إلى الآن الضجة كلها تثار حول دعارة المغربيات في دول الخليج العربي وفي كل مرة تتحدث الأنباء عن تفكيك شبكات متخصصة في تهجير الآلاف منهن للعمل في النوادي والمراقص..في إسبانيا الأمور أكبر بكثير مما نتصور.. الآلاف من المغربيات، وضمنهن قاصرات، هن سلعة رائجة في سوق النخاسة، يؤثثن الملاهي ودور الدعارة وقصور أثرياء الخليج وبارونات المخدرات..الملف يحاول ملامسة حقيقة دعارة المغربيات في الجنوب الإسباني من خلال تحقيق في شبكة للتهجير تتخذ من "مالقا" مركزا لجلب الفتيات المغربيات وبحث في مسالك وطرق استقطاب الآلاف منهن.. "" 90 في المائة من عاهرات إسبانيا من المهاجرات! رقم من بين أرقام تصدر بين الفينة والأخرى عن مؤسسات مهتمة بموضوع المهاجرين في إسبانيا. وهو رقم يثير تساؤلات لدى الكثير من المتخصصين في مجال الدفاع عن حقوق النساء بإسبانيا خاصة المهاجرات منهن بمبرر أنه رقم مبالغ فيه. لكن الاختلاف حول صدقية الرقم من عدمها يبدو نقاشا عقيما لأن الواقع في إسبانيا أكبر من مجرد أرقام ، فأعداد العاهرات في تزايد مستمر، والمغربيات يشكلن رقما مهما في المعادلة إلى جانب عاهرات أوربا الشرقية وروسيا ودول أمريكا اللاتينية، والسؤال الأساسي الذي يبحث له عن إجابة هو: كم عدد العاهرات المغربيات في هذا البلد؟ وهل الأمر يتعلق، فقط، باختيار تقدم عليه مهاجرات من أجل كسب العيش في انتظار تسوية وضعية الإقامة؟ أم أن الأمر أكبر من ذلك، ويخضع لشبكات تتاجر في اللحوم البشرية تنتشر عبر مدن الشمال المغربي، ولها ارتباطات في كل من سبتة ومليلية ومدن الجنوب الإسباني؟ شبكات محكمة التنظيم تتصيد فتيات مرشحات لأن يتحولن إلى عاهرات في ملاهي وحانات المدن الإسبانية، دون أن تستثني القاصرات اللواتي يرتفع الطلب عليهن من طرف الزبناء الأجانب وأثرياء الخليج، الذين يدفعون للوسطاء آلاف الأوروات للظفر بعذراوات مغربيات يؤثثن ليالي حمراء في القصور والإقامات المنتشرة على طول "كوسطا ديل صول". موضوع دعارة المغربيات في إسبانيا موضوع شائك والبحث في خباياه يشبه البحث عن إبرة في كومة قش، والمعطيات المتوفرة على قلتها تفيد أن ظروف العيش في الغربة قادت الآلاف من المغربيات إلى الاشتغال في مجال الدعارة بإسبانيا، بعدما تحولت أحلامهن بالعيش الرغيد والقطع مع حياة البؤس في المغرب إلى كوابيس تطاردهم، وأضحى بيع أجسادهن للقوادين وسماسرة الجنس والباحثين عن اللذة العابرة السبيل الوحيد لسد الرمق، بعيدا عن الأهل الذين ينتظرون نهاية كل سنة عودة بناتهم محملات بالهدايا والثياب الفاخرة والسيارات دون أن يعرفوا أصلها وكيف تم تحصيلها.. التحقيق التالي يحاول الغوص في عوالم دعارة مغربيات في بعض مدن الجنوب الإسباني وتحديدا في "مالقا" و"ماربيا" و"بين المدينة" و"طوريمولينوس" حيث توجد عشرات الملاهي والحانات التي تستقبل فتيات مغربيات من مختلف الأعمار، وفيه غوص في شبكة مغربية - إسبانية تنشط في مجال تهجير الفتيات وتتخذ، مثل غيرها من الشبكات، من تطوان ومارتيل والمضيق والفنيدق وطنجة وأصيلا والناظور وباقي مدن الشمال محطات استقطاب، كما تتخذ من سبتة ومليلية السليبتين محطات عبور إلى "الفردوس" الإسباني، وفيه أيضا بورتريهات لبعض العاهرات في مالقا يشتغلن لحساب أشهر قوادة في المدينة وكيف تستغل ظروف إقامتهن من أجل ممارسة الدعارة وجلب مزيد من الفتيات إلى عالم العهارة.. دعارة وعيون متربصة.. مرتيل ليلا..