بعدما دافع بقوة عن سيادة الرباط في تحديد عروض المساعدات الواردة بخصوص "زلزال الحوز"، بجملة من القنوات الفرنسية، يواصل الزعيم اليساري الفرنسي جون لوك ميلونشون، مؤسس حزب "فرنسا الأبية"، إظهار التّقدير السّياسي والدّيبلوماسي للمملكة المغربية، ب"إفراجه عن زيارة للمغرب هذا الأسبوع تشمل مراكش والدار البيضاءوالرباط ثم طنجة، كان يخطط لها منذ قرابة سنة". ويبدو أن الزيارة المرتقبة تمثل استمرارا لدعم ميلونشون للمصالح المغربية وتعزيز الالتقائية والهموم المُشتركة بين القوى اليساريّة بالبلدين، فيما اعتبر العديد من المحللين أن هذه الزيارة تشكل إحراجا للرّئيس إيمانويل ماكرون، الذي أدخل الإيليزيه في "متاهات عتمة في علاقتها بالرباط، في الفترة الأخيرة، مكرسا نهجا استعلائيا لم يتفق معه أي أحد من القوى السياسية اليسارية المغربية". "خارج التأويل السياسي" محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، قال إن "هذه الزيارة لا علاقة لها مبدئيا ب"الفتور الديبلوماسي" الذي تعرفه باريس في علاقتها بالرباط"، مؤكدا أن "تداول فكرة الزيارة كان منذ قرابة سنة مع فريدة العمراني، نائبة فرنسية تابعة لحزب ميلونشون والصديق محمد عبدي، المناضل اليساري بالمغرب وبفرنسا، لأجل إيجاد صيغ جديدة للتعاون بين جزء اليسار المغربي وجزء من اليسار المغربي". وأكد زعيم "الحزب الشيوعي المغربي"، أن "هذه الزيارة كان يُحضَّر ويُخطَّط لها عمليّا منذ قرابة سنة تقريبا، في أفق أن يحلّ ميلونشون في الصويرة ضمن فعاليات مهرجان كناوة الذي احتضنته مدينة الرياح في يونيو الماضي، ليشارك في الندوات؛ لكن ذلك لم يتأتّ وقتها"، غير أن "حضور فريدة العمراني ومحمد عبدي، بالصويرة كان فرصة لاستئناف النقاش بخصوص فكرة الزيارة وشروطها وظروفها". وأوضح بنعبد الله، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن "ميلينشون لبى طلب الزيارة أخيرا، وسيحل بمراكش ثم ينتقل للبيضاء ليلقي ندوة لتقديم كتابه الأخير: "تصرف بشكل أفضل: نحو ثورة مواطناتية" (Faites mieux ! Vers la révolution citoyenne)، وهو كتاب يناقش أساسا قضايا المناخ والإيكولوجيا؛ والماء بشكل خاص"، مضيفا أن "اليساري الفرنسي اعتبر أن المغرب في طليعة البلدان التي يتعين أن يقدم فيها هذا الكتاب، بالنظر لتداعيات الجفاف". وأفاد السياسي المغربي، بأن "مؤسس حزب فرنسا الأبية من المقرر أن يلقي ندوة أخرى بجامعة محمد الخامس بالرباط حول الكتاب ذاته، تأكيدا على الحق في الماء الشّروب، وسيزور مقر حزب التقدم والاشتراكية وسيلتقي بالقيادة رسميا إضافة إلى لقاءات شخصية خارج البرنامج تمكن من تعميق النقاش، لكون جزء من اليسار الفرنسي معاد لمصالح المغرب"، مشيرا إلى أنه "سيلتقي أيضا بنزار بركة وزير الماء، وسيختتم زيارته للمغرب بطنجة". "أبعاد مهمة" علي بوطوالة، نائب الأمين العام لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، قال إن "زيارة ميلونشون للمغرب تأتي في إطار الرغبة في التميز على مواقف ماكرون واليمين الفرنسي، وخصوصا في ما يتعلق بقضايا عديدة متعلقة بالسيادة المغربية"، مشيرا إلى أن "مواقف ميلونشون، المزداد بطنجة، المبدئية تجاه المغرب وتجاه الجالية المغربية في فرنسا، كانت دائما تثير إعجاب جزء كبير من القوى اليسارية المغربية". وأوضح بوطوالة، في حديثه لهسبريس، أن "صوت ميلونشون مهم في الوسط السياسي الفرنسي، وقد عاينا كيف كان حديثه حكيما ومحترما للمغرب ولسيادته، ولمؤسساته ولشعبه، في الوقت الذي كانت العديد من الجهات في فرنسا تهاجم المغرب بشكل فج وغير مقبول"؛ وزاد: هي مواقف يعبر عنها في الواقع أيضا، فقد زارنا في رواقنا الموجود في "حفل الإنسانية" بباريس وعبر عن مواقف جد متقدمة تجاه كل ما هو مغربي". وأورد الفاعل السّياسي المغربي أن "اختيار الظّرفية بعد الزلزال للمجيء هو موقف ببعد إنساني مهم، والتفكير في الظرفية لا شك أنه حاضر لدى ميلونشون، كما أن هناك بعدا آخر لا يقل أهمية وهو وجود العديد من الفرنسين بالمغرب غير راضين عن سياسة ماكرون"، مشددا على أن "مؤسس حزب فرنسا الأبية يعد من بين البروفايلات الممكّنة للبحث في صيغ مشتركة للعمل معا، في المغرب وفي فرنسا". وأكد بوطوالة أن "في هذه الزيارة بعد إشعاعي للمغرب بعد تضرر القطاع السياحي، وفيه تعاطف مع الفرنسيين الموجودين بالمغرب خلال فترة الزلزال، وهو ما يشكّل إحراجا للساكن بالإيليزيه، ولذلك هذه الزيارة ولو أنها خارج "رجّات الفتور"، فهي تشكل ضغطا غير مباشر على الرئاسة الفرنسية"؛ وأوضح: "الفيدرالية بدورها لها علاقة رفاقية جيدة مع اليسار الذي يمثله ميلونشون تحديدا بفرنسا، فمنذ 2016 نحضر بنشاطاتهم ويحضرون في تظاهراتنا".