام والكمال تاريخ العملية ولما تأكد منه البروفسور أدخل أبي لغرفة العمليات التي أخذت وقتا طويلا ليخرج أبي وقد بتر البروفيسور إحدى عينيه بعد أن فشل في ترميمها ودون أن يأخذ موافقته وقد علل البروفيسور جريمته أنه أقدم على هذا الأمر لحماية عينه الأخرى. فالمجرم لا يأخذ أبدا موافقة ضحيته لأنه أدرى بمصلحتها. كانت تلك الضربة القاضية لجميع أفراد العائلة خصوصا بالنسبة لأبي الذي لم يعد يردد سوى "يعمايي ميس ويذي" (عورني إبن الكلب) الى أن شل بالكامل لينقطع عن الحركة والكلام لما يزيد عن 7 سنوات لينتقل الى حيث سيأخذ حقه بالكامل والتمام. وبالبنسبة للذين لايعرفون الفرق بين الطبيب والبروفيسور، فالطبيب هو الذي يهتم بالطب ويهمل الحساب والبروفيسور هو الذي يتقن الحساب ويهمل الطب.و أسئلتي المحرقة هي كالتالي: هل كان علي أن أبقى ساكتا وأدفن قصة والدي معه حتى لاأسيئ لوطني؟ هل الذين يسكنون في المرحاض أو الذين أثاروا ونشروا قضيتهم هم الذين أساؤوا للمغرب أم المسؤولين الذين اكتفوا بسحب البطاقتين الوطنيتين ؟ من الذي أساء إلى المغرب هل هم المحامون الذين كتبوا شكايتهم إلى التاريخ لأنهم لم يجدوا أحدا ينصفهم أم الذين شطبوا على أسمائهم من لائحة الهيئة؟ من يسيء إلى المغرب الذين ينشرون فضائح المغربيات أم اللواتي يرتمين في أحضان الذعارة؟ هل هذا هو التغيير الذي يتغنى به أمثال الذين يمنعون الكتب الإسلامية و يقفون في وجه الأبناك الإسلامية ويعفون آباؤهم من أداء واجبات المستشفى ويخافون من التصريح بالممتلكات واللائحة طويلة؟ هل هناك جمعية لجبر الضرر بالنسبة للذين همشوا ولازالوا مهمشيين الى الآن؟ هل لايزال البروفيسور حيا يقطع ويمزف في ضحاياه كما يحلو له أم أنه حيث يؤدي الثمن، وكم عدد ضحاياه؟ كم هو عدد أشكال هذا البروفيسور بالمغرب؟ هل ممكن أن نتصالح مع الماضي ونحن متخاصمون مع الحاضر؟ هل هناك جمعية مغربية للدفاع وحماية المواطنين من الأخطاء الطبية والممارسات اللاأخلاقية؟ هل هناك جمعية وطنية لمراقبة العائدين والتأكد من صدق نواياهم؟ هل سيأتي يوم يتخلص فيه كل المغاربة من الخوف ويصرخوا صرخة واحدة؟ هل سيأتي يوم يختشي ويستحيي فيه المطبلون والمهللون من أنفسهم؟ متى سنسمي الأشياء بأسمائها ونوجه التهم لأصحابها دون لف ودوران؟ ما هي الشعارات التي سترفعها الأحزاب المغربية ببيزنس هذا الصيف؟ من سيحملونه المسؤولية؟ الإستعمار؟ ادريس البصري؟ أم أنهم سيتبادلون التهم فيما بينهم؟ ما هي المواطنة؟ هل هي المشاركة في إنتخابات مغشوشة ونتائجها معروفة مسبقا؟ (فوز ساحق لحزب لا عدالة ولا تنمية وإخراج سمك إتحاد الإنتهازيين من الماء) هل المواطنة هي تزكية من أوصلوا المغرب إلى الطريق المسدود؟ متى ستشرق شمس المغرب؟ أم أن شمس المغرب تغيب ولا تشرق. هل سيكون التغيير ممكنا في المغرب بعد 50 سنة من الآن؟ جمال عميمي [email protected] www.amazighamerican.com www.tamazirth.com