ليلة كباقي ليالي الشتاء الباردة، سيارتنا تجوب شوارع المدينة الخالية من المارة بحثا عن أي شيء قد يفيد في موضوعنا، حركة خفيفة تدب بين الفينة والأخرى في محيط عدد من الحانات التي تستقبل زبناء بعد أن تلفظ آخرين، وبعض الفتيات يتجولن بملابس مثيرة توحي أنهم من طينة خاصة..المدينة معروفة لدى عموم سكان المناطق الشمالية بأنها ملاذ المئات من العاهرات من مختلف المدن المغربية، لأنها تستفيد من قربها من الحدود المغربية الإسبانية، وتستفيد من تمركز المافيات التي تشتغل بكل حرية تحت أنظار، بل وحماية، مسؤولين في الأمن والقضاء. هنا في هذه المدينة، الهادئة شتاء والصاخبة صيفا، كل شيء متاح لمن يملك المال، الحشيش والمخدرات الصلبة وبائعات الهوى، حتى القاصرات منهن والمتعلمات، وليس غريبا أن تؤكد دراسة إسبانية أشرف عليها "أنطونيو مارتين" أستاذ علم الاجتماع بجامعة غرناطة بأن أكثر من 22 في المائة من المتعاطيات للدعارة بمرتيل هن من القاصرات، و16 في المائة ما زلن يحتفظن ببكارتهن، وهن، حسب الدراسة ذاتها، إما طالبات أو تلميذات يمارسن الجنس بطرق شاذة مقابل مبلغ مالي يتراوح ما بين 100 و200 درهم. الدراسة ذاتها تؤكد أن أغلب التلميذات القاصرات المتعاطيات للدعارة السريعة يكتفين، تفاديا للفت الانتباه إليهن، ببطاقات تعبئة الهاتف المحمول أو مبالغ لاقتناء السجائر أو حتى بعض مستحضرات التجميل أو دعوات للأكل.. هنا تنشط شبكات عديدة في استقطاب فتيات راغبات في الهجرة إلى أوربا، كما هو الحال في تطوان، والمضيق والفنيدق، عشرات العيون تترصد طيلة اليوم والليلة فتيات في عمر الزهور لإغرائهن بالعيش الرغيد والحصول على أوراق الإقامة.. وفاء واحدة من هؤلاء، لم تسلم أيضا من إغراءات الوسطاء، هي الآن مضطرة، حسب ما حكته في جلسة بأحد الحانات المعروفة بالمدينة، إلى ممارسة البغاء من أجل تسديد مصاريف الكراء والأكل وإعانة الأسرة في نواحي مكناس، تقول إنها استقرت قبل أشهر معدودة في مرتيل قادمة إليها من طنجة حيث تعرضت أيضا للنصب من طرف أحد السماسرة الذي وعدها بالهجرة إلى إسبانيا دون طائل. تقول الفتاة التي لم تتجاوز ربيعها التاسع عشر "بمجرد ما وطأت قدماي المدينة بدأت تترصدني أعين وسطاء التهجير، وكل واحد يكرر على مسامعي أسطوانة أنني سأجد الجنة هناك، وسيضمنون اشتغالي في "مالقا" أو "ماربيا" في أحسن الملاهي بدل الوضعية التي عليها أنا هنا، حيث أتعرض لمضايقات الزبناء واعتداءاتهم، لكني، تضيف وفاء، أرفض كل مرة عروضهم المغرية بتهجيري، وأفضل أن أشتغل في عمل شريف أتمكن به من انتشال نفسي من وضعي الحقير، لكن لو استمر وضعي السيئ قد أجد نفسي ممتطية قاربا للموت أو متسللة عبر الحدود مع سبتة لألتحق بصديقات لي، تمكن الوسطاء من إقناعهن وهن الآن في المراحل الأخيرة لتسوية وضعيتهن".. وفاء، واحدة من عشرات الفتيات في عمر الزهور اللواتي رمتهن الأقدار في مرتيل، وامتهن الدعارة في انتظار من ينتشلهن من الوضع المخزي الذي يعشن فيه، هي مقتنعة أن ما تفعله سيئ، لكنها مقتنعة أكثر ألا حل أمامها للعيش