دعونا نتناول الموضوع من زوايا مختلفة، لِيتسنى لنا وضع رد فعل المغرب والمغاربة في كفتي الميزان. جيوسياسيا: المغرب والجزائر في شبه حالة حرب باردة؛ لكن يبدو وكأن المغرب في حالة دفاعية وماضٍ رغم ذلك في تحقيق مكاسب دولية مهمة. الحدود مغلقة بين البلدين، وأي دخول غير قانوني إلى البلد الآخر تترتب عنه تبعات وخيمة. وهذه ليست المرة الأولى التي يرشق فيها خفر السواحل من كل الدول الإقليمية المهاجرينَ بالرصاص الحي في عرض البحر الأبيض المتوسط؛ وذلك مثل حالة اليونان ضد المهاجرين الذين انطلقوا من سواحل مصر مؤخرا. قانونيا: حسب ما يُتداول، هؤلاء الشباب (رحمهما الله وشفا الجريح) مهاجرون مغاربة حاملون للجنسية الفرنسية. الدخول إلى المغرب، البلد الام، حسب معلومات قانونية (تحتاج التأكيد)، يُلقي بمسؤولية ضمان حقوق المهاجرين على الدولة الأصل، يعني هنا المغرب. فلو كانوا على تراب بلد آخر مطل على المتوسط دخلوها ثم صار الحادث في المكان نفسه لكان العكس. وبِغض النظر عن ذلك، بادٍ للعيان كيف تطفو على السطح مَخْجَلَةُ ازدواج معايير جل الدول المتقدمة لما يتعلق الأمر بالمهاجرين المُجنسين أو أبنائهم. ونتذكر لما كلنا تعاطفنا مع الطريقة البشعة لقتل المراهق الجزائري نائل على يد الشرطة الفرنسية. فلو كان المقتول فرنسيا قحا لكنا أمام نسخة فرنسية لجورج فلويد الأمريكي. بعيدا عن ذلك، فقط كون هؤلاء الشباب مغاربة كافٍ لكي يَصدر من الدولة المغربية رد فعل متناسب مع الحادث. من جهة، أول تصريح للناطق الرسمي باسم الحكومة لم يرِد فيه لا ترحم على أرواح الشهداء ولا تمنٍ بالشفاء للجريح. فهل ذلك لنقص في المعلومات المتوفرة آنذاك؟ أم لِجبن سياسي وأخلاقي غير جديد على الكثير من المسؤولين عندنا؟ فقط الساعات المقبلة ما ستميط اللثام عن السبب الراجح. من جهة أخرى، المُعَلِقون المختفون وراء الشاشات، لا سيما المنادون منهم بالدفع إلى الحرب، فغالبا سيكونون أول من سيَفِر من التجنيد لو كان هذا هو الحل الذي ستتبناه الدولة. لكن الحنكة السياسية أصبحت عملة نادرة في صفوف غالب مسؤولينا، أما توخي الشرف والمصداقية في محتوى أروقة الفضاء الافتراضي الذي يسكنه أبناء الجيل الرقمي، فمفقود الأمل في تقفي آثارهما. كل هذه الظواهر يمكن أن تُعزي إلى أسباب متعلقة بضعف مستوى التفكير النقدي؛ وكنا قد تناولنا بواعث أخرى في مقال سابق. أخلاقيا: الشباب المغدور أولا وآخرا مغاربة. ومن المؤسف أن يتم التدخل بشكل عنيف وبشع قبل اتباع مسطرة توقيف مخترق الحدود بالتدرج؛ وذلك أولا من خلال محاولة تحييد الخطر بشكل سلمي إلى أن يتبين أن الأمر يتعلق بتجارة السلاح أو المخدرات أو ما يقع في حُكمِهِما. صحيح أن عمل الساهرين على أمن الحدود بريا وجويا وبحريا وافتراضيا في أي مكان حول العالم ينطوي على العديد من المخاطر، حيث إنه من الصعب التمييز بين الصديق والعدو في ثوان معدودة؛ إلا أنه، ومنطقيا، أول ما ستبادر لذهن خمسة شباب مهاجرين يقضون العطلة في بلدهم الأم مع أولادهم وهم في رحلة ترفيهية على الجيتسكي حين يصادفون عناصر مسلحة هو رفع أيديهم استسلاما وخوفا على أرواحهم. فأن تكون هذه هي الحالة ويتم رغم ذلك التدخل بالرصاص الحي، فهذا أمر مناف لجميع الأعراف والقوانين الكونية والوضعية. محليا: يجب ألا ننسى تدخل الدولة لتخليص الشاب المغربي في حرب أوكرانيا من رصاص الإعدام، أو تحركها لإخراج الطفل ريان، رحمه الله، من ظلمات البئر. الخارجية تشتغل عادة في جد وصمت؛ إلا أن الشرخ الهائل بين السياسة الداخلية في التواصل المخجل من جهة، والقوة الخارجية في العمل الجبار على عدة جبهات من جهة أخرى، دائما ما يُدخل المواطن المغربي في حالة من الصبر واللاصبر في الوقت نفسه. ختاما، سَتحمِل الساعات والأيام المقبلة الكثير من الجديد. رحم الله الشهيدين مرة أخرى، وكان في عون الآخرين من ذويهم. الوضع يحتاج صبرا وحكمة وهيبة.