عاش الشعب المغربي أجواء من الرعب ليلة الجمعة 08 سبتمبر 2023، إثر هزة عنيفة أربكت سكينة جل المدن والقرى المغربية، لكن ما إن أسفر الصباح حتى تبينت الحقيقة المفجعة، وتبدى حجم الكارثة التي أصابت بلادنا وصدمت كل الأحرار في أرجاء العالم. بعدما أدرك الجميع أن زلزالاً عنيفاً ومدمراً بلغت درجته 7.1 درجة على سلم ريختر، ويقع مركزه في قرية إيغيل بمنطقة الحوز، وامتدت هزته عبر ربوع المغرب من طنجة حتى أقاليمنا الصحراوية، وتجاوزت إلى إسبانيا والبرتغال والجزائر. وتسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات في قرى وبلدات الأقاليم الواقعة في مركز الزلزال ومحيطه، وبخاصة في أقاليم الحوز – تارودانت – ورززات – مراكش – وشيشاوة... وقد بادرت كل أجهزة الدولة لإغاثة السكان في المناطق المتضررة، وانتشال الضحايا من تحت الأنقاض. وللإشارة فإن صعوبة التضاريس ووعورة الطرق وانقطاعها بسبب الانهيارات الصخرية من أعالي الجبال، قد عرقل وصول فرق الإنقاذ والآليات الخاصة بإزالة الأنقاض إلى بعض المناطق. لكن الملاحظ أن هناك عدة مناطق تكاد تكون منسية وبخاصة في إقليم ورززات. ففي اتصال ببعض سكانها، تبين أنهم مستاؤون لعدم الالتفات إلى قراهم ومساواتها ببقية المناطق المتضررة، إذ لم تصلها أية مساعدات رغم ما تعانيه من ظروف مزرية بسبب فقدان الناس منازلهم التي تهدمت وانهارت بكاملها، وما تبقى منها لم يعد صالحاً للإيواء، وحسب ما حصلنا عليه من معلومات، فإن هناك دواوير بمنطقة أونيلا بجماعة تلوات بإقليم ورززات، قد أصبحت منكوبة تماماً، وتنتظر من يغيثها ويخفف عنها ثقل المعاناة. ومن هذه الدواوير التي تضررت كثيراً، نذكر: تكندوشت – تمليلت- تجكجيت- أسكا- توراسين- إغونان- تمسال أنميتر – تيزكي- تغزة – أنجلز... وقد تكون هناك دواوير أخرى لم نتوصل إلى أي معلومات عنها. وحسب عدة مصادر موثوقة من عين المكان، وموثقة أقوالها بالصور وأشرطة الفيديو، فإن سكان هذه الدواوير يبيتون في العراء بجوانب وادي أونيلا ووسطه منذ ليلة الجمعة، ويقاسون البرد القارس، والخوف من فيضان محتمل ومفاجئ للوادي، ومن تهديدات الانهيارات الصخرية من الجبال المطلة على دواويرهم، والتي تدحرجت لحظة الزلزال، وساهمت في تحطيم المنازل التي سقطت عليها. وهكذا تعقدت أحوال دواوير جماعة تلوات، فهم لا يستطيعون المبيت في ما بقي من المنازل لأنها مشقوقة الجدران وآيلة للسقوط، كما أن بقاءهم في العراء عذاب يضاعفه الظلام الدامس، والبرد القارس، والجوع الذي ذهب بقواهم، وفَتَّ من صمودهم الجسدي، وخلخل توازنهم النفسي. وتتضاعف المأساة حين يتعلق الأمر بالأطفال والشيوخ والنساء الحوامل والمَراضع، وهذه الشريحة هي المكون الديموغرافي الأكبر لقرى هذه المنطقة، بعدما غادرها أغلب الشباب هرباً من الفقر، وبحثاً عن لقمة العيش في مختلف المدن المغربية. لقد صارت حاجيات هؤلاء الناس ملحة ومستعجلة. فهم في حاجة إلى المواد الضرورية للبقاء على قيد الحياة.. إلى الخيام لإيواء الأسر التي فقدت منازلها بفعل قوة الزلزال، وما بقي منها مهدد بالانهيار في أية لحظة تحت وطأة الهزات الارتدادية المتواترة التي تضعف أحياناً وتقوى حيناً. وهم في حاجة إلى المواد الغذائية، والماء الصالح للشرب، ولوازم الأطفال، والأغطية والأفرشة، إضافة إلى الأدوية والتدخلات الطبية، ومساعدة الدولة لإعادة بناء منازلهم. غير أنه لحد الساعة ما زال سكان هذه الدواوير قابعين في العراء ليلاً ونهاراً، يفترشون الأرض ويتلحفون الفضاء.. وهم محتاجون إلى ما يقيهم من البرد القارس الذي بدأ يقرع أبواب تلك المنطقة المعروفة ببرودة طقسها، وقريبا ً ستسقط الثلوج على دواويرها وتغطيها بردائها الأبيض البارد ككل سنة، وهذا ما يخشونه ويزرع الرعب في نفوسهم، ويشغل تفكيرهم وهم في هذا الوضع المؤلم، بلا مأوى ولا مواد غذائية ولا ملابس ولا أغطية. فقد دفن الزلزال كل ممتلكاتهم البسيطة تحت أنقاض منازلهم. إن دواوير جماعة تلوات تستغيث وتناشد أصحاب الضمائر الحية، وأحرار هذا الوطن الحبيب، من مسؤولين ومنتخبين، ومحسنين ورجال أعمال وميسورين، وجمعيات المجتمع المدني، وجميع المواطنين المغاربة الأحرار، للالتفات إلى حالها ومؤازرتها في هذه المحنة التي أصابت وطننا الحبيب. ونتمنى أن يكون لها نصيب في عملية إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال، وفق توجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي " أعطى تعلیماته بالإحداث الفوري للجنة وزاریة مكلفة بوضع برنامج استعجالي لإعادة تأھیل وتقدیم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة في أقرب الآجال" كما جاء في بلاغ الديوان الملكي. وفي انتظار إزاحة ثقل المعاناة عن دواوير منطقة أونيلا بجماعة تلوات عمالة ورززات، لا يسعنا إلا أن ننوه بتآزر الشعب المغربي الأصيل، ومبادرته إلى مؤازرة إخوانهم المنكوبين في المناطق المفجوعة، ولا بد كذلك من تقدير كل مؤسسات الدولة القائمة بواجبها، والتنويه بتضحيات القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والوقاية المدنية والقوات المساعدة... وهذه المؤسسات هي صمام أمان بلادنا وجدير بنا تقديرها واحترامها. والدعاء بالرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى، وحفظ الله بلادنا وأبعد عنها كل شر.