نجح جون لوك ميلونشون، الذي احتل الرتبة الثالثة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، في إبرام اتفاقات لتوحيد قوى اليسار في إطار جبهة مناهضة للرئيس إيمانويل ماكرون خلال الاقتراع التشريعي المرتقب. الاتفاق المشار إليه بات يضم، علاوة على حزب ميلونششون» فرنسا الأبية»، الحزب الاشتراكي، الحزب الشيوعي والخضر، وسيتم خوض الانتخابات البرلمانية ضمن هذا التحالف بغاية اختيار ميلونشون وزيرا أول في الحكومة التي ستفرزها نتائج التصويت. وسواء حققت هذه الجبهة اليسارية هدفها، وبالتالي نجحت في تحقيق أهدافها الانتخابية، أو لم تنجح في ذلك، فهي، من المؤكد، ستحقق تحولا في المشهد السياسي الفرنسي، الذي يعيش العديد من التفاعلات في السنوات الأخيرة. قد يكون هذا التقارب بين قوى يسارية متنوعة في فرنسا فرضته أوضاع وتموقعات انتخابية حالية، أو أنه نجم عن التقاء قناعات وتقييمات القيادات الحزبية الموجودة الآن، ومن ثم هو لا يخفي استمرار خلافات برنامجية وأساسية حول قضايا كبرى محددة، ولكن، برغم كل ذلك، فهو يجسد تحالفا انتخابيا حقيقيا يؤسس لبديل بين تيار الرئيس ماكرون، الذي أعيدت تسمية حزبه ب«النهضة»، واليمين المتطرف بزعامة مارين لوبين، كما أنه يعتبر أول مبادرة وحدوية يسارية في العقدين الأخيرين بفرنسا. من زاوية النظر المحلية لدينا هنا بالمغرب، تقدم لنا المبادرة اليسارية الفرنسية درسا أساسيًا هو أن الحوار بين أحزاب لها قواسم سياسية وبرنامجية مشتركة ممكن، حتى ولو كان صعبا، ويمكن أن يفضي إلى تحالف أو اتفاقات انتخابية أو مرحلية، وهو ما بات غائبا في مشهدنا الحزبي الوطني، ولم نعد نسمع حتى بحديث أو تشاور بين قوى وطنية لها ما يجمعها فيما بينها. من جهة ثانية، المبادرة اليسارية الفرنسية، وبرغم انطلاقها من عند ميلونشو، فإن حزبا تاريخيا عريقا مثل الحزب الاشتراكي، أو أيضا الحزب الشيوعي، لم يرفضا الانضمام إليها وتلبية نداء صاحب المبادرة، ومن ثم الجميع نجح في هزم الأنانيات التنظيمية والشخصية والخلفيات التاريخية، وذلك من أجل الفكرة والهدف. أما الإشارة الثالثة في المبادرة اليسارية الفرنسية، فهي وجود من عارضها من داخل القوى المتحالفة نفسها، وضمنهم أسماء سياسية كبيرة، ولكن عرض الأمر على النقاش الداخلي، ومن ثم التصويت، وسط قيادة كل حزب، حسم الجدل، وصادق على تبني المبادرة بالأغلبية، وقد جرى الاحتكام إلى معيار نتائج التصويت في الاقتراع الرئاسي الأخير، كما اتفق على صياغة برنامج مشترك، واستحضار تخوفات كل طرف وعدم القفز عليها...، أي أن الاتفاق بني على النقاش وتبديد المخاوف وتقوية الثقة بين مكونات الجبهة، وعلى وضوح ما اتفق عليه، واعتماد التصويت للانضمام إلى التحالف. من دون شك، أن هذا التحالف اليساري حول ميلونشون قد ينجح في تحقيق هدفه الانتخابي وقد لا ينجح، كما أن الرئيس ماكرون قد يذهب في اتجاه صيغة التساكن وقد لا يذهب، وقد تعيش فرنسا جدلا قانونيا وسياسيا حول دلالات فصول الدستور وصلاحية كل طرف ضمن البناء المؤسساتي الفرنسي، ولكن أهمية المبادرة أنها تفتح المشهد الحزبي والانتخابي بفرنسا على عرض آخر، وعلى بديل يطرح نفسه أمام الشعب الفرنسي بين ماكرون وقوى اليمين الليبرالي من جهة وقوى اليمين المتطرف من جهة ثانية، وهذا هو الدرس الجوهري الذي يفيد عددا من الجغرافيات عبر العالم، وضمنها حالتنا المغربية، أي أن القوى الديموقراطية الحقيقية مطالبة بالاجتهاد وفتح الآفاق أمام شعبنا، وذلك بصياغة مبادرات سياسية شجاعة قائمة على الوضوح، وعلى الأفكار والبرامج والمواقف، وتستحضر مصلحة البلاد، وتهدف إلى صنع بديل انتخابي قوي وقادر على التنافس والنجاح. العالم كله اليوم يشهد تحولات في مختلف المجالات، لنتابع، لنستفد، ولنفكر في مصلحة بلادنا وشعبنا أولا. محتات الرقاص