أتذكّر جيّدا يوم ألحّت إدارة المؤسّسة التعليمية على فصلي الدراسي من أجل القدوم لمتابعة عرض صحّيّ يشرف عليه البروفيسور "إكْسْ"، والذي بذل الكثير من الجهد من أجل تقريب مضارّ التدخين من تمثّلات التلاميذ، ولا يوازي تذكري الدقيق لتفاصيل هذا العرض إلاّ تذكّري للحظة الانتهاء من هذا النشاط الإجباريّ البئيس والبروفيسور "إكْسْ" يقف بباب القاعة مدخّناً سيجارته بنَهم أذكته ساعتان من "القْطِيعْ" الإجباري. "" منذ ذاك الحين، أخذ مفهوم "الفِيتْرِينَة" يأخذ أبعاداً أخرى لدي، وتحوّلَتْ من مجرّد جماد إلى نظامٍ مجتمعيّ وتنظيميّ قائم بالأفراد والأسر والدروب والمدن والقبائل والوطن، تسرّب بسلاسة لكافة مناحي الحياة ليلج أدقّ التفاصيل وأرقى الهياكل، بأن أصبح يسود ويحكم، مستفيدا من تواطئ مسعور مكّنه من إبراز حضور "بْلاَ حْيَا وْلاَ حْشْمَة" كلّما نودي عليه. ويمكن أن تقف بالعين المجرّدة أو الأذن المُبَرْمَجَة، على تواجد واسع ل"الفِيتْرِينَاتْ"، ولي في ذلك أمثلة متعدّدة أستحضر منها مثالين ينوبان عن الباقي في التقريب، حيث تجد مثلا أنّ بلدا كالمغرب الذي يتغنى مطربوه ويسترزقون بأغاني أمّ كلثوم وعبد الوهاب وحافظ واسمهان وصباح فخري و كلّ المشارقة والأوربيين والأمريكيين وباقي القارَّات، يدين ويشجب ويندّد بمطرب أو قناة أو شركة إنتاج تناولت أغنية مغربية، ونحن الذين تغزو أسواقنا وقنواتنا و فضاءاتنا "التنشيطية" أغاني الغير التي لا نخفي صورنا وأسمائنا ونحن نسوّقها ب "العْلاَلِي"، في ضرب ل "الفِيتْرِينَة" الفنيّة التي يدين "رفّها الأوَّل" القرصنة ويرحّب "رفّها الثاني" بترويج الأغنية المغربية وتوسيع نطاق سماعها وتذوّقها، بل يدعو إلى البذل في ذلك لمن استطاع إليه سبيلا. كما يمكن أيضا لصراع حزبي الاستقلال والاتحاد، أن يعتبر دليلا على وجود "الفِيتْرِينَة" الحزبية التي أولجها مرحلة التجلّي عمدة فاس، فبعد تصريحات شباط في حقّ الاتحاد عبر محطّة بنبركة، وردود الاتحاد التي واكبت هذا الحدث عبر المنابر الإعلامية والتصريحات النارية، ثبت أنّ "الفِيتْرِينَة" لم تستطع تحمّل تواجد تنميقات لأكثر من سعتها، وإلاّ كيف يفسّر أن يقوم شباط المقتنع بما يفوه به بكبْت مستجدّاته لغاية أبريل 2009، وهو الذي كان يمكن أن يعمّمها قبل ذلك، خصوصا وأنّ الأمر يتعلّق بفترة زمنية مرتبطة بأواخر خمسينيات القرن الماضي وبداية ستّينياته، وقد كان الأنسب لشباط أن "يُقَرْبِلَها" واليازغي يجلس في الصفوف الأولى ممثلا للاتحاد إبَان الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وبشكل يجعل "فِيتْرِينَة" الكتلة "تُفَرْشَخُ تْفْرْشِيخاً"، أو قبل ذلك بعدد من السنوات إن كان لا يهدف إلاّ لكتابة التاريخ الحقّ. كما أنّ نفس الصراع ساهم في الكشف عن التوجّهات الخافية للاتحاد، والتي توجد خارج "فِيتْرِينَتِه"، حيث ينبغي رفع مذكرات إصلاحية إلى المكتب السياسي لحزب بنبركة، وما ذلك إلاّ على ضوء ردود أعضاء هذا المكتب على مقال شباط. فأن تنتقد فكرة أو تصحّحها أو تكذّبها هو أمر مقبول وحقّ مكفول، أمّا أن يتمّ استهجان وصول "سِيكْلِيسْ" سَابِق إلى مراكز عليا سياسية وتدبيرية ونقابية.. هو أصلا استهجان لحزب الاتحاد الاشتراكي وتسميته المرتبطة بالقوات الشعبية، وتكريس لمسلّمات زبدة المجتمع المستفردة بحلب المغرب والقاضية بأنّ "اللّي تْمّا يْبْقَى تْمَّا.. والِّي تْهْرْسْ هَا الكْرَارْسْ"، وأنّ القوات الشعبية لا يجب أن تبرح مكانها، بأن ينبغي أن يُعمل على شلّها ليبقى "السِيكْليسْ" و "السُّودُورْ" و "مُولْ البْبّوشْ".. كلّ في نطاق "سَكْلَسَتِه" و "سَوْدَرَتِه" و "بَشْبَشَتِه".. ولاَ مَكان له بين مناصب العِلّيين و لو نال من حظّ ربّ الأيّام و "دَارْ كَاتْريَامْ".