إن لم تمنح الغرباء لحظات نشوة عابرة مقابل بعض الدراهم أو حتى مقابل وجبة أكل تسد بها رمقها ولو إلى حين. تقول إن مرتيل تحولت إلى قبلة للمئات من مثيلاتها القادمات من الدارالبيضاءوسلاومكناسوفاسومراكش وبني ملال وباقي ربوع المملكة، يكترين شققا مفروشة تكاثرت مثل الفطر في السنوات الأخيرة أصحابها غالبا من تجار المخدرات الذين يعمدون إلى تبييض أموالهم في العقار والمقاهي والمحطات السياحية. ليست مرتيل وحدها المعروفة بانتشار دور مخصصة للدعارة، بل الأمر نفسه ينطبق على المضيق والفنيدق باعتبارهما الأقرب إلى الحدود الإسبانية حيث ينتعش حلم الكثيرات للهجرة، وتنتعش معه حركة الشبكات المتخصصة في تهجير الفتيات.. الليل ما يزال طويلا ووجهتنا التالية كانت المضيق، المدينة التي تشتهر بأنها مدينة الملك المفضلة، ما شفع لها أن تنال حصة مهمة من التلميع، هنا وعلى طول الشريط الساحلي، تنتشر الإقامات والفيلات والمركبات السياحية مثلما تنتشر دوريات الشرطة في المدارات وبين الأزقة المتفرعة تتصيد السكارى والمهربين ومروجي المخدرات لتحصيل الإتاوات.. في هذه المدينة الصغيرة، وعلى غرار مرتيل، تنتشر الشقق المفروشة والفنادق المخصصة للدعارة، الكل هنا على علم بهاته الفنادق الخارجة عن أي تصنيف، والأدهى أن أغلبها يزاوج بين عدد من الأنشطة المحظورة تحت أعين السلطات الأمنية ولكل تغاض ثمنه، هنا أيضا صادفنا عاهرات مرشحات محتملات للهجرة إلى إسبانيا، تقول نوال، وتعمل نادلة في مقهى تابع لفندق في مدخل المدينة متخصص في تقديم الشيشة للزبناء على مدار الساعة، إنها تعمل نادلة هنا تحت إمرة صاحب الفندق وتزاوج بين مهمة تقديم الطلبات وتوفير الراحة الجنسية للزبناء، مثلها مثل عدد من الفتيات اللواتي ينتظرن أي زبون يصعد الدرج إلى إحدى غرف الفندق ليقضي وطره مقابل مبالغ يقتسمنها مع صاحب الفندق. لتضيف: "أعمل بمبلغ 1500 درهم في الشهر وصاحب الفندق يتكفل بإقامتي ومأكلي، وأنا أعتبر عملي هنا مؤقتا لأني قدمت من سلا على أمل أن أهاجر إلى إسبانيا للعمل، وأنتظر فقط فرصة لتنتشلني من هذا الوضع". نوال هي أيضا صادفت خلال مقامها في المضيق أشخاصا أغروها بتمكينها من الهجرة إلى إسبانيا بشرط أن تشتغل في أحد الملاهي، تقول، "غير ما مرة جاءت إلي سيدة تعمل في مدينة سبتة، واقترحت علي أن تتكفل بهجرتي إلى "مالقا" وقالت لي: "ماغادي يخصك حتى خير"، لكني كنت دائما أتردد في القبول بسبب ما أسمعه من بعض صديقاتي اللواتي يحكين أن المشغلين يستغلون الفتيات ويذقهن أصناف التعذيب ويرغمنهن على ممارسة الدعارة مع الأجانب، خاصة كبار السن من أجل تسديد المبالغ التي صرفت عليهن للهجرة والإقامة والأكل". فتيات مثل وفاء ونوال كثيرات في مرتيل والمضيق والفنيدق، وشبكات التهجير والدعارة التي ترصد حركاتهن وسكناتهن، تمتد أذرعها إلى مدينة سبتة ومدن الجنوب الإسباني حيث يوجد أفراد آخرون ضمنهم إسبان ومغاربة مهمتهم تزوير الوثائق والتأشيرات وعقود العمل للمرشحات للهجرة وتوفير السيولة اللازمة لتغطية مصاريف الاستقطاب..والغاية واحدة: تزويد سوق الدعارة الإسبانية بالفتيات المغربيات ومنافسة شبكات أخرى خاصة الروسية والرومانية والأمريكولاتينية التي بدأت تكسب حصصا مهمة في سوق تتسع كل يوم.. الطريق إلى "مالقا" نحن الآن في ميناء الجزيرة الخضراء، شرعت ومرافقي حسن في نفض دوار البحر عن رأسينا، وأعدنا ترتيب الأفكار بحثا عن مزيد من المعطيات في طريقنا إلى "مالقا".. الطريق الساحلية التي سلكنا أفضل بكثير من طرق سيارة تستنزف جيوب مستعمليها بالمغرب، أما الطريق السيار، الذي يمتد على طول التراب الإسباني، فقد لا تسعف محدودية أفق وزير تجهيزنا ليحلم أن يصير للمغاربة مثله. قبل مغادرتنا ميناء مدينة سبتة كان لزاما أن نحمل معنا أرقام هواتف زودنا بها بعض العارفين بخبايا شبكات تهجير الفتيات من المغرب، ضمنها رقم شخص يدعى عزيز أكد لنا أنه الأصلح ليقودنا إلى مبتغانا. ركَّبنا رقم عزيز، الذي ضرب لنا موعدا في أهم شوارع "مالقا" التي وصلناها مع مغيب الشمس، هنا عالم آخر لا علاقة له بما يجري في المغرب، اللهم إلا قليل من تركة أزمنة غابرة كان فيها المسلمون يحكمون الأندلس، قبل أن يُطردوا منها وهم يجرون أذيال الخيبة. لم يدم بحثنا كثيرا عن مكان لقائنا بعزيز وهو شاب في الثلاثينات من عمره، يعيش في "مالقا" منذ قرابة عشر سنوات اشتغل في كل شيء بدءا بالبناء إلى الفلاحة مرورا بالبستنة ووصولا إلى تهريب الحشيش من معبر سبتة عبر وسيطات يمررنه وسط أحشائهن مقابل عشرة آلاف درهم للكيلوغرام الواحد. لم نحتج كثيرا من الشرح لمرافقنا، وبسرعة فهم مرادنا وأشار إلينا أن نسلك أزقة وطرقات متشابهة تؤدي رأسا إلى المنطقة الصناعية ل"مالقا" هنا يسمونها "بوليغونو" وتضم كل الشركات والمصانع بالمدينة، كما تضم عددا من الملاهي المتخصصة في تقديم الخدمات الجنسية الراقية. في الطريق إلى هناك وجدنا عشرات العاهرات مصطفات على جنبات الطريق وكثير منهن أشعلن النار وتحلقن حولها لطرد البرد الذي يجمد الأجزاء العارية من أجسادهن، هن هنا من جنسيات مختلفة، فيهن الرومانيات وهن الأكثرية، وفيهن البرازيليات والأرجنتينيات والإفريقيات و..فيهن أيضا مغربيات تفضحهن ألوان بشرتهن كما تفضحهن إسبانيتهن الركيكة رغم محاولات التمويه. "تتعمد المغربيات إخفاء جنسياتهن، يقول عزيز، لأسباب كثيرة منها الخوف من المصادفات غير السارة التي قد تقود أحد المغاربة إلى هناك، وأيضا بسبب السمعة السيئة التي تلاحق المغربيات دائما، لأنهن مثيرات للمشاكل مع الباحثين عن اللذة، على عكس العاهرات الأخريات، لهذا تكون الفتيات المغربيات مضطرات دوما إلى ادعاء الانتماء إلى دول أخرى خاصة إلى بعض الدول الأمريكولاتينية من أجل الظفر بالزبناء". المكان أشبه بمعرض في الهواء الطلق للأجساد البشرية العارية، وكل عاهرة تتفنن في إبداء مفاتنها أمام السيارات التي تذرع الطريق جيئة وذهابا بحثا عن الأفضل والأجمل بينهن. ما يوحد كل هؤلاء العاهرات هو ثمن الممارسة الجنسية، 20 أورو للممارسة السريعة، ويكفي أن توقف سيارتك حتى تعلن العاهرة الثمن مسبوقة بكلمة "تشوبا" وتعني في قاموسهن الممارسة عن طريق الفم. هنا لا مجال إلا للممارسة الجنسية السريعة في السيارة، ليس خوفا من دوريات الشرطة، لكن لأن للوقت قيمته في مثل هذه الحالات، والشاطرة منهن من تصطاد أكبر عدد من الزبناء. يقول مرافقي إن العاهرات يخترن هذا المكان القصي، لأنه بعيد عن صخب المدينة، ولأنه يعرف حركية زائدة بفضل وجود عد كبير من سائقي الشاحنات العاملين بالشركات المنتشرة في المنطقة الصناعية، ويضيف أن الفتيات الموجودات هنا، وضمنهن المغربيات، هن غالبا فتيات من الدرجة الثانية أو الثالثة من الجمال، لا حظّ لهن في ولوج الملاهي الراقية ل "مالقا" والمدن القريبة، ومنهن بعض اللواتي طردهن مسيرو الحانات والملاهي بسبب إثارتهن المشاكل مع الزبناء، وفيهن أيضا اللواتي لم يسوّين بعد وضعيتهن ولم يحصلن على وثائق الإقامة. المحطة التالية في جولتنا كانت ملهى "سكاندالو" أشهر ملاهي "مالقا" على الإطلاق. هو نتاج شراكة بين أثرياء إسبان ورجال أعمال روس، ملهى راق متخصص في تقديم الخدمات الجنسية في غرف خاصة، البوابة يحرسها "فيدورات" مختارون بعناية فائقة تحسبا لأي إزعاج غير مرغوب فيه، ولجنا الملهى مع منتصف الليل تحت نظرات الحراس التي تتفحص تقاسيم وجوهنا ونوعية ملابسنا، وكاميرات المراقبة لا تفلت أي صغيرة، الملهى الممتد على مساحة شاسعة مكتظ عن آخره بفتيات في عمر الزهور، أغلبهن رومانيات والبقية من الأرجنتين أو البرازيل، لا مكان هنا للمغربيات، بقرار اتخذته إدارة الملهى قبل أشهر لأسباب تعتقد أنها وجيهة، والكلام هنا لعزيز الذي سبق له أن التقى مغربيات في هذا المكان قبل أشهر، لكن الآن لم يعد مرغوبا فيهن، وأضحت الحظوة للرومانيات، المستفيدات من انضمام رومانيا إلى السوق الأوربية المشتركة، والسبب محاولات العاهرات المغربيات المستمرة الظفر بأزواج من بين الزبناء، أو على الأقل، الالتقاء بهم خارج الملهى ما يفقد مسيريه أرباحا مهمة. هنا الأسعار أعلى بكثير من جنبات الطريق المؤدية إلى "بوليغونو"، وسرعان ما تبدأ الفتيات في ممارسة لعبة الإغواء من أجل الظفر بالوافدين الجدد، 80 أورو لعشرين دقيقة والثمن قابل للنقاش دون أن يقل عن 60 أورو للمدة الزمنية نفسها. ليس مسموحا لأي كان أن يلتقط صورا في هذا المكان المثير للغرائز، والسبب الضجة التي أثارها ربورتاج مصور بأسلوب الكاميرا الخفية بثته قبل أشهر قناة "كنال سور" الإسبانية، وعرضت فيه مشاهد من داخل الملهى للعاهرات أثار ردود فعل واسعة لدى الرأي العام وصل صداها إلى مجلس المدينة وقاعة البرلمان، كل هذا كان كافيا ليمنع مسؤولوه أي تصوير من أي نوع، ولهذا كنا نتلقى تحذيرات متكررة من مرافقنا عزيز بسبب بعض الصور التي التقطناها خلسة بواسطة الهاتف المحمول، إذ كان يحذرنا من عنف "الفيدورات" وبرودة زنازين مخفر الشرطة وغرامات المحاكم الإسبانية التي تنتظرنا.. "دولسي فَيتا" أو الحياة العذبة! اكتفينا بما غنمناه من أزقة "بوليغونو" وملاهيها، وسرعان ما ركبنا السيارة رجوعا إلى وسط المدينة..عقارب الساعة تقترب من الواحدة صباحا، ومرافقنا عزيز، الذي لعبت الكأس وبعض لفافات الحشيش برأسه، يحثنا على الإسراع لبلوغ محطتنا التالية. وجدنا المدينة شبه نائمة، إلا من بعض السكارى والشاذين جنسيا ودوريات الشرطة.. وصلنا إلى ملهى "دولسي فَيتا" الذي فتح أبوابه قبل ثلاث ساعات فقط كما تحدده قوانين المدينة، المكان معروف جدا في "مالقا"، ولا يمكن لأي أحد تسأله أن يخطئه، دخلنا الملهى –الحانة التي تشبه كثيرا الحانات المغربية، طاولات خشبية، وكراسٍ عالية وموسيقى الراي تصدح في المكان، هدوء يلف المكان إلا من قهