لم تشف غليل النازيون الجدد مجزرتي الحرس الجمهوري والمنصة، فطوّعت لهم أنفسهم الشريرة لحرق البلاد والعباد، وقاموا بارتكاب محرقة بشعة في حق مواطنين مصريين، دون رحمة ولا شفقة، لأنهم رفضوا الخضوع لحكم العسكر الدموي، وصمدوا في اعتصاماتهم السلمية لما يقارب الشهرين. كان الهجوم البربري لكتائب الموت، على مدنيين أبرياء من أجل فض اعتصامهم مخطط له، لكن التوقيت والطريقة لم يكن أحد يتوقع أن تكون بتلك الهمجية، حيث استخدمت منذ البداية الرصاص الحي لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، دون سابق إشعار، وأخذوا المعتصمين على حين غرة، وكان من الممكن تجنب هذا السيناريو الدموي لو كانت لدى الانقلابيين إرادة حقيقية لحل الأزمة سياسيا كما يروجون في الإعلام، لكن العسكر الحاكم لا يؤمن بالحلول السياسية السلمية، لأنه تربّى على القتل والحرق، ولا يفقه في السياسة شيئا. الحصيلة الكارثية من الشهداء والجرحى، التي تجاوزت حسب إحصائيات التحالف الوطني من أجل الشرعية 2000 شهيد (وزارة الصحة لم تعترف إلا بأقل 700 شهيد حتى تغطي على المحرقة)، يؤكد أن قادة الانقلاب كانوا عازمين على فض الاعتصامات بالقوة مهما كانت الخسائر في الأرواح، وقد تناقلت وسائل الإعلام المختلفة صور هذه المحرقة التي لم يشهد التاريخ البشري لها مثيلا، حيث الجثث المتفحمة والمسجد المدمر والخيام المحترقة ورائحة الموت التي تفوح من مسرح الجريمة، وكأن جيشا غازيا مرّ من هناك. من الواضح أن الأوامر صدرت من قائد الانقلاب بسحق المعتصمين دون رحمة، دون التمييز بين رجل وامرأة أو طفل و شاب وشيخ، حتى الصحفيون كانوا هدفا لكتائب الموت، وهو ما يؤكد على أن القتلة كانوا مصممون على حسم المعركة دمويا، كما لو أنها معركة حربية ضد عدو خارجي، إنها عملية انتحارية أقدم عليها مجرم الحرب في محاولة يائسة لإنهاء معركته الأخيرة مع الشعب الرافض للانقلاب الدموي على إرادته الحرة، فهو يدرك أنه لا يمتلك شرعية شعبية، ولأنه تلقى تكوينه على أيدي الأمريكان والصهاينة، فإن العقيدة العسكرية التي يحملها، هي أن العدو هو الشعب، ولذلك عمد إلى تقسيم الشعب إلى شعبين، وضرب الشعب بالشعب، حتى يحتفظ بالسلطة. هؤلاء النازيون الجدد كانوا أكثر دموية وسادية من الصهاينة في بشاعة جرائمهم، وحتى يعطوا لجرائمهم الغطاء الشرعي، اتهموا المعتصمين بحيازة الأسلحة وبممارسة العنف والإرهاب، وهو التبرير الذي لجأ إليه كل الحكام القتلة الذين سبقوا السيسي، للتغطية على جرائمهم، حتى يعطوا لأعمال الهمجية مسوغا قانونيا، كما أنهم روجوا عبر وسائلهم الإعلامية الكاذبة، بأن كتائب الموت التي أطلقوها على المعتصمين، لم تطلق الرصاص إلا دفاعا عن النفس، والحقيقة أنه لو كان المعتصمين يحملون أسلحة، لدافعوا عن أنفسهم ولما سقط هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى في صفوفهم، كما أن مشاركة الأطفال والنساء والشيوخ في الاعتصامات يدحض تلك الاتهامات الباطلة. ولذلك لجأ الانقلابيون إلى كذبة أخرى وهي الادعاء بأن المعتصمين يستخدمون الأطفال والنساء دروعا بشرية، وهي جزء من الحرب الإعلامية والنفسية التي يسخر فيها الانقلابيون جميع قنوات التضليل الإعلامي لإخفاء حقيقة جرائمهم. جبهة الخراب وحركة التمرد وحلفاؤهم، تلطخت أيديهم بالدماء، فهم الذين قدموا لقائد الانقلاب التفويض والدعم السياسي والغطاء الإعلامي، لكي يرتكب المجازر بدم بارد في حق مواطنين مصريين أبرياء، لذلك فإن مسؤوليتهم الجنائية والسياسية قائمة، وسيحاكمون على المحرقة التي ارتكبها العسكر والأمن وعلى كل المجازر التي ارتكبت بعد اغتصاب السلطة. هؤلاء الانقلابيون يتوهمون