فِي الوقت الذِي تغيبُ معطياتٌ رسميَّة حول حجم الأموَال المغربيَّة المهربَّة أوْ المودعَة في الخارج، كشفَ بنكُ التسويات الدوليَّة "bank for international settelement"، المعروف اختصارًا بBIS، عنْ ارتفاعٍ ملحوظ في ودائع المغاربة، سنة 2013، ببنوكِ بلدانٍ ليستْ محلَّ إقامتهم. وحسبَ أرقام البنك الحديثة، فإنَّ ودائع المغاربة فِي بنوك بلدانٍ لا يقيمُون فيهَا، بلغت 5.549 مليار دولار، بعدمَا كان الرقم فِي حدود 4.490 مليار دولار السنة التِي تلتها. مع الإشارة إلى أنَّ القانون لا يعتبرُ كل تلك الودائع مهربَّة، حيث إنَّ ثمَّة مغاربة مقيمين بدول أوربيَّو يودعُون أموالهمْ فِي دول مجاورة، كأنْ يودع المهاجر المغربي في فرنسا أمواله ببنكٍ إسبانِي، أوْ نحو ذلك، كما قدْ تكون تلك الودائع مملوكة لشخصيات معنويَّة، خرجتْ وفقَ المساطر التِي يحددها مكتبُ الصرف. البنكُ الدولِي للتسويات، الذِي قامَ بمسحٍ شملَ حواليْ 40 بنكًا، عبر العالم، من بينها مراكز ماليَّة، أظهر أنَّ ودائع المغاربة بالبنوك المذكورة، زادتْ بأكثر من مليار دولار، في الفترة ما سبتمبر 2012، والشهر نفسه من 2013. الرقم وإنْ يكن كبيرًا، فِي الواقع، إلَّا أنَّ ارتفاعه قياسًا ب2012، هو الذِي من شأنهِ أنْ يقودَنَا إلى التساؤل، مما يعنِي أنَّ هناكَ تهريبًا متواصلًا لرؤوس الأموال، وهو ما شعر به المغاربة، مع الإشارة إلى أنَّ الودائع، أيًّا كانت نسبتها من الودائع المذكورة، لا تجسد التهريب الحقيقي، لأن تقرير الBIS لا يتنَاول سوى السيولة النقديَّة، المودعة في الأبناك، دون حصر الأموال التِي هربتْ من قبل مغاربة، اشتروْا بها أملاكًا في الخارج، أوْ أَسسُوا بهَا شركاتٍ فِي الخارج. وبالتالِي فإنَّ الودائعَ المذكورة غيضٌ من فيض، وجزءٌ فقطْ من الأموال المهربَة، لا يقدر الحجم الحقيقي لكل الأموال، لأنَّ عددًا من المغاربة اشترَوا شققًا فِي أمريكَا وإسبانيا، بعد الأزمة الماليَّة، وهبوط أسعار العقار. الأكاديميُّ المغربيُّ يلفتُ إلى أنَّ تهريب الأموال لا يحصلُ فِي اتجاهٍ واحد، لأنَّ ثمة أموالًا تهربُ من الخارج إلى المغرب، أخرجها الأجانبُ أيَّامَ الأزمَة من أوربَا، مما يضحي معهُ المغربُ مصدرًا ومستقبلًا، فِي الآن ذاته، بيد أنَّ سؤالا آخر يطرح؛ حسب الكتاني، حول من هم الأشخاص الذين يهربون الأموال من المغرب؟ يجيبُ الدكتُور الكتاني "بأنَّ أولئك المهربِين ممن لا يفتشُون غالبًا عند مغادرة الجمارك"، ذاهبًا إلى أنَّ وقع في حكومة "عباس"، فِي إشارة إلى وزير الصحة السابقة، ياسمينة بادو، وَالشقتين الباريسيتين، أظهر أنَّ سياسيين مغاربة هربُوا أموالهم، و"الكثير من المسؤولين المغاربة يمتلكُون شققًا في الشانزيليزيه، بالعاصمة الفرنسيَّة، فهلْ دفعُوهَا مما جنوهُ من عملهم بالخارج، أمْ من الأموَال التِي هربتْ من المغرب؟ وعمَّا إذَا كانت الدولة المغربيَّة تتخذُ إجراءات ناجعة لردع مهربِي الأموَال، أوضح الكتانِي أنَّه لا يحبذُ اتخاذ إجراءاتٍ تبثُّ الخشية في نفوس المغاربة، لأنَّ التخويف لنْ يفضِي إلَّا إلى مزيدٍ من التهريب، لما لتلك الإجراءات من انعكاساتٍ سلبيَّة، "والإجراء الواقعِي، في الحقيقة، هو الأمنُ الاجتماعِي في المغرب، لأنَّ من الناس من يهربُ أمواله إلى الخارج لأنَّ لا ثقة لديه في مستقبل المغرب، ولهذَا فإنَّ أحسن وسيلة لمحاربة تهريب رؤوس الأموال هي الأمنُ الاقتصادي والاجتماعي". حيث إنَّ الإنسان الذِي يعيشُ بالمغرب في حاجةٍ إلى أنْ يشعر بالاطمئنان على مستقبله ومستقبل أبنائه، يقول الكتاني، معتبرًا الوقاية من الظاهرة أفضل من معالجتها بالدرع، وهي وقايةٌ متأتية بتحقيق الأمن الاجتماعي، وفق المتحدث ذاته، بجو استثماري يضمن حقوق المستثمرين، وقضاءٍ نزيه يبتُّ في الملفات المعروضة عليه بعدل، ويعيدُ الحقوق إلى ذويهَا. فإذَا تحقق الاستقرار، من الناحية السياسية كما الاقتصاديَّة والاجتماعية، بالمغرب، من سيضطرُّ إلى تهريب أمواله إلى الخارج؟ يتساءلُ الكتاني. وعن الصيغ التي يهربُ بها المغاربة الأموَال إلى الخارج، أوردَ الكتاني أنَّ هناكمن يستعينُ بأقاربه ومعارفه في الخارج، حيث يسلمُ المهربُ أمواله بالدرهم في المغرب، ليستلمها في الخارج، عن طريق التبادل، أمَّا الأسلوب الثانِي فهو عبر الحدود، كأنْ يعمد المغادر للمغرب إلى إخفاء أمواله بالعملة الصعبة التي تدبرها عبر بعض الشبكات، من بين أساليب أخرى، لا تملك الدولة إزاءَها وسائل كبيرة للرقابة، لأنها في حال تشددت لدى التفتيش في الجمارك، سيتولد نوعٌ من الضغط النفسي على المسافرين والسياح. وصلةً بالأموَال المهربَّة يتابعُ الكتانِي "نحنُ نعلمُ أنَّ المغرب من الدول التي تصدرُ الحشيش إلى الخارج، وأنَّ مما يختصُّ به تجار الميدان، كونهم يدخِلُون تلك الأموال إلى المغرب، فإذَا مارست عليهم ضغوطًا، سيوقفون تلك التجارة، ولن يدخلوا أموالهم، مما يفرضُ التعامل بنوعٍ من المصلحيَّة، على اعتبار أنَّ عددًا كبيرًا من الفلاحِين يعيشُون بتلك الزراعة، فقط، حتى وإنْ ادعينَا محاربته، فهل من مصلحتنا أنْ تمنع تلك الأموال، في حين أنَّ الاقتصاد مبنيٌّ على نوع من الواقعية، لأنَّه إذا ما تمادينا في الإصغاء إلى تعليمات أوربا، في محاربة تهريب الأموال، سنخسر الكثير لأجل سواد عيون أوربا، التي تملكُ وسائلهَا، ولسنَا مطالبِين بأنْ نؤمنَ لها الحراسة إصغاء إلى تعليمات أوربا، في محاربة تهريب الأموال، سنخسر الكثير لأجل سواد عيون أوربا، التي تملكُ وسائلهَا، ولسنَا مطالبِين بأنْ نؤمنَ لها الحراسة".