نشرت العديد من مواقع الإنترنت خلاصة دراسة سويدية حديثة، تؤكد أن الشباب الذين يتناولون السمك مرة على الأقل في الأسبوع، يكون ذكاؤهم ونموهم العقلي أفضل من أقرانهم. وتبقى خلاصات هذه الدراسة جديرة بالتأمل، وتدفع المرء إلى مساءلة مستوى الذكاء والنمو العقلي لدى طلاب وشباب مدارسنا وجامعاتنا. ويدفعنا إلى التساؤل حول إمكانية استفادة هؤلاء الطلاب من ثرواتنا السمكية؟، حتى يتسنى لهم رفع مستويات ذكاءهم، وبالتالي تطوير منظومتنا التعليمية، وتأهيلها لتكون في مستوى تطلعات الشعب المغربي. فرغم أن المغرب حباه الله بمئات الكيلومترات من السواحل المحيطية والبحرية (أكبر من طول سواحل الولاياتالمتحدةالأمريكية)، وما تختزنه هذه الأخيرة من ثروات سمكية ضخمة ومتنوعة، فإن عملات بيع هذه الثروات لليابانيين والأوربيين، تذهب إلى جيوب قلة قليلة من "المغاربة" المحظوظين، الذين يتمتعون هم وأبناؤهم وزوجاتهم برخص الصيد في أعالي البحار. ونفس هذه الفئة تترفع وتتأفف عن إرسال أبناءها إلى المدارس والجامعات المغربية العمومية، وتستعيض عن ذلك، بإرسالهم إلى مدارس البعثات الأجنبية، والجامعات الأوربية وجامعات أمريكا الشمالية، وبعض من هؤلاء كانوا وزراء ومسؤولين عن قطاع التربية والتكوين، وعن اختلالاته. "" إن التساؤل السابق يحيلنا على أزمة عميقة تعيشها المنظومة التربوية ببلادنا، أزمة ليس المسؤول عنها طبعا، النقصان الحاد في استهلاك السمك بين شبابنا في المدارس والجامعات، بل هي نتاج سلسلة متواصلة من القرارات السياسية والتربوية السيئة، المتخذة في حقل التعليم والتربية منذ الاستقلال إلى يومنا، قرارات يغلب عليها طابع الارتجالية، وينقصها الأفق الإستراتيجي. فالمتتبع المتفحص لسياسات الدولة المغربية في هذا القطاع، لن يجد أدنى صعوبة في الوقوف على عوراته واختلالاته المتعددة، والتي تخترقه أفقيا وعموديا. فالأزمة لم تستثني أي مستوى من مستويات منظومتنا التربوية إلا مسته. وإذا كان الأمر كذلك، فإن المقام لا يسمح بتناول جميع هذه الإختلالات. وسنكتفي بجانب واحد نحسبه الأجدر بالتأمل والدراسة من بين جميع الجوانب الأخرى؛ ويتعلق الأمر بقطاع البحث العلمي. فضعف الاهتمام بالبحث العلمي ينعكس سلبيا وبشكل تلقائي على باقي الجوانب, والعكس بالعكس؛ فكلما أعطيت له الأهمية التي يستحقها في قرارات بلد من البلدان، كلما انعكس ذلك على الجوانب الأخرى إيجابا. ويعتبر أيضا مقياس و"تيرمومتر" دقيق يعتمده المهتمين للحكم سلبا أو إيجابا على سياسات البلدان في التعامل مع قطاع التعليم، وللحكم على جودة هذا القطاع وإنتاجيته. وفي المغرب، فرغم أن هناك دائما "وعي" بأهمية البحث العلمي لدى الحكومات المعاقبة منذ الاستقلال، فإن ذلك ظل يعوم فيما هو نظري، ولم يتجاوزه إلى مستوى التطبيق ووضع الإستراتيجيات العملية؛ فكثيرا ما دغدغ الوزراء والمسؤولين عن قطاع البحث العلمي في بلادنا عواطفنا، ورددوا على مسامعنا عبارات، تمجد دور البحث العلمي للخروج من حالة التخلف والتبعية، والتطلع إلى الرقي والنهوض، واعتباره أساسا صلبا للتطور والتنمية. ومع ذلك فقد ظل البحث العلمي بعيدا عن الأولويات، وظل شعارا براقا يظهر في فترات ويختفي في أخرى. وظل يطاردنا السؤال: هل نمتلك حقيقة إستراتيجية واضحة للنهوض بقطاع البحث العلمي؟. وشأن كثير من دول العالم المسمى بالسائر في طريق النمو، فقد ظل البحث العلمي في المغرب يعاني من عقبات كثيرة تحول دون تحقيق الكثير من الشعارات المرفوعة في مجال التربية والتكوين في بلادنا: 1. غياب إستراتيجية واضحة في مجال البحث العملي؛ فالبحث العلمي في بلدنا غالبا ما يعتمد على الجهود الفردية للغيورين، في وقت أصبحت فيه الحاجة ماسة إلى العمل ضمن مراكز ومؤسسات مختصة ومتفرغة، ومسنودة من طرف الدولة بإمكانيات مادية، وباستراتيجيات واضحة. أما استمرار هذه الوضعية فإنه يستنزف الثروات البشرية للبلد، عبر هجرة الأدمغة والكفاءات العلمية خارج أرض الوطن، والتي يغريها ما تعرضه الدول الغربية من تحفيزات مجزية، خاصة بالنسبة للمتفوقين في بعض التخصصات الدقيقة. 2. النقص في تمويل البحوث العلمية، فالميزانية المخصصة للبحث العلمي في المغرب لا تتجاوز مبدئيا، وفي أحسن الأحوال، 8,0% من الناتج الداخلي الخام(حوالي 7% في أمريكا). 3. تعذر الوصول إلى المصادر العلمية، فمكتبات الكليات أتى عليها حين من الدهر، لم تتجدد فيها مسايرة للتطورات التي يعرفها مجال البحث العلمي في العالم، حتى تحولت المعرفة التي تحتويها إلى معرفة أحفورية لا تسمن ولا تغني من جوع، أما المكتبة الوطنية للمملكة، فحالتها لا تختلف كثيرا عن حالات مكتبات الكليات. 4. كما أن معظم البحوث التي تنجز في الجامعات المغربية يكون هدفها غالبا تسوية مشاكل الترقيات العلمية، وتحسين الأوضاع الاجتماعية، وما يزال كثير من موضوعاتها بعيدا عن الحاجة العلمية الحقيقية، وبعيدا عن تحقيق الفائدة الاجتماعية؛ فآفاق البحث العلمي في بلدنا ما تزال تعاني من ضعف ارتباطها ببرامج التنمية، والكثير من الأبحاث لا تعرف طريقها إلى دور النشر، بل تظل حبيسة ثلاجات مكتبات الكليات. وفي سبيل الختم يحسن بنا، أن نطلع على مختلف التصنيفات العالمية للجامعات في العالم حتى نقف على حجمنا الحقيقي في مجال البحث العلمي، ونقارن جامعاتنا، ليس بالجامعات العريقة في أمريكا وأوربا، ولكن بجامعات دول تنتمي إلى نفس مستوى وحجم بلدنا في إفريقيا. فحسب تصنيف ويبوميتريك ((WEBOMETRICS ،كأحدث تصنيف، لشهر يناير لعام 2009 الخاص بجامعات العالم، فقد جاءت جامعة القاضي عياض كأول جامعة مغربية في الصف 3412 عالميا، متقدمة بذلك في سلم ترتيب الجامعات ب549 رتبة، عوض الرتبة 3961 التي كانت تحتلها شهر يوليوز 2008، وذلك بعد أن حصلت على شهادة الجودة إيزو 9001 صيغة 2000، كأول جامعة مغربية تنخرط بنجاح في نظام الجودة هذا. وبهذه الرتبة تكون جامعة القاضي عياض قد احتلت المرتبة 17 إفريقيا و21 عربيا،(إحدى جامعات كينيا احتلت المرتبة 12 إفريقيا) متقدمة على جميع الجامعات المغربية بما فيها جامعة الأخوين، التي سبق أن أطلق عليها هارفارد افريقا، والتي تقهقرت إلى الصف 29 إفريقيا و36 عربيا (4571 عالميا). [email protected]