أيام معدودة على الدور الأول للانتخابات الرئاسية بفرنسا، مازال المرشح جون ليك ميلونشون عن حركة «فرنسا المتمردة» La France Insoumise يتمرد على الجميع بما فيها استطلاعات الرأي حيث مازال في دينامية متصاعدة، ويمكن أن يتأهل إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية التي سوف تتم في 7 من ماي المقبل،وبإمكانه حتى الفوز في حال تأهله رفقة ممثلة اليمين المتطرف مارين لوبين، وهو السيناريو الذي يثير رعب اليسار الاجتماعي الديمقراطي الذي يمثله فر نسوا هلوند وأنصاره بالحكومة امام التراجع الكبير والمفاجأ لممثل الحزب الاشتراكي في هذه الانتخابات بنوا هامون الذي يجد في الرتبة الخامسة ونسبة تصويت لا تتجاوز 8 في المئة في الوقت الذي يحصل يه ابن طنجة على 18 في المئة من نسبة الاستطلاعات.وهو وضع لم يعشه الحزب الاشتراكي ومرشحه مند 2002 حي تمكن ممثل اليمين المتطرف من التأهل إلى الدور الأول للانتخابات الرئاسية ضد جاك شيراك ليتم اقصاء المرشح الاشتراكي والوزير الأول السابق ليونيل جوسبان، الذي غادر الحياة السياسية بعد هذه الإهانة الانتخابية المدوية. وهو الوضع الذي سوف يتكرر للمرة الثانية حيث لن يصل ممثل احد كبر الأحزاب الفرنسية إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية. هذا الوضع الاستثنائي، وهذه المفاجأة التي يحققها جون ليك ميلونشون، سوف تسرع من وثيرة الالتحاق بحركة إلى الأمام التي يتزعمها وزير الاقتصاد السابق لفرنسوا هولند ايمانييل ماكرون. وذلك تحت شعار «التصويت النافع» من اجل قطع الطريق أمام ممثلة اليمين المتطرف وأمام زعيم فرنسا المتمردة جون ليك ميلونشون. الرئيس المنتهية ولايته فرنسوا هولند لم يتردد في التحذير من هذا التقدم وخرج عن صمته في تصريحات صحفية. انتقد الخطاب التبسيطي لجون ليك ميلونشون حول سوريا،روسيا، الحلف الأطلسي والاتحاد الأوربي وذلك من خلال خطاب هاجم فيه المتطرفين في هذه الحملة. جون ليك ميلونشون، لم يتوان في الرد على هذه الهجومات التي بدأت تأتي من كل صوب بفعل هذه النجاحات التي يحققها، حول يساريته واستحالة تحقيق برنامجه. جون ليك ميلونشون، مستمر في حملته وبتميزه في هذه الحملة، واختار بداية هذا الأسبوع التجول عبر قارب «بنيش» على نهر الصين من أجل اللقاء مع سكان باريس والضواحي، مركزا في خطابه على الفئات الوسطى الفئات العمالية. هذا التقدم الذي يحققه ابن مدينة طنجة هو على حساب الاندحار الكبير لمرشح الحزب الاشتراكي والذي يجد نفسه في وضعية صعبة محتلا المرتبة الخامسة، وهي وضعية لم يعشها أي مرشح لهذا الحزب منذ ليونيل جوسبان، وهي تعكس وضعية الانفجار التي يعرفها الحزب الاشتراكي بين جناحين: الجناح الإصلاحي الذي التحق أغلب اتباعه بامانييل ماكرون بمن فيهم رئيس الحكومة السابق ايمانييل فالس وجزء من انصار الرئيس الحالي فرنسوا هولند الجناح الراديكالي الذي يتهم الليبراليين بالخيانة بعد اجراء الانتخابات التمهيدية وفوزه بها. ورغم عملية الترميم التي قام بها بنوا هامون مرشح الحزب الاشتراكي من خلال تبني أفكار ايكولوجية وتشاركية، فإنه لم يتمكن من إقناع الجناح الديمقراطي والاجتماعي للحزب للالتحاق بحملته الانتخابية التي تعاني من هذا الشرخ الكبير داخل الحزب، وهو شرخ ليس جديد بل عاشه كل زعماء الحزب من فرنسوا ميتران إلى ليونيل جوسبان وفرنسوا هولند الذي عملوا دائما على التوفيق بين هذين التيارين المتصارعين واللذين كانت البرغماتية الانتخابية تدفعهم إلى إيجاد توافق لينفجر هذا الشرخ اليوم في نهاية ولاية فرنسوا هولند وعجز بنوا هامون عن إيجاد توافق مما يعجل بانفجار الحزب الاشتراكي والتحاق جزء كبير من أعضائه بحركة ايمانييل ماكرون أي جناح «التسيير». أما جناح «الحلم» كما يتم نعته ببعض الصحف الفرنسية فهو بين بنوا هامون وجون ليك ميلونشون، وبالتالي فشلت المقاربة التي أسسها ميتيران وروكار وجون بيير شوفينمان منذ مؤتمر ايبيني في بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي. جون ليك ميلونشون، أحد الوجود القديمة للحزب الاشتراكي، والذي كان وزيرا بحكومة ليونيل جوسبان، يستفيد اليوم من هذا الوضع، وتستفيد حركته «فرنسا المتمردة» التي تتلقى دعم الحزب الشيوعي الفرنسي من هذه الوضعية،وخروجه من الحزب الاشتراكي هو بسبب هذا الصراع بين الجناح الراديكالي اليساري والجناح الديمقراطي الاجتماعي أو جناح التدبير والتسيير الذي يطمح دائما لسلطة، واليوم يتجاوز في الاستطلاعات مرشح الحزب الاشتراكي بونوا هامون، يتجاوز أحيانا فرنسوا فيون.الذي بدأ هو الاخر يعيش دينامية في الأيام الأخيرة. هذه النتائج، وهذه التغيرات، تجعل من معرفة من يفوز بالانتخابات الرئاسية بفرنسا أمرا صعب التكهن، بل التغير الذي تعرفه استطلاعات الرأي التي هي الأخرى يمكن أن تؤدي إلى مفاجآت لم تكن منتظرة. وهذه التغييرات، وهذه المفاجآت، وهذا التغير في مواقف الرأي العام يعود إلى النسبة الكبيرة للمترددين،أي 35 في إالمئة التي لم تقرر بعد وبشكل نهائي لمرشحها، هذه كلها معطيات تزيد من الضبابية حتى على بعد أيام معدودة من الدور الأول لهذه الانتخابات. وجون ليك ميلونشون، لعب دورا كبيرا في هذه المفاجآت بجانب ايمانييل ماكرون، وهو ما يجعل الأحزاب الكبرى تتراجع، أي الحزب الاشتراكي وحزب الجمهوريين، وربما لن تصل إلى الدور الثاني لهذه الانتخابات. وسيكون الأمر سابقة لم تتحقق منذ تأسيس الجمهورية الخامسة سنة 1958 وربما سوف نعود إلى الجمهورية الرابعة التي عانت من غياب أغلبية في البرلمان، وكانت المشهد السياسي بفرنسا ضحية الأحزاب الراديكالية الصغرى.