من قلة الكفاءات إلى العمل غير القار في كل سنة، يتوفر المغرب على حوالي 400.000 خريجة وخريج جدد من المدارس العليا والجامعات الخصوصية والعمومية. ويطبع التخوف والقلق هؤلاء الشباب ومباشرة بعد تخرجهم، بسبب إشكالية البحث عن العمل وصعوبة الولوج إلى سوق الشغل. حيث تتطلب عملية البحث عن منصب شغل النفس الطويل والصبر لدى غالبية الشباب المتخرج. وقد تستغرق العملية المذكورة مدة شهر أو سنة، حسب مؤهلات وكفاءات كل شخص. ويبحث أرباب المقاولات والمشغلون في سوق الشغل عن أحسن الكفاءات الشابة. خصوصا، هؤلاء الذين يتوفرون على المهارات الناعمة، وقوة التواصل، وإتقان اللغات، والقدرة على التحمل والتكيف السريع لإيقاع العمل، وكذا الاندماج في ثقافة المقاولة المشغلة. علما أن هذا النوع من "البروفايلات" غير متوفر بسهولة في سوق الشغل، بحيث أن عملية الفرز والبحث عن السير الذاتية الملائمة تستغرق مدة زمنية مهمة في أقسام الموارد البشرية للمقاولات المغربية. كما أن فئة مهمة من الكفاءات الشابة تفضل إتمام دراستها بالخارج أو البحث عن عمل في الدول المتقدمة والنامية الأوروبية والآسيوية وحتى الاسكندنافية، بحيث أن غالبية استطلاعات الرأي الخصوصية والجمعوية أكدت هذا المعطى وهو ما يجعل سوق الشغل المغربي أكثر اضطرابا وغير متوازن. أما بخصوص ريادة الأعمال، فإنشاء المقاولات لا يهم أغلبية الشباب حاملي الشواهد العليا الجدد. وبالتالي، فهم غير مهتمين بالتشغيل الذاتي ويحبذون التوظيف في بداية مشاورهم المهني. حيث أن التشغيل المباشر يمكنهم من التوفر السريع على أجر شهري قار. إلا أن المقاولات المغربية الخصوصية وشبه العمومية، أصبحت تشترط على الخريجين الجدد فترة تدريب وامتحان للقدرات تتراوح ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر، وذلك قصد تهيئهم لمناصب الشغل. ومن جهة أخرى، فالأرقام الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط تأكد على الوضع المقلق للتشغيل في المغرب، في ظل غياب إجراءات حكومية مندمجة وفعالة. فخلال الفصل الأول من سنة 2023، فقد الاقتصاد المغربي 280.000 منصب شغل مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2022. حيث بلغ معدل البطالة على المستوى الوطني ما يناهز 13 بالمائة. أما في فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و35 سنة، فقد بلغ معدل البطالة 35 بالمائة. حيث أن تحقيق نقطة إضافية من النمو تمكن فقط من خلق 25.000 منصب شغل قار، وهو ما يظل غير كاف بتاتا لاستيعاب 400.000 خريجة وخريج برسم كل سنة جامعية. ويظل القطاع الخاص المشغل الرئيس بالمملكة، رغم الركود التضخمي الحاد الذي عاشه المغرب خلال النصف الأول من السنة الجارية، والذي اتسم بالارتفاع المهول للأسعار وتباطؤ النمو وبالتالي تراجع الطلب الداخلي وحتى العالمي. وبخصوص ميثاق الاستثمارات الجديد، فقد تم التوقيع على عدد مهم من الاتفاقيات الاستثمارية بعد تفعيل أدوار اللجنة الوطنية للاستثمارات والتي يرأسها رئيس الحكومة. حيث يتعين تتبع تنزيل هاته الاتفاقيات على أرض الواقع، وذلك قصد توفير مناصب شغل مستدامة للشباب المغربي وبالتالي تخفيض مستويات البطالة على كل الأصعدة، الوطنية والجهوية والفئوية. كما يعتبر القطاع الصناعي في المغرب، مشغلا رئيسيا للفئة النشيطة بحكم عدد المصانع التي تفتح برسم كل سنة. إلا أن هاته الوحدات الصناعية تشغل بالأساس الطبقة العاملة غير المتوفرة على شواهد التكوين العليا، مما يجعل التوظيف مقرونا بالمهن التطبيقية وليس في مجالات تدبير الإنتاج والهندسة والإبداع والابتكار. حيث يتعين إعادة النظر في مقاربات التشغيل والتركيز أكثر على التكوينات المرتبطة بنقل المعرفة والكفاءات، واستحضارا لمخاطر الذكاء الاصطناعي على الطبقة الشغيلة وعمال القطاع الخصوصي.