أن تحالفهم مع العسكر سيمكنهم من السلطة، وسيبعد عنهم شبح التيار الإسلامي، الذي كان الكابوس الذي يقض مضاجعهم، لكنهم غير مدركين بأنه إذا كان قدر الإسلاميين اليوم أن يدفعون فاتورة الحرية والكرامة، فإن العسكر هو صاحب السلطة، ولن يتنازل عنها قيد أنملة، حتى ولو اقتضى ذلك إبادة الشعب بكامله، والحالة السورية ليس عنهم ببعيد، وهو - لا قدر الله إذا تخلص من الإسلاميين- ستدور الدائرة عليهم، ولن يفرق بين علماني أو يساري أو ليبرالي، وستكون عليهم حسرة. هي إذن محرقة القرن بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لأنها أولا استهدفت مدنيين سلميين، وثانيا لأن الهدف من اقتحام الاعتصامات لم يكن هو فضها، وإنما قتل المعتصمين مع سبق الإصرار والترصد، كأنهم ينتقمون منهم لعدم استسلامهم للتهديدات، وهو ما جعل أعداد الضحايا الذين سقطوا كبيرا جدا. ردود الفعل الدولية على المحرقة كانت خجولة، ولا تتناسب البتة مع حجم الخسائر الكارثية في الأرواح، وقد تراوحت بين التنديد والشجب والمطالبة بضبط النفس واستدعاء بعض السفراء... لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا لو وقعت هذه المحرقة في أي بلد وكان الضحايا مسيحيون أو يهود أو أقليات إثنية ؟ قطعا سيكون موقف الدول الغربية بزعامة الولاياتالمتحدةالأمريكية أكثر شدة وقوة، وستعلن حالة الطوارئ في العالم، وستتحرك الأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، وسيحال الملف بسرعة البرق إلى مجلس الأمن ومن ثم إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقد تتجاوز القوى الكبرى مجلس الأمن لتعلن تدخلها في ذلك البلد، كما فعلت في عدد من الدول ليس آخرها ما وقع في مالي. لذلك نتساءل: كيف تسمح الدول الغربية لنفسها بالتدخل في دول العالم بذريعة محاربة إرهاب القاعدة، ولا تتدخل لأجل محاربة إرهاب الدولة الذي تمارسه كثير من الأنظمة الاستبدادية ضد شعوبها في إفريقيا والشرق الأوسط؟ ولماذا عندما تزهق روح مسيحي أو يهودي تُقام الدنيا ولا تقعد، وعندما تزهق أرواح المسلمين بالجملة، لا يحرك العالم ساكنا؟ ألهذا الحدّ أصبحت دماء المسلمين رخيصة؟ ليس هناك شك في أن الولاياتالمتحدة وحلفاؤها متورطون في الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب، وفي كل الجرائم التي يرتكبها النازيون الجدد، ولو كانت ضد الانقلاب لأفشلته في المهد، وما تركت الانقلابيون يعيثون في مصر خرابا وقتلا، كما أن موقفها الغامض من الانقلاب هو دليل إضافي على تواطؤها، فضلا عن إبقائها للمساعدات المالية والعسكرية السخية التي تقدمها للجيش المصري، والتي تقدر بحوالي مليار ونصف دولار، وهي من الوسائل الحاسمة التي تجعل الجيش المصري خاضعا للنفوذ الأمريكي، مع العلم أن قائد الانقلاب هو خريج كليات الحرب الأمريكية، وبالتالي فهو لا يمكن أن يتخذ قرارا واحدا دون الرجوع إلى أسياده في أمريكا، ولذلك ليس مستغربا أن يطلب علنا من الولاياتالمتحدة - قبل المحرقة- بالتدخل للضغط على قادة الشرعية للقبول بخارطة الانقلاب. لا يمكن لعاقل أن يتصور إقدام قائد الانقلاب على ارتكاب تلك المجازر في حق المصريين المسلمين دون أن يحصل على الضوء الأخضر من واشطن، أما ما تعلنه الولاياتالمتحدة من مواقف معارضة لاستخدام العنف والإرهاب ضد المدنيين، فهو لأجل الدعاية الإعلامية فقط، إنقاذا لصورتها القبيحة، حتى تخفف من حجم الغضب على سياساتها الخارجية المعادية للمسلمين. ستكون هذه المحرقة بحول الله بداية سقوط الانقلاب، بعدما سقط عن القناع عن وجه قادته المتعطشين للدماء، وسيحاسب التاريخ كل من شارك في قتل المدنيين عاجلا أم آجلا.