مطالب الاتحاد المغربي للشغل    من احتلال الأرصفة إلى غزو الشوارع.. فوضى الملك العمومي تتوسع بطنجة    ندوة علمية حول موضوع العرائش والدفاع عن السيادة المغربية عبر التاريخ: نماذج ومحطات    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على نظيره الناميبي (8-1)    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    دونالد ترامب يزور الشرق الأوسط ما بين 13 و16 ماي المقبل    "‪الأحرار" يفوز بالانتخابات الجزئية بتزنيت    انطلاق جولة الحوار الاجتماعي    جلالة الملك يواسي أسرة المرحوم محسن جمال    الفلاحة المغربية تحظى بإشادة دولية.. ورغبة فرنسية في "تعاون مكثف"    صحيفة دانماركية تروي القصة الكاملة لسفن "ميرسك" المُحملة بالأسلحة لإسرائيل.. كيف مُنعت في إسبانيا واستُقبلت في طنجة    بنيس: الرواية أبرزت هوية الفلسطيني.. بلقزيز: المشروع الصهيوني همجي    تحلية مياه البحر في المغرب: رهان استراتيجي لمواجهة ندرة المياه وتأمين المستقبل المائي    الحسيمة تتربع على عرش قائمة المدن الأكثر غلاء في المعيشة وارتفاع الأسعار    لبؤات الفوتسال يحققن فوزا عريضا على ناميبيا في افتتاح المشوار بكأس أمم إفريقيا    جمعية سمايل تعزز التماسك الأسري عبر دورة تكوينية نوعية بفضاء جسر الأسرة بالناظور    توقيف تونسي مبحوث عنه دوليًا في قضايا سرقة وقتل وهروب من حكم ب30 سنة سجنا    بتعليمات ملكية سامية.. الفريق أول محمد بريظ يقوم بزيارة عمل لدولة قطر    الفاتيكان يكشف تفاصيل جنازة البابا فرنسيس    جامعة عبد المالك السعدي تشارك في الملتقى الإقليمي للتوجيه بالحسيمة    المغرب تطلق صفقة لتشييد محطة للغاز الطبيعي المسال بالناظور    السعدي يعلن إعداد قانون إطار للاقتصاد الاجتماعي والتضامني خلال الولاية الحالية    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    انهيار صخري جديد يعرقل حركة السير بالطريق الساحلية بين تطوان والحسيمة    الجولة 27 من الدوري الاحترافي الأول .. الوداد ينتظر هدية من السوالم وأندية الأسفل تمر إلى السرعة القصوى    أخبار الساحة    من تداعيات شد الحبل بينها وبين الوزارة الوصية .. جامعة كرة السلة توقف البطولة الوطنية بكل فئاتها بسبب العوز المالي    تكريم الدراسات الأمازيغية في شخص عبد الله بونفور    تأييد الحكم الابتدائي وتغليظ التهم رغم التنازلات في حق الرابور «طوطو»    الكرملين: بوتين لا يخطط لحضور جنازة البابا فرنسيس    الدولار يتراجع لأدنى مستوى في سنوات مقابل اليورو والفرنك السويسري    اعمارة يحث على "الإبقاء على حق الأفراد والمجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام"    بسبب تكريم باسم والدته.. نجل نعيمة سميح يهدد باللجوء إلى القضاء    من السماء إلى العالم .. المغرب يحلق بأحلامه نحو 2030 بمطار ثوري في قلب الدار البيضاء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    فوزي برهوم الناطق باسم حركة حماس ضيفا في المؤتمر 9 لحزب العدالة والتنمية    "أفريكوم" تؤكد مشاركة الجيش الإسرائيلي في مناورات الأسد الإفريقي    طلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة يطالبون وزير الصحة بالوفاء بالتزاماته ويستغربون تأخر تنفيذ الاتفاق    "البيجيدي": نخشى أن يتحول مشروع الغاز بالناظور لفرصة "استفادة شخصية" لأخنوش    إسرائيل تمنع تطعيمات شلل الأطفال عن غزة.. 600 ألف طفل في خطر    تفاصيل انعقاد المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالقنيطرة    عبد الكريم جويطي يكتب: أحمد اليبوري.. آخر العظماء الذين أنجزوا ما كان عليهم أن ينجزوه بحس أخلاقي رفيع    لجنة تسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر مؤقتا تُكرّم نساء ورجال الصحافة والإعلام بالمعرض الدولي للنشر والكتاب    باحثون: الحليب بدون دسم أفضل لمرضى الصداع النصفي    الصفريوي: لا مفاوضات ولا نية للاستثمار في شيفيلد وينزداي الإنجليزي    فان دايك: جماهير ليفربول ستتذكر أرنولد في حال قرر الرحيل    الصين وأندونيسيا يعقدان حوارهما المشترك الأول حول الدفاع والخارجية    معهد الدراسات الإستراتيجية يغوص في العلاقات المتينة بين المغرب والإمارات    مندوبية الصحة بتنغير تطمئن المواطنين بخصوص انتشار داء السل    المغرب يخلد الأسبوع العالمي للتلقيح    نحو سدس الأراضي الزراعية في العالم ملوثة بمعادن سامة (دراسة)    دراسة: تقنيات الاسترخاء تسمح بخفض ضغط الدم المرتفع    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرحلة والتعلمات بعيون بحثية علمية
نشر في هسبريس يوم 08 - 06 - 2023

أية رحلة وتعلمات بعيون بحثية علمية وتجارب وتبصر واستشرافات؟ وأية علاقة لهما بموارد تكوين وبيئة تأهيل وتأطير وأفق تمفصل رافع؟ وأي تذكير وتلاقح وتحليل وقراءات وإعادة تفكير وتشكيل لجدل رحلة وتعلمات في ضوء ما هناك من زخم فكر ونظر وتدفق وبيداغوجيات؟ وأية نماذج ومسارات ووقع رحلة على تعلمات؟ بعض فقط من مساحة أسئلة توزعت عليها محاور ندوة علمية وطنية ارتأت موضوع "الرحلة والتعلمات" في سياقه وإحالاته العلمية والمعرفية والبيداغوجية وتمثلاته.
ندوة نظمها فريق البحث في الديداتيك والعلوم واللغات، بتعاون مع مختبر البحث في المعارف التربوية والعلمية ومعالم الحضارة الإنسانية بفرع المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بتازة (27 ماي 2023)، أطرتها إسهامات باحثين بمراكز ومعاهد ومؤسسات تكوين وطنية، استهدفت دينامية بحث ودراسات ومقترح وتطوير وتصورات وتمفصلات، فضلا عن جدل داعم لشأن تربية وتكوين ومدرسة مغربية.
ندوة المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس مكناس هذه جاءت ضمن ما هناك من مواعيد علمية تروم من خلالها إدارة المركز الجهوي بناء تقاليد وثقافة انفتاح على ما هناك من طاقات بحثية وكفاءات، من أجل ما ينبغي من مقاربة وإغناء وتطارح فكري تربوي مهني وتجويد لسبل عمل وموارد وعُدة، وكذا ما ينبغي أيضا من دراسة وبحث وتجديد وتجريب.
ندوة تازة هذه التي أثثها برنامج بمحورين وجلستين علميتين "الرحلة وآفاق التفكير" ثم "الرحلة والمعرفة المتشظية"، استهلها الأستاذ عبد الرزاق مزواك (مدير فرع تازة باحث في علوم التربية) بكلمة افتتاحية استحضر فيها قيمة ما ينظم من ندوات علمية في علاقتها بمركز لتكوين الأطر التربوية، وكذا ما يمكن أن تضفيه هذه الندوات من دينامية وإشعاع، ومن ثمة من تراكم نصوص ومادة علمية مرجعية بقدر كبير من الأهمية لفائدة البحث، بما في ذلك الأبحاث ذات الطبيعة التدخلية التي يتم إعدادها من قبل المتدربين بالأسلاك والمسالك المتوفرة بالفرع الإقليمي بتازة، منوها بما يحتضنه هذا الأخير من مواعيد تربوية علمية، مشيرا الى أنه في مثل هذه الفترة الربيعية من السنة الماضية (شهر ماي)، نظم فرع المركز بتازة ندوة علمية توجهت بعنايتها لموضوع "التجويد والتعلمات"، وهو اليوم بصدد محطة أخرى ارتأت موضوعا جديرا بالتأمل والسؤال "الرحلة والتعلمات"، مستحضرا ما بذلته اللجنة العلمية والتنظيمية من جهد لتحقيق ندوة بتيمة غير مسبوقة وبرنامج ومادة علمية غنية وتعدد المتدخلين، منوها بما يوجد عليه فريق "البحث في الديداتيك والعلوم واللغات" و"مختبر البحث في المعارف التربوية والعلمية ومعالم الحضارة الانسانية" من تجديد تربوي ومقترح بحثي ودراسات وتوثيق وإصدارات تواصلية رفيعة، من قبيل مجلتي "جسور" و"الشلال" ذواتي الصدى الجهوي والوطني والدولي.
وضمن أثاث جلسة افتتاح ندوة الفرع الإقليمي للمركز الجهوي بتازة هذه، تحدث الأستاذ عبد السلام انويكًة، نيابة عن رئيس فريق البحث في الديداتيك والعلوم واللغات، بعد ترحيبه بضيوف الموعد وبالحضور، عن أهمية التلاقي والتواصل والإغناء التكويني عبر ما يعقد من ندوة هنا وهناك، وعن أهمية تلاقح تجارب أبحاث ودراسات من خلال الإنصات لِما هناك من مقاربات وما ينجز هنا وهناك إن وطنيا أو على مستوى المركز الجهوي فاس مكناس، معرجا في كلمته على ما تسهم به فرق البحث والمختبرات بالمركز المعتمدة من قبل وزارة التربية الوطنية، ومنها ما يطبع ويميز ويسهم به مختبر البحث في المعارف التربوية والعلمية ومعالم الحضارة الإنسانية من دينامية وحضور معبر منتظم، ومعه فرق البحث ذات الصلة من قبيل فريق "ديداكتيك اللغات وتقنيات التدريس والتواصل" و"البحث في الديداكتيك والعلوم والتاريخ" و"البحث في الديداكتيك والآداب والحضارة الإنسانية" ثم فريق "التجديد البيداغوجي وديداكتيك العلوم التجريبية"، مشيرا لما يروم فرع المركز الجهوي بتازة من تعميق الانفتاح على فعل البحث التربوي والدراسات والدارسين، مع ترسيخ تقليد علمي وطني محلي خلال ربيع كل سنة، في أفق ما ينبغي من انخراط وإسهام بحثي لإغناء شأن وقضايا وتطلعات المدرسة المغربية، ومن خلالها مجال التكوين والتأطير والتأهيل.
ندوة تازة "الرحلة والتعلمات"، التي استضافها فرع المركز الجهوي بتازة مؤخرا، توزعت أشغالها على جلستين علميتين. الأولى توجهت بعنايتها لمحور "الرحلة وآفاق التفكير"، أشرفت على تدبير فقراتها ونقاشها الأستاذة هدى بلمكي عن جامعة المولى اسماعيل بمكناس، وقد تضمنت مداخلة بقدر معبر من الأهمية للأستاذ عبد العزيز ربيع (باحث بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس)، بعنوان "littérature colonniale anthropologie ou racisme"، تساءل فيها حول موقع الأدب الاستعماري وهل هو أنثروبولوجيا أم عنصرية، مستهدفا فهم الآخر لهذا الجنس من الأدب، معرجا على أصول هذا الأدب في علاقته بما هو أنثروبولوجي، مستحضرا كيف اعتمد المؤلفون الاستعماريون المعرفة الأنثروبولوجية لوصف ثقافات السكان الأصليين، مشيرًا إلى عدم موثوقية مصادر انثروبولوجيا الحقبة الاستعمارية، متوقفا عند صور نمطية عنصرية متباينة تم نقلها عبر هذا الأدب، محللا ما اعتمده الأجانب المؤلفون الاستعماريون من قوالب نمطية سلبية من قبيل وحشية ودونية، مبينا كيف تم استغلال هذه التمثيلات لتبرير الهيمنة الاستعمارية، مسلطا الضوء على ما كان للنقد بعد الاستعمار من دور في تفكيك تصورات المستعمرين النمطية، مبينا كيف يعتبر البعض هذا الأدب شهادة على تاريخ استعماري ويرفضه آخرون بسبب تمثيلاته النمطية، منتهيا في مداخلته الى أن هذا الأدب بقدر ما هو شهادة زمن استعماري، بقدر ما يقتضي من نقد لتجنب إدامة تمثيلات نمطية وتبرير للهيمنة.
وعن كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة مولاي سليمان بني ملال، ناقش بدر قارة (أستاذ باحث في التيمات الفلسفية)، في مداخلة رفيعة بعنوان "المنفى والعزلة والترحال في فلسفة نيتشه"، ما هناك من مساحة رحلة وكتابة وتأملات بعيون نيتشه، مشيرا إلى أن ما حصل من إبعاد جغرافي وثقافي طال هذا الأخير الإنسان والمبدع، هو الذي مهد المسار لجملة إضافات أتت لاحقا، مبينا كيف وجد نتشيه نفسه منذ البداية مطالبا بملء فيض الحياة الذي ينقصه وتعويض حالة الإنكار التي يعيشها مرغما وبإرادته في الوقت ذاته، مضيفا في مداخلته أن صاحب كتاب "هكذا تكلم زرادشت" يعد مشّاء كبيرا مشى على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وأن في عام 1878 بدأت رحلة نيتشه مع المشي والتعلمات وكان يفكر ويؤلف الكتب ماشيا، وفي العام نفسه كتب "المسافر وظله"، وأعظم مؤلفاته ماشيا مترحلا راحلا.
وعن الرحلة بعيون تاريخية ضمن جانب من سياق علاقة المشرق العربي وبلاد الحجاز بالمغرب، تحدث الأستاذ سعيد لحسايني (باحث بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين) عن الرحلة الحجية المغربية ودورها التعليمي خلال الفترتين الحديثة والمعاصرة، مشيرا إلى بعض التجلي والعلائقي الثقافي الروحي وما شكله من فرص اللقاء والتواصل والتلاقح والآراء والأفكار وتبادل المعارف هنا وهناك بين المغرب والمشرق والمغاربة والمشارقة.
وحول الرحلة وتعدد الخطاب، بسط الحسن الحسناوي (باحث في اللغة العربية وآدابها بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس مكناس) مكانة الرحلة في مدونة العرب الأدبية. تلك التي تتنازعها خطابات عدة إلى درجة قال عنها إنها باتت جنسا بلا هوية ولا ملامح محددة، حيث تعددت أصوات ولغات وحوارات وتداخل ثنائيات من قبيل ما هو شفهي ومكتوب ومرسوم ومسند ومركزي وهامشي وحكاية وخطاب مؤسسة وخطاب متخيل...، مضيفا في مداخلته أن الرحلة باتت فضاء لتعايش تعبيرات عدة وتلاقحات، وأن ما تناول الموضوع من دراسات اقتصر على المضمون وليس على ما هو شكل وبناء أدبي له تميزه وخصوصيته.
وعن جلسة ندوة "الرحلة والتعلمات" الثانية في محور "الرحلة والمعرفة المتشظية"، التي أشرف على تدبير زمنها وفقراتها ونقاشها الأستاذ بدر بقارة، توجهت فايزة خروبي (باحثة في الأدب الفرنسي بالمدرسة العليا للأساتذة جامعة مولاي اسماعيل بمكناس) بعنايتها للرحلة وتعلم اللغة، من خلال مداخلة عميقة موسومة ب"le monde dans une classe de francais"، وقد تقاسمتها جملة نقاط وإشارات ودعامات رافعة بقدر كبير من الأهمية والقيمة المضافة كمادة علمية في ندوة تازة هذه، معتبرة في طرحها كون الرحلة تشكل وسيلة تعليمية فعالة، متسائلة حول كيفية مواجهة كتاب السفر بعيدًا عن تعلم اللغة، وما هناك من علاقة بمتعلم واختلاف من مكان لآخر وكذا من تعددية ثقافية، مستحضرة ضمن تساؤلات مداخلتها ما هناك من خصائص لغوية وخطابية وتعلمات في رواية الرحلات، وكيف يمكن أن يكون هذا النوع الأدبي أداة مناسبة لتعليم اللغة، وقد خلصت إلى أن قصة السفر والرحلات عموما مصدر تحفيز تعليمي تعلمي لغوي لا جدال فيه، على أساس ما تسمح به من تنمية مهارات إبداعية وثقافية وتواصلية لفائدة المتعلمين.
وكان ما هو رحلة وترفيه وتعلمات"recit viatique et la formation des jugements chez la personne etude de cas"، موضوع مداخلة رفيعة المستوى لسعيد لحبيلي (باحث في الأدب الفرنسي والديداكتيك بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس مكناس)، تناول فيها ما هناك من علاقة وثيقة بين الرحلة وعملية التعلم في عدد من تجلياتها وسياقاتها، مشيرا لِما هناك من منطلقات وتفاعلات وبداية ونهاية رحلة، ومن ثمة ما يحدث من تعلمات في علاقتها بذات متعلمة وزمن ومكان، مبينا كيف تتجدد التعلمات عبر الرحلة مع كل تجديد ومقاربة وأسلوب ودعامات وبيداغوجيا، مشيرا إلى أن كل كتاب وتأليف ومؤلف ودرس وطريقة عمل ووضعية ديداكتيكية وبيداغوجية هي بمثابة رحلة.
وقد جمعت مداخلة الأستاذ لحبيلي في تفاعلاتها مع حضور الندوة بين ما هو تربوي وتكويني وحاجات بيداغوجية وتجويد وتغيير وتطوير وإبداع في الفعل التعليمي التعلمي، وبين ما هو معرفة عالمة من خلال عالم الأدب الفرنسي ونهجه وأعلامه، فضلا عما استحضره من أمثلة ومساحات ذات صلة من قبيل "هوميروس" ورحلته المشهورة "الأوديسا"، و"فينيلون" ورحلته الشهيرة "أسفار تيليماك" بداية القرن السابع عشر، وكذا "جيل فيري" ورحلاته الشهيرة التي قال عنها الأستاذ لحبيلي إنها ذات أبعاد تربوية وعلمية عميقة.
وعما هو واقعي ورقمي وافتراضي في علاقة بسؤال الرحلة والتعلمات، ناقش عبد السلام انويكًة (باحث في التاريخ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس مكناس) ما هناك من مساحة جدل بيني تربوي تعليمي على المستوى المعرفي الوجداني والسلوكي، فضلا عن موقف وممارسة ومكتسب ومهارة وقدرة وكفاية رافعة لطاقة المتعلم الايجابية في الحياة، مشيرا في مداخلته إلى أن الرحلة والتعلمات هما معا بمثابة وضعية تعليمية تعلمية ومشروع صغير ضمن زمن ومكان وفعل وتفاعل محدد وإطار بيداغوجي وأهداف منشودة وكفايات، مستحضرا الرحلة والتعلمات في علاقتهما بالمدرسة والمتمدرسين من خلال ما هناك من أثاث تقليدي ورحلات حية واقعية وحاجة وتدبير واستمرارية، ومن افتراضي أيضا عبر ما ينبغي من إجراء بيداغوجي وسبل أنشطة ودعامات ومواكبة وإنصات والتفات لطبيعة موارد محيط جديدة، ثم من خلال فصل ووضعيات عبر رحلات رقمية بوعاء متدفق رافع لتعلمات، مشيرا في عرضه لِما هناك من تدفق تقني رقمي وأفق تعلمات عن بعد، وكذا لسبل مهارات الحياة وتدريب العقل على التفكير عبر ما ينبغي من شرط جاذب وتفاعل محفز.
وفي مداخلة قيمة بعنوان"la littérature de voyage et le parcours initiatique le cas de candide de voltaire"، تحدثت زهرة طنكول (باحثة في الأدب الفرنسي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس) عن مكانة الرحلة وموقعها في تاريخ العلوم الإنسانية، مشيرة إلى أن الرحلة لفترة طويلة كانت مصدرا وحيدا للتفكير في الإنسان وإنسانية الإنسان ولمعرفة ما يحدث هنا وهناك بين أمكنة وأزمنة، فضلا عما ميز هذه الرحلة من جاذبية وسراب وغربة وتذوق ومغامرات حية، وهو ما كان وراء ظهور ما سمي بأدب الرحلة، من خلا رسائل ومذكرات وكلمات ومخططات ودراسات وخرافات وغيرها، مشيرة لما تضمنته الرحلات من تفاصيل تعليمية عبر ما تنفتح عليه وتسمح به من ولادة مكتسبات تشكلها لحظات وجسور ممتدة بين العالم والإنسان، ومن ثمة المتعلم؛ هكذا تؤدي الكتابة ومن خلالها الرحلة إلى إيجاد مسافات بين المرء والآخر، وهكذا تتحول قصة هذه الأخيرة إلى اكتشاف الذات والآخر، مشيرة في مداخلتها لما طبع كتاب رحلات القرن الثامن عشر من سفر شخصي ومقاصد أدبية وتعلمات.
وغير خاف عن الباحثين والدارسين والفاعلين التربويين عموما، ما حصل منذ تسعينات القرن الماضي من تغيرات عدة متداخلة، وما كان لتكنولوجيا الاتصال والرقميات من أثر معبر في إعادة موضعة تدبير وموارد ونُظم مجالات عدة من حقل التربية والتكوين، ومن ثمة الرحلة والتعلمات، لا شك أنها ستكون على وقع وأفق هندسات جديدة قادمة. وعليه، سؤال كل باحث ومهتم حول ما هناك من تعلمات في خضم زمن رقمي وذكاء اصطناعي وتدفقات، فضلا عن سؤال مستقبل الرحلة والتعلمات على إيقاع بيئات وبنيات وخبرات وشبكات جديدة ومجتمعات. ناهيك عما بات من حديث عن واقع تقني رقمي وتغيرات وبيانات ضخمة وبناء افتراضي ومنصات تعلم. من أجل هذا وذاك من السؤال والتفاعل والإنصات والالتفات، جاءت ندوة تازة "الرحلة والتعلمات أية تصورات وتمفصلات"، في أفق بحث ودراسة وتجريب وفعل وإجراء وتفعيل لمعطيات في زمن البرمجيات والتطبيقات، وفي أفق أيضا ما ينبغي من رحلة تفكير نقدي وحل المشكلات ورحلة بناء التعلمات.
هذا ما يقتضي شأن التربية والتكوين والمدرسة المغربية من حيث ما هو إعداد وتوجه وتبصر واستشراف، عبر ما ينبغي من ثقافة مقترح ومبادرة وإجراء وبحث ودراسة، فضلا عن إعادة نظر وتجديد في أمر مفاهيم وأدوار وأفكار ورؤى وتطلعات. من هنا ما طبع ندوة تازة هذه من أسئلة وبرنامج ومحاور ومداخلات ومؤطرين باحثين تربويين، ومن هنا أيضا ما أجمعت عليه ندوة تازة من أهمية وقيمة حول تعليم التفكير وتدريب العقل على التفكير عبر الرحلة في بعدها الرمزي من أجل أجوبة شافية ومتعلم منفتح ومهارات حياتية وخبرات وقيم وعلاقات. فالتربية والتكوين، ومن ثمة المدرسة، لم تعد تقاس بمعيار كَمِّي زمن الرقميات، بل باتت مهمتها تقتضي توجيه عنايتها ورحلة تعلماتها لمهارات وقيم الحياة وعيا بأن ترسيخ قيم إنسانية الإنسان من حرية ونقد وتفكير وتعبير وحوار وتعاون وتسامح وتعايش عبر التربية والتكوين والمدرسة، من شأنه إعداد جيل رافع مستوعب لتطلعات قادر على حل مشكلات.
وغير خاف أن من رحم حاضر واقع التربية التكوين، ومن ثمة المدرسة في بعدها وامتدادها العام من الابتدائي حتى العالي، يولد المستقبل وتولد التطلعات. وعليه، ما ينبغي من ديمومة دراسات ومراجعة عبر كل تجريب وتجديد ودمج وبادرة، وما ينبغي أيضا من حاجة لجعل المدرسة المغربية فضاء ومختبرا ومنتدى ومحترفا أكثر دينامية وحوار وجدل ورحلة وتعلمات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.