في ذكرى عيد ميلاد " الصباح " التاسع "" توصف جريدة "العلم" بأنها أم الجرائد. وفي سياق تدقيق هذا النعت أقول إنها "أم مرضعة"، فهي من أرضعت الكثير من الصحافيين والكتاب والأدباء والشعراء في المغرب أولى قطرات حليب "صاحبة الجلالة". وهي "أم مرضعة"، لأنها سرعان ما تفطم رضاعها ليخرجوا من حضانتها بحثا عن فضاء آخر وأسرة أخرى. هذا ما حدث لي شخصيا، وأستسمح القراء الكرام في استعمال ضمير المتكلم، وأنا أتحدث إليهم من خلال "الصباح" في ذكرى ميلادها التاسعة. رضعت أول حليب "صاحبة الجلالة"، والمقصود هنا مهنة الصحافة، من الأم المرضعة، بعد أن أخذني إليها المحامي عبد العالي التكناوتي، بداية سنة 1996، وكان أخرجني بالقوة من بهو محكمة الاستئناف، حيث كنت أصارع آلام البطالة المقنعة. حينها أدركت أنني بصدد اقتحام مهنة لم أكن أعرف عنها أي شيء، رغم أنني حاصل على الإجازة، لكن كنت فقط أسمع عن جريدة اسمها "الاتحاد الاشتراكي"، وقبلها المحرر، وعن جريدة "العلم"، و"الطريق"، لكن لم أكن قط مهتما بقراءة هذه الصحف بقدر ما كنت مولعا بقراءة "الأزلية"، و"ألف ليلة وليلة"، وبعض روايات نجيب محفوظ، وعبد الرحمان منيف. بفضل "العلم" أصبحت أعرف أسماء جميع الجرائد الوطنية، وأسماء الأحزاب السياسية، وأسماء النقابات، ومع مرور الوقت صرت أعرف أن النقابة الفلانية موالية للحزب الفلاني، وأن الجمعيات الحقوقية هي كذا وكذا، وأنها بدورها تبقى ساحة تتنافس فيها تيارات سياسية بعينها. وبفضل "العلم" أيضا تعلمت أبجديات تقنيات التحرير الصحافي، ومن خلالها أيضا اقتحمت عالم المحاكم، وتحية خاصة للزملاء نور اليقين بن سليمان وعبد الرفيع الأومليكي، والهادن الصغير. حان وقت الفطام، وتركت "الأم المرضعة"، أواخر سنة 1999، لأجد نفسي بين أحضان أسرة بعالم غريب وعجيب، عالم بلا خرائط، إنها أسرة "رسالة الأمة"، وهي مدرسة أعترف أنها أكسبتني ملكة التحكم في الأعصاب، ومسايرة أي حرب نفسية في الأجواء الصحافية مهما كانت حدتها. في الوقت الذي هدأ فيه، قليلا، الجدل الدائر حول الخط التحريري لجريدة "الأحداث المغربية"، التي ظهرت سنة 1997، "ضدا على "الاتحاد الاشتراكي"، بانت في حي "بوركون" في الدارالبيضاء شقراء أسالت لعاب معشر الصحافيين، إنها "الصباح"، التي خلقت سنة 2000 ثورة في تقنية التحرير الصحافي، وفي شروط العمل المادية والمعنوية. لم أقدر على مقاومة دلال وغنج الشقراء، كنت أسترق النظر إليها من بعيد.. بعيد، كان حلما أن تسمح لي بملامسة محياها، لكن حدث الوصال بعد إلحاح. "الصباح"، نقحت حرفتي وسلوكي المهني، وفتحت لي آفاقا جديدة وأبوابا رئيسية في قصر "صاحبة الجلالة". ولأن دلال "الشقراء" لا يقاوم، فقد جلبت إليها ثلة من الصحافيين الشباب الذين تفانوا في عشقها. كبرنا باسم "الصباح" وتماهينا معها وتماهت معنا، وأصبحنا نحن هي، وهي نحن، وجاء الفراق وانسحب الكثير من العشاق من حضرة "الشقراء" الملهمة دوما، والتي لولاها ما عرفت ساحة الصحافة المكتوبة كل هذه الفوضى الخلاقة. تفرق العشاق كل إلى حيث رماه القدر، وواصلت "الشقراء" دلالها وغنجها. والتقى بعض عشاق "الصباح" وآخرون ألهمتهم هذه "الشقراء"، واتفقوا على حب "المساء"، لكنه تأكد أن هذا الحب يندرج في باب "كلام الليل يمحوه الصباح"، وكانت "الجريدة الأولى"، وكانت "أخبار اليوم". عممتم "صباحا". [email protected]