لم يكن كتاب عبد الهادي العلمي رجل الأعمال المغربي باردا مثل غيره من الكتب التي تنشر عادة لرجالات المال والأعمال، الدين يحبذون تمجيد سيرهم وتلميع واقع مزيف كما هو الحال لعدد من السير المغربية والعربية التي تكاد أن تحول أصحابها إلا ملائكة. لا يكشفون حقيقتهم/توبتهم من طريق شيدوه –في الغالب- بدماء وعرق غيرهم. ناهيك عن الصفقات والعلاقات المشبوهة التي طبعت ثروات أغلبهم. "" أخيرا، اختار عبد الهادي العلمي أن يكشف عن جوانب من سيرته الذاتية في كتاب صدر حديثا بعنوان: قصر المتاعب. وإذا كانت الحقيقة صادمة أحيانا حتى على أصحابها، فإن العلمي أعزت عليه منه، ليكشفها هكذا عارية بدون أقنعة ولا حجاب. في هذه السيرة، يكشف العلمي عن خبايا تاريخ ملغم، قصة قصر المؤتمرات الذي شيده بتحد ناذر رفعته شركته المعروفة باسم "دنيا أوطيل" بمدينة مراكش. وحكاية اللوبيات المسؤولة عن خراب البلد الذي فضل العلمي ألا يهاجره كما فعل العديد منهم. "هذا الكتاب قصة حقيقية مرتبطة بشخص واحد، ولكنها ليست سيرة ذاتية محضة. إنها شهادة على مرحلة التسعينيات تضئ بعض جوانب العتمة في عالم عجيب، أغلب من لعبوا دورا ما فيه، هم أحياء يرزقون، وأحداثه أغرب مما يحتمل الخيال، ونتائجه مؤلمة، يعيش الكاتب جزءا منها، ويعيش المغرب هذه النتائج كلها. هذا الكتاب حلقات من الوقائع والأحداث والأسرار والكواليس والقرارات الإدارية والوزارية والحكومية التي كونت تاريخ بناء مركب قصر المؤتمرات بمقاعده الخمسة ألف وقاعاته "الملكية" و"الوزارية" وغيرها، وبفندقه الكبير ذي الخمسة نجوم والألف سرير. "نكتب للمستثمرين المغاربة الجدد حتى يأخدون العبرة، فالمواجهة القادمة لن تدور رحاها مع العولمة، ولكنها ستجري أساسا مع مثل هذه الخليات". لا أريد أن أحول دون بياض العلاقة الممكنة بين المؤلف وهذه النصوص، فقط أريد أن أقدم رجل أعمال ليس كباقي بعض رجال الأعمال المغاربة. لم يحصل أبدا أن فاز بامتياز سعى وراءه، ولا تشريف أو تقدير لم يكن أهلا له. رغم العلاقة الإنسانية القوية التي كانت تربطه بالملك الراحل الحسن الثاني. قصر المؤتمرات ليس محنة شخصية، إنه محنة جماعية أصابت جيلا كاملا كان ضحية ما يسميه المؤلف نفسه ب"دهاليز التلوث الإداري". إنه دعوة -شديدة اللهجة- إلى تغيير العقليات وتجديد نمط تفكير النخبة الحاكمة لتكون في مستوى الاستحقاقات والتحديات العصيبة. هل نستطيع أن نقف أمام حقيقتنا بكل نذوباتها؟ هذا الكتاب استطاع ذلك. فهل من مجيب؟ وللإشارة، فعبد الهادي العلمي من مواليد سنة1941 بفاس. حصل على البكالوريا (شعبة الفلسفة)، وعلى دبلوم اللغة العربية وآدابها سنة1960. التحق في نفس السنة بوزارة المالية كموظف بقسم التعريب. أحرز على الإجازة في الحقوق سنة1963، وتفوق في مباراة المفتشية العامة للمالية، فعين سنة 1964 مفتشا للمالية، ليتخصص في ميدان الجبايات والجمارك، قبل أن تعهد إليه مسؤولية إدارة قسم التأمين والمالية الخارجية. غادر سنة 1970 وزارة المالية وعين بصندوق الإيداع والتدبير مديرا عاما لشركة "المغرب السياحي" التي غادرها هي الأخرى سنة1975 ليلتحق بالقطاع الخاص، حيث بنى "دنيا أوطيل" التي أصبحت أول مجموعة سياحية في المغرب. يعتبر عبد الهادي العلمي خبيرا سياحيا على الصعيد المغاربي، ومقاولا مبدع ورجلا إعلاميا متميزا، حيث أصدر الشهرية الدولية"maghreb magazine ". وأول أسبوعية مستقلة جادة باللغة العربية "مغرب اليوم". سبق له أن أصدر مجموعة من الدراسات الجادة والمعمقة حول قطاع السياحة بالمغرب.