عممت "مُديرية مُراقبة التراب الوطني"، المعروفة اختصارا ب "دي إيس تي"، منذ بضعة أيام، إعلانا عن مباراة توظيف "مُخبرين" من مُستويات ضباط، جرت المُباراة بالفعل، بمقر المُديرية المذكورة، بمدينة "تمارة" وتم اختيار 120مرشحا، من بين 650 شابا وشابة، الذين اجتازوا اختبارات عديدة، كان من بينها، التدقيق في "سيرهم الشخصية"، ومستوى تفوقهم الدراسي. الخبر إياه "رمته" إحدى الصحف اليومية، في أسفل صفحة داخلية، مع أن مضمونه يُعتبر سابقة فريدة من نوعها، في المغرب. "" فلم يسبق قط، أن "تجرأت" إدارة المُخابرات المغربية، على الإعلان عن مباريات التوظيف لديها، حيث كانت "العادة" أن يتم اختيار أفراد من بين "المتفوقين" في مرحلة التخرج، ضمن مدارس ومعاهد، وزارة الداخلية، أوالاعتماد على تقنية "الاستقطاب" حيث تنزل فِرق متخصصة، في استجلاب العنصر البشري "الفعال" إلى مُختلف الجامعات، ومعاهد التكوين (سيما المشتغلة بمجالات الاعلام) لتأمين حاجة "دي إيس تي" من عناصره الشغالة. وأذكر بهذا الصدد، أن أحد الزملاء الصحافيين، أسَرَّ لي منذ سنوات خلت، أن "بعضهم" جاؤوه، إلى مقر المعهد العالي للصحافة، حيث كانت تنصرم، أيام آخر سنة دِراسية، وعرضوا عليه الالتحاق، بإحدى مصالح المُخابرات، لِقاء أجر جيد، لا يُمكن أن يحلم به، في أية مؤسسة إعلامية، خاصة أو عامة، فضلا عن امتيازات أخرى، كان من بينها، سيارة "سربيس" ومُساعدته، في تبسيط إجراءات الحصول على مسكن لائق. الزميل إياه، رفض العرض لاعتبارات "احترازية" فهو لم يكن يريد، كما قال لي "حشر" نفسه، مع بداية حياته المهنية، في أعمال التجسس، وبعدما نفض أفراد لجنة استقطاب الكوادر المُخابراتية، أيديهم من الزميل المعني، زودوه بهذا التحذير: "لا تقل كلمة واحدة، مما دار بيننا وبينك".. وبطبيعة الحال، شفعوا التحذير، بتقطيبات مُناسبة، بلغ من حدتها، أن ذلك الزميل، رجاني بشدة، أدهشتني، ألا أنشر الخبر أو أشير إليه، ولو تلميحا، وبالرغم من الاغراءات الخبرية الطازجة، فقد التزمتُ بعدم النشر وقتها. وعلمت، فيما بعد، ببضعة أيام، أن زميلي، لم يكن وحده من بين أترابه، خريجي معهد الصحافة بالرباط، مَن توصل بدعوة "دي إيس تي" لولوج "جُب" الخدمة المُخابراتية، بل كانت هناك دعوات أخرى، من نصيب عشرات زملائه الطلبة، قبِل بها بعضهم، في حين رفضها آخرون. هكذا كان يتم الأمر، حيث تنزل فجأة، مصلحة استقطاب الكوادر "حسي مسي" إلى مُختلف مؤسسات التكوين و"تغترف" ما تسنى لها، من الطلبة والأطر المتفوقين، من منظور "معايير" دي إيس تي. ويجب القول أن عمليات الاستقطاب، لم تكن تقتصر على العناصر "الغضة" في المجال الإعلامي، أي من طلبة معاهد التكوين الإعلامية، بل طالت مُؤسسات إعلامية، قوامها جرائد، حيث يختفي على حين غرة، بعض أجود صحافييها، من هيئات التحرير، دون أن تُعرف وجهاتهم المهنية الجديدة، وأذكر بهذا الصدد أن الصحافي السابق "ي.س" الذي كان لامعا، في تحرير المقالات السياسية بأسبوعية "لوجورنال" في بداية سنوات الألفية الميلادية الثانية، ترك الجمل وما حمل، حينما بسط أمامه الجنرال "لعنيكَري" امتيازات الالتحاق ب "دس إيس تي" حينما كان يُديرها، مما خلق عندئذ، حالة ذهول في أنفس وأذهان زملائه بالمنبر المستقل المذكور، بل وكانت الصدمة قوية على مُديرها آنذاك "بوبكر الجامعي". غني عن القول، أن نماذج الاستقطاب المذكورة، ليست سوى غيض من فيض "اختراقات" مُديرية مُراقبة التراب الوطني" للنسيج" الإعلامي، أما ما لم يتسن العِلم به، فأكثر بما لا يُقاس، ومنه مثلا، "تقنيات" عديدة في استقطاب "المُتعاونين عن بُعد" بمعنى أن يظل "المُخبرون" حيث هم، في وظائفهم، بمحتلف المجالات، يُمدون "دي إيس تي" بتقاريرهم، لقاء تعويضات أو امتيازات، أو حتى بالمجان، كما أفاد بذلك عميل المخابرات السابق "أحمد البخاري" في كتابه "السر". واضح أن ما يؤطر هذا "النشاط" المُخابراتي "المدني" هو العمل في سرية، سواء عند استقطاب الأطر بشكل نهائي، أو جزئي، وهو ما يُحيل، على ظروف و أدبيات العمل، تحت جنح الظلام، تماما كما تجري "أنشطة" هذا النوع من العمل، حيث يكون مطلوبا أداء مهام، لا تخضع لأية اعتبارات، سياسية أو قانونية أو حقوقية، ومن ذلك، أن الاعتمادات المالية المرصودة، تظل سرا من أسرار الدولة، حيث يعتبر المسؤولون عن إدارة المخابرات، أنفسهم ، وطبيعة الأعمال، التي يُشرفون عليها، غير قابلة لأية مُراقبة أو مُساءلة، وبالتالي، أن يظل كل ما يرتبط ب"مهماهم" ومنها "توظيف" الأطر، سريا. يجب القول أن تعميم خبر تنظيم مُباراة، باسم "دي إيس تي" يُعتبر في غاية الأهمية، فهو مؤشر، ولو كان هينا، يُحيل على كوة ضوء، أمام عيون "اشتغلت" دائما في الظلام.