غريبة هي أجواء العيش بين ظهراني هذا البلد، الذي قُدر على الملايين من أبناء طبقاته السٌفلى، العيش في غرفة الانتظار التي تحولت بعامل طول الوقت إلى أشبه ما تكون بغرفة الإنعاش، يترقبون في طوابير طويلة يعمٌها اليأس وتملؤها الحيرة، الفرصة التي قد تأتي أو لا تأتي، يُجددون فُسحات الأمل على مدار الساعة آلاف المرات دفعة واحدة، فتحولوا من فرط قوة تكرار التجديد إياه، إلى ما يشبه الوحدات الصناعية التي تنتج مادة "الأمل"، داخل غرفة الإنعاش، التي تحولت هي الأخرى إلى معمل كبير يُصدر مادة "الصبر"، إلى كل الدراويش عبر تراب المملكة. "" في الجناح الآخر من هذا البلد الأمين، تجد زمرة من أبناء "الذوات"، ينعمون في الكثير من الفُرص "الذهبية منها والفضية"، ملايين المرات دون عناء، بل ودونما حاجة لولوجهم قاعات الانتظار كالآخرين. ويُمكن القول إن تلك الزمرة تتربص الفُرصَ خارج هذه الغرف، مما يجعل القابعين في قاعات الانتظار لا يلوون على شيء منها، لأن أغلبها يتم قنصُهُ خارج دوائر القاعات. وآخر مثل يمكن الاستدلال به في هذا الباب، الفرصة الذهبية التي اقتنصها "عبد المجيد الفاسي" النجل الأصغر لوزيرنا الأول "عباس الفاسي" خارج دائرة الانتظار، حيث تمكن هذا البطل المغوار وهو في سن الرابعة والعشرين، من الظفر براتب شهري يقدر حسب أرقام عملتنا المتواضعة ب 24 ألف درهم، علما انه لا زال في حالة تدريب، مما يعني أن معاليه يمارس فعل التدريب فقط، بقيمة مالية توازي أجر موظف جماعي خلال سنة، أي ما يعادل رواتب اثنى عشر موظفا جماعيا في الشهر الواحد. الغريب في العملية برُمتها أن كبار القوم ممن يتربعون على مراكز صُنع القرار بالمملكة المغربية، وفي مُقدمتهم السيد الوزير الأول" عباس الفاسي"، يرتكبون تحت يافطة "أذن من طين وأخرى من عجين" الغريبَ من الأشياء، فبالرغم من المصائب التي ارتكبها هذا الوزير المُدلل داخل صفوف "حزب الاستقلال"، في حق فئات واسعة من أبناء الطبقات السفلى من ساكنة هذه المملكة، على امتداد تحمله حقائب وزارية بالحكومات المغربية المتعاقبة، وبالرغم أيضا من سيل الانتقادات التي وجهها له أغلب المغاربة جراء الكوارث والعواقب التي مستهم من وراء تلك الإنزلاقات، إلا أن صاحبنا ما زال مُسترسلا في ابتكار أشكال جديدة من الحماقات، وارتكاب المزيد من التجاوزات التي يعتبرها من جانبه امتيازات، مما يعني أنه لا يولي أية أهمية للاحتجاجات الشعبية التي تعقب كلا من حماقاته في حق العامة، بدليل أنه يواصل دربها دون حياء أو خجل. الغريب أيضا، أن تجد بعض الأقلام أو الحناجر المأجورة التي تدور في فلك الوزير إياه، تُقيم الدنيا ولا تقعدها كلما ارتفع صوت يجهر بحقيقة "عباس"، أو كلما برزت سيرة هذا الأخير على سطح النقاش، فتجدها تُدافع عن الباطل بالباطل، إرضاء لولي نعمتها، وتُجابه الاحتجاج أو الانتقاد أيضا بكل ما تملك من "قصوحية لوجه"، وغالبا ما تلجأ إلى استعمال التهديد والوعيد، كوسيلة للدفاع عن "كبيرها" في غياب البراهين والحجج الدامغة لإقناع المُنتقدين أو المُحتجين. مما يعني أن الفلك الذي يسبح فيه "عباس" يُشجعه على الاستمرار في الخطيئة، بل ويُحفزه في الكثير من الحالات على احتقار الفئات السفلى من أبناء العهد الجديد، والدليل أن القائمين على إدارة "دار لبريهي" تعاملوا مع نجل "عباس"، المُتدرب حاليا داخل أقسام شركتها "الوطنية" بنوع من التمييز، مُعتمدة في ذلك على أرقى أدوات "التفضيل"، كما أنها تُهيّئهُ لشغل منصب مدير القناة "الإخبارية" المُزمع إحداثها بدلا من قناة " المغربية "، وقد خصصت له تعويضا سمينا من ميزانيتها التي تخصم من حساب دافعي الضرائب، ومتعته أيضا بسيارة رباعية الدفع تحمل علامة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، علما أنه لا يواظب على الحضور كباقي العاملين الذين يتقاضون أجورا هزيلة للغاية، فقط يتردد من حين إلى آخر على بناية الشركة. ما تقدم يُؤكد بجلاء مُستوى انخفاض درجات الديمقراطية في نفوس القائمين على إدارة الشأن العام بهذه المملكة، مما انعكس سلبا على مُستويات الاحترام الواجبة لهذا الشعب، كما يُؤشر من جهة أخرى على ارتفاع مراتب "الديمُحرامية" على سلم الزبونية والمحسوبية والولاءات المصلحية والمنافع الشخصية الضيقة، التي تُؤلف وتُوطد العلاقات بين ذوي النفوذ والسلطة في هذا البلد الذي يدعي كباره أنه واحة للديمقراطية وحقوق الإنسان. *صحافي بأسبوعية "المشعل"