تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    الحكومة تصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    دراسة تؤكد انقراض طائر الكروان رفيع المنقار، الذي تم رصده للمرة الأخيرة في المغرب    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص        ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العمل الوطني والدعوة الإسلامية بين علال الفاسي وحسن البنا..؟
نشر في العلم يوم 12 - 02 - 2010

غدا يوم السبت 28 صفر الخير 13 فبراير ستنطلق أنشطة إحياء الذكرى المائوية للزعيم العالم المجاهد المجتهد الداعية المرحوم علال الفاسي بمؤسسته، وفي 12 فبراير تحل الذكرى الواحدة والستين لاغتيال الشهيد حسن البنا رحمه الله، وقد رأيت أن أربط بين هذين الذكريين نظرا لما كان بين الرجلين من اتصال روحي قبل أن يكون اللقاء المباشر بينهما وقد خدم كل واحد منهما أمته الإسلامية بما يملك من جهد وقوة، كما سخر كل واحد منهما ما يملكه من مواهب وقدرات لهذه الأمة وإذا كان البنا استشهد أمام مقر جمعيته (الشبان المسلمين) التي منها كان المنطلق فإن الزعيم علال الفاسي رحمه اله لفظ نفسه الأخير وهو يدافع عن فلسطين ومسرى الرسول والمسجد الأقصى وكلاهما ترك أثرا كبيرا وعملا خالدا وفكرا نيرا أنار الطريق وفتح الأبواب أمام أمتهما الإسلامية وأحيا قلوبا غلفا وفتح أعين الناس على الخير وكلاهما أخلص لأمته ولدينه ولوطنه. تقبل الله منهما ولا تزكي على الله أحدا ولهم علينا واجب الدعاء بما أسدوه من خير وعمل.
الأخبار التي تحملها إلى المستمع والمشاهد والقارئ وسائل الإعلام على اختلاف أشكالها وتعدد مشاربها أخبار غير سارة بالنسبة للمجتمعات الإسلامية، فهي أخبار عن الفتن والقلاقل والاضطرابات داخل أكثر من إقليم ودولة، وهي من جهة أخرى أخبار عن العنف والقنابل المتساقطة على الأبرياء والمدنيين من طرف قوة أجنبية في أكثر من بلد، ولا يملك معها الإنسان إلا الحوقلة والاستعاذة بالله مما آل إليه أمر المسلمين في هذا الزمان الرديء.
لقد كان المؤمل ان تكون الظروف التي تعيشها الأمة الإسلامية أحسن مما هي عليه بعد هذه المرحلة الطويلة والشاقة التي قطعتها خلال قرن ونصف من الزمان، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر وهي تناضل وتجاهد لتحرير الإنسان المسلم مما يكبله من الأوهام والخرافات، وما أصبح مخيما على العقول والأفئدة من الخيالات المريضة، والتشبث بأمور تبتعد عن جادة العقيدة السليمة، وجوهر الفطرة التي جاء بها الإسلام والتي كانت النبراس الذي استضاء به المسلمون الأولون عندما انطلقوا لبناء الدولة الإسلامية، وتأسيس تلك الحضارة الزاهرة، وإنقاذ الناس من عبادة الأشخاص إلى عبادة الله وتوحيده توحيدا خالصا، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
لقد حمل راية الدعوة إلى العودة إلى المنبع الصافي رجال أوفياء دفعهم هذا الوفاء والإخلاص للعقيدة وجوهرها إلى العمل ونبذ التواكل والخمول، هؤلاء الرجال الذين تصدوا لأطماع الاستعمار ومكائده، ووقفوا في وجه الطاعون الذي كان يزحف من كل جانب، واستطاعوا ان ينشئوا أجيالا مؤمنة مخلصة عملت بكل قواها لتحرير أرض الإسلام من رجس الاستعمار، وتحرير العقول من تلك الأمراض التي حولت التوكل إلى التواكل، والجهاد إلى الاستكانة والقبول بالأمر الواقع لأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.
الديون والفوائد الربوية تهدد استقرار البلاد الإسلامية:
ان هذه الجهود التي بذلها أولئك والذين جاءوا من بعدهم تكاد تذهب هباء، فمع بداية القرن الواحد والعشرين، أو الألفية الثالثة أصبح العالم الإسلامي وكأنه في بداية القرن العشرين، وليس في بداية القرن الواحد والعشرين، فمن جديد عاد الاستعمار مرة أخرى ليحتل أرض العراق وأرض أفغانستان ولا تزال فلسطين تستغيث ولا مغيث وأكثر الدول الإسلامية مهددة بالانفصال والانقسامات والدول الإسلامية غارقة في الديون، والفوائد الربوية لخدمة هذه الديون تكاد تأتي على ميزانيات هذه الدول، كما تهدد استقلالها واستقرار الأحوال فيها، وحتى الدول التي أفاء الله عليها من خيراته حيث تتوفر على معادن وثروات طبيعية فإن الشعوب في تلك الدول لا تستفيد من تلك الخيرات، وإنما تنفق في التبذير والإسراف والإنفاق الذي يضر الأمة ولا ينفعها، والأطر الذين تصرف عليهم الأمة من أموالها ليتعلموا ويتدربوا والإنفاق عليهم إنفاق مزدوج بين الأسرة والدولة حتى إذا ما أتموا التكوين وأصبح جني ثماره قد حان أوانه لفظتهم البلاد لسبب أو لآخر فيكونوا في عون وخدمة غير أوطانهم وغير أمتهم التي هي في أشد الحاجة إلى علمهم وخبرتهم وتكوينهم.
غياب الشورى والتلاعب بإرادة الشعوب
والشورى التي كانت من أعز أماني أولئك الرواد الأوائل لا تزال أماني الشعوب إلى الآن، فالاستبداد بالرأي، وتزييف الانتخابات، والتلاعب بإرادة الشعوب سمة من سمات الحكم في ديار الإسلام، وحتى إذا كان هناك بصيص من هذه الديمقراطية أو الشورى فهي منحة من الحاكم يمن بها على الشعب لأن الحاكمين في ديار الإسلام يرون أن إعطاء الكلمة للشعوب لتختار نوابها وممثليها ليس أمرا واجبا أو حتميا أو حتى أمرا تستحقه هذه الشعوب بما بذلت من جهد في سبيل التحرير بل هو مجرد تفضل فهم لا يرون ذلك حق بنص الكتاب والسنة وواقع الحال الذي يجري به العمل لدى الأمم والشعوب التي تؤمن بالحرية وتسعى لتكون هي القاعدة في الحكم والمعاملات، وكل ما عداها هو طارئ يزول بزوال اللحظة التي أوجبته.
ان واقع الأمة الإسلامية واقع مؤلم، والشعوب التي كانت تقدم التضحيات للتحرر من الأجنبي صدمت بواقع الحكم بعد الاستقلال، وخاب ظنها في الناس وكأنهم بدلوا ناسا غير الناس الذين كانوا.
الاستعمار الجديد والتحكم في مصائر الأمة
لقد أصبح الاستعمار وأعوانه أهم من الناس الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الحرية والاستقلال، ولغة المستعمر أخذت من واقع الأمة مساحة أكثر من المساحة التي كانت لها قبل ذلك، وإذا كانت تعاني من الخوف في وقت النضال والجهاد فإنها في واقع الناس اليوم أكثر اطمئنانا وأشد تأثيرا وهي ترغب وتسعى لتكون اللغة الرسمية شرعا بعد أن أصبحت اللغة الرسمية عملا وفعلا.
ومع هذا وذاك هل نيأس مع هذا الواقع المؤلم؟. ان اليأس لا يجتمع مع الإيمان في قلب واحد، لقد كانت الظروف أدق وأكثر تعقيدا عندما قام، رجال أقوياء الإيمان والعزيمة رغم كل تلك المصائب التي تراكمت على واقع الأمة قاموا بأدوار لإزالة اليأس من النفوس وإعادة الأمل والطمأنينة إلى الأمة.
بين علال الفاسي وحسن البنا
وقد رأيت بمناسبة الذكرى المائوية لواحد من هؤلاء الرجال (علال الفاسي) وبمناسبة الذكرى الواحدة والستين لاغتيال رجل آخر ممن وهبوا حياتهم لأمتهم ولقيم الإسلام ومبادئه وهو الشهيد (حسن البنا) ان يكون حديث الجمعة اليوم للتذكير بما لهما من أفضال على أمتهم ذلك لأن الرجلين من جيل واحد ويملكان مواهب متقاربة أو متشابهة ثم ربطت بينهم الأقدار فاجتمعا وتلاقيا وتعاونا لصالح الأمة العربية والإسلامية، ثم ان الرجلين قام كل واحد منهما بالسعي لتأسيس حركة نهضوية جهادية في ظروف صعبة ومعقدة، وان كان نوع التعقيد يختلف.
لقد انطلق كل منهما للعمل في منتصف العشرينيات من القرن الماضي، يحدوهما الأمل في العودة بالأمة الإسلامية إلى سالف مجدها وعزتها.
كانت ظروف مصر في هذه المرحلة ظروفا صعبة إذ حصلت على استقلال مزيف، ولكنه وفر هامشا من الحرية الذي أتاح مع ذلك الفرصة لكثير من الناس للخوض في مجالات العقيدة والتاريخ الأدبي والسياسي للأمة الإسلامية بمناهج لم تكن مستساغة إذ ذاك بل كانت تفضي إلى إنكار أشياء تعتبر من المسلمات التي لا يمكن ولا ينبغي المساس بها، لقد كانت بعض التصرفات تكتسي طابع التنطع والجحود وهو ما دفع الكثير من العلماء والمفكرين للوقوف في وجه هذا الزحف الخطير على القيم والمبادئ الإسلامية وقد وجد البنا نفسه مندفعا نحو هؤلاء الذين يعملون جاهدين للدفاع عن تلك القيم وعن العقائد الإسلامية وفي وصف هذه الأوضاع يقول الدكتور موسى إسحاق الحسيني في كتابه الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة ما يلي:
تعرضت مصر بعد الحرب الكبرى الأولى، ولاسيما سنة 1919، لهزات سياسية عنيفة. واشترك الطلبة عمليا في الحركة الوطنية فقادوا المظاهرات وحرروا المنشورات وخطبوا ونظموا الشعر وضَربوا وضُربوا. وكانت مصر، وخاصة أيام سعد زغلول، كتلة ملتهبة لا تخبو حتى تذكو. واشترك الريف مع المدن في الإضرابات والمظاهرات. وكان البنا سنة 1919 في الثالثة عشرة من عمره، فاضرب مع الطلاب، ونظم الشعر الوطني، وشاهد احتلال الانكليز الاحياء في المحمودية. وتركت هذه الحوادث أثرا بالغا في نفسه حتى انه اعتقد ان الخدمة الوطنية جهاد مفروض لا مناص منه، وقام فعلا بدور بارز فيها لم يبين نوعه.
ثم حدث بعد ذلك ان خرجت تركيا على الخلافة ونبذت الحروف العربية وأجرت إصلاحات واسعة. وكان لذلك اثر بالغ في مصر.أما المتحررون فانتهزوا هذه الفرصة وأخذوا يكتبون عن علاقة مصر بالغرب، وتفضيل القبعة على الطربوش، وحرية المرأة، وحرية الفكر، إلى أمثال ذلك. وأما المحافظون فاعتبروها خروجا على تبعة الإسلام ورسالة القرآن واسم الخلافة بل الدين كله، وأضحت مصر في نظرهم مقر الدعوة وحلبة الكفاح والوارثة الشرعية للقيادة. وكان البنا من هذا الفريق الثاني.
وفي الوقت نفسه اشتد الصراع الفكري بين المحافظين والمجددين. وظهرت مؤلفات أثارت الرأي العام المحافظ منها كتاب (الإسلام وأصول الحكم ) للشيخ علي عبد الرازق الذي أدى إلى إخراجه من المحاكم الشرعية وحملة علماء الأزهر عليه، لدعوته الصريحة إلى وجوب فصل الدين عن الدولة وإنكار السلطة الزمنية للخلافة. ومنها كتاب ( في الشعر الجاهلي) للدكتور طه حسين الذي شك فيما ورد في القرآن عن إبراهيم الخليل.
وكانت مجلة ( السياسة الأسبوعية) حاملة لواء التجديد يومئذ، تنشر المقالات صريحة في نصرة المجدين، وتذهب أحيانا إلى الفرعونية والانضمام إلى الغرب، بلا قيد ولا شرط.
وتحولت الجامعة المصرية في هذه الفترة إلى معهد حكومي » وقرّ في الذهن أنها لن تكون علمانية إلا إذا ثارت على الدين وحاربت التقاليد الاجتماعية المستمدة منه، وأنشئ (المجمع الفكري) الذي كان يهاجم الأديان. وكان لهذا رد فعل في القاهرة. وكنت متألما أشد الألم«.
» ولم يكن في المعترك يومئذ من دعاة الفكرة الإسلامية من يستطيع رد عادية هذا الطوفان إلا نفر قليل أظهرهم مصطفى صادق الرافعي وشاب في سن الخامسة والعشرين ينتقل بين الإسماعيلية والمنزلة يدعو إلى الله في غير ما جلبة ولا ضوضاء... ذلك هو أستاذنا الإمام حسن البنا«.
وبالنسبة للمغرب فإن الثورة التي كان يقودها محمد بن عبد الكريم الخطابي أصيب بنكسة باستسلام الرجل وعرفت الأمة بسبب ذلك مزيدا من الإحباط في النفوس وكانت مجموعة من الشباب بقيادة الزعيم علال الفاسي تبحث عن المنفذ والطريق المؤدي إلى الحرية والى عودة الاستقلال المفقود، ولاشك أن هناك قضايا عامة يتقاسمها شباب المغرب الواعي مع اخوانه في مصر وغيرها بل كل المسلمين يحسون بثقلها مثل ما يتعلق بالخلافة وإلغائها، وكذا النيل من الثوابت الإسلامية ولاسيما ونحن نعرف مدى تتبع الشباب المغربي لما ينشر ويكتب في مصر وغيرها من البلاد العربية.
انطلاقة العمل في سنة 1928
وإذا كان عام 1928 هو عام تأسيس جماعة الشهيد البنا (الإخوان المسلمين) فإنه لم تحل سنة 1928 حتى كانت حركة مباركة قد غطت المغرب بالكامل حيث يوجد في كل مدينة مندوبا لهذه الحركة وربطت أوثق الصلات بالشمال الذي كان خاضعا للسلطة الاسبانية ونجد هذا كله مبسطا في الرسائل المتبادلة بين علال الفاسي والفقيه محمد داوود حيث جاء في رسالة بتاريخ نونبر 1928: »هذه أول مرة أكتب لك هاذه الرسالة السارة، مانعا لك أن تطلع عليها أحدا. قد أسسنا جمعية سرية سنبعث لك برنامجها بعد إنما الغرض منها مقاومة الاستعمار ومحاربته بوسائل النشر والدعاية وللجمعية فروع في جل البلاد المغربية، عدا الفروع الخارجية.
وطيه تصلك نسخة من الحروف التي تستعمل عندها في المخاطبة. وسأكتب لك بعد مفصلا. إنما المقصود منك أن تبعث هاذه الرسالة طيه إلى الأخ ابن الحسن النائب بباريس، بعد قراءتها أنت فقط وأن تكون بريدنا من هناك ومن هنا«.
وهكذا انطلق حسن البنا من جمعيات صوفية واحسانية إلى جمعية الشبان المسلمين إلى (الإخوان المسلمين)، كما انطلق علال الفاسي من جمعية سياسية وجمعية أدبية إلى تأسيس أكبر حركة وطنية نهضوية جهادية تحريرية عرفتها البلاد المغربية وإذا كانت الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف فإن أرواح هؤلاء القادة ائتلفت في عالم الغيب فتضافرت جهود جمعية العلماء الجزائريين بقيادة عبد الحميد بن باديس والحركة الاستقلالية المغربية وحركة الإخوان المسلمين من أجل النهوض بالدعوة الإسلامية وحمل رسالة التحرير باسم الإسلام إلى الشعوب العربية والإسلامية ويوجد رابط بين كل هذه الحركات رغم اختلاف الوسائل وظروف العمل ولكن المصدر الأساس واحد هو القرآن والسنة وتاريخ الإسلام، والهدف واحد هو النهوض بأعباء تحرير الأمة الإسلامية مما تعانيه وتقاسيه من ويلات الاستعمار وما يستهدفه هذا الاستعمار من النيل من العقيدة واللغة فكان التضامن مع المغرب في محنة ظهير 16 مايو 1930 والتضامن مع مصر الدفاع عن استقلالها ومع الجزائر في مقاومة الاستعمار والتنصير إذ في نفس الوقت الذي عرفت فيه الأقطار الإسلامية الثلاثة في المغرب العربي (المغرب- الجزائر- تونس) هجمة تنصيرية.
عرفت مصر كذلك أزمة بسبب نشاط المبشرين وقد دون الدكتور محمد حسنين هيكل صاحب كتاب «حياة محمد» هذه الأزمة في مذكراته في السياسة المصرية.
بعض أهداف ونقط الالتقاء
ويمكن تلخيص بعض أهداف و عمل هذه الحركات المتعاصرة في التأسيس والعمل في النقط التالية:
1 _ تحرير الأمة الإسلامية تحريرا كاملا.
2 _ صد هجمة التنصير والدفاع عن العقيدة أمام الاستشراق والتنصير.
3 _ إحياء اللغة العربية والدفاع عن مكانتها.
4 _ إحياء التضامن الإسلامي بين جميع الأقطار الإسلامية.
5 _ الدفاع عن فلسطين أرض النبوات والعرب والمسلمين.
6 _ تطهير العقائد مما ران عليها من الأوهام والخرافات.
7 _ مقاومة وكشف أدعياء المشيخة والتصوف الزائف.
8 _ استعمال نفس الوسائل والأدوات في العمل من أجل تحقيق هذه الأهداف.
وقد كانت الوفود من هذه الحركات يزور بعضها بعضا إذا توفرت الظروف والإمكانات وإلا فإن هناك من سخر إمكانياته ولو ضعيفة لربط هذه الصلات ونجد أن مجلة الفتح ومجلة الزهراء وجريدة الشورى والشهاب وأصحاب هذه الصحف والمجلات كانوا رهن الإشارة لتسهيل الاتصال ويأتي في مقدمة الجميع الأمير شكيب ارسلان دون أن ننسى دور محب الدين الخطيب صاحب مجلة الفتح ومحمد علي الطاهر صاحب جريدة الشورى، وغيرهم من الشخصيات والعاملين في الحقلين العربي والإسلامي وقد كانت مطبعة الإخوان المسلمين في خدمة قضايا الوطنيين المغاربة وهكذا نجد أن كثيرا من المطبوعات المغربية تطبع فيها وفي مقدمة ذلك مطالب الشعب المغربي التي طبعت في هذه المطبعة سنة 1353ه موافق 1934م.
كما كانت جريدة الشهاب الجزائرية التي أسسها عبد الحميد بن باديس منبرا لتوثيق العلاقة بين الحركة العلمية والوطنية في المغرب والجزائر فقد كان نشر إنتاج الشباب المغربي في مجلة الشهاب أمرا عاديا ومن بين أول ما نشر القصيدة المعروفة لعلال الفاسي:
ابعد مرور الخمس عشرة ألعب وألهو بلذات الحياة وأطرب
وقد أقام الإخوة في الجزائر حفل تحريم لهذا الشاب الشاعر النابغة في غيابه ونشر خبر هذا التكريم في الصحف آنذاك.
تحت ظل الرابطة الدينية
وقد كتب علال قصيدة بعنوان: تحت ظل الرابطة الدينية يرحب فيها بالشيخ عبد الحميد بن باديس عندما بلغه أنه سيزور المغرب ونشرت جريدة الشهاب في عدد 93 - 19 شوال 1345 ه موافق 21 ابريل1927 هذه القصيدة وقدمت لها بما يلي: »لازلنا نسمع من الأستاذ (عبد الحميد) كلمات الاشتياق إلى زيارة الديار المراكشية، وقد صح عزمه في هاته الأيام على السفر. وما ان بلغت أنباء أسفاره السادة المغاربة حتى جاءت عدة كتب في حثه وتنشيطه. وجاءتنا هذه القصيدة البليغة من شاعر فاس الكبير في الترحيب به وبرفيقه السيد أحمد أبي شمال قبل قدومهما«.
وتوجد القصيدة بالجزء الأول من الديوان ص: 118 ومطلعها:
التنسيق والمعاصرة لا يقتضيان التطابق في الأفكار والمواقف
وإذا كان هذا الحديث مخصصا للتذكير بالزعيم علال وبالشهيد حسن البنا فإنه من المناسب أن أذكر أن توافق التواريخ في التأسيس وفي العمل بين الرجلين وبين حركة الإخوان المسلمين والحركة الوطنية الاستقلالية ليس معناه التطابق في وجهات النظر أو في فهم النصوص وأعمالها فالاجتهاد في الفهم والإدراك هو مواهب واستعداد فطري وفي نفس الوقت بذل الجهد للاستفادة أكثر من المواهب ولذلك فإن الزعيم علال الفاسي له وجهات نظر واجتهادات مهمة في هذا المجال كما لغيره من إخوانه العاملين والعلماء اجتهادات وقناعات ولكن المبدأ الأساس هو لنتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، ولعل من المناسب الإشارة إلى قضية مهمة في هذا الباب وهو ما يتعلق بالتنظيم والتأطير داخل المجتمع فالمعروف عن حسن البنا رحمه الله وبعض قادة الرأي والفكر في العالم الإسلامي تجنبهم تأسيس الأحزاب بل القول أن التنظيم الحزبي غير جائز لأنه يترتب عنه الشقاق والتفرقة بين المسلمين وهو عكس ما يرى الزعيم علال الفاسي وفي هذا الصدد يقول:
- استنكر بعض المؤلفين المعاصرين اعتبار الحزبية في اختيار أهل الشورى بل ندد بوجود الأحزاب وتعددها في الوطن الواحد مستدلا بقوله تعالى: »إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء«
هذا أيضا من باب إطلاق الكلام على عواهنه، فالفرقة في الدين مذمومة قطعا ولكن الاختلاف في النظر والتحزب لبعض ضروب الحكم وأشكاله إذا لم يكن يخرج عن دائرة الدين، فلا محل لاعتباره من الفرقة المذمومة، فلم يزل المسلمون يكونون من المذاهب والجماعات الشيء الكثير، ولكل منهم شيع وأنصار ومع ذلك لم يعتبر أحد خلاقهم أو تشيعهم من الفرقة المذمومة، ثم ان أمور الحكم والسلطان لا تجري في الأرض إلا على مقتضيات العمران وسنن الاجتماع. فإذا لم تتبع فيها الوسائل المعتادة في كل عصر بعدت عن السياسة وكللت بالفشل. فالحزبية في هذا العصر هي العصبية التي كان يتحدث عنها الاجتماعيون المسلمون، والتي استند إليها أبو بكر في السقيفة في أوطيد دعامة الخلافة. نعم إذا وصلت إلى حد تضحية المصالح العامة في سبيل الأهواء الشخصية فإنها تعطي حكم الغاية منها.
والدولة منذ كانت لا تقوم إلا على عصبية للقائمين بها، أو لمن يستندون إليهم وهذه العصبية تارة تمثل الجنس أو القبيلة وهي التي مضى عليها الحال عند العرب وغيرهم وفي دول الشمال الإفريقي بصفة خاصة، وتارة تمثل التكتل حول مبدأ أو عقيدة وهي عصبية العصر الحاضر المتمثلة في الأحزاب السياسية، ولا يوجد في عصرنا اليوم دولة قامت على غير نظام تسنده حزبية ما. نعم هنالك الأنظمة التي تفرض الحزب الواحد وهنالك التي تبيح تعدد الأحزاب وتتخذ من ذلك الجهاز الاجتماعي الذي يحفظ كيان الدولة في المجتمع، لأن القوة وحدها لا تكفي لقبول الناس لون الحكم والنظام.
وبعد لقد حاولت في هذا الحديث وهو حديث ذو شجون أن أذكر ببعض الأمور بمناسبة ذكرى هذين الرجلين والذكرى باستمرار تقوي إيمان العاملين وتشد أزر المؤمنين لأنهم الذين ينتفعون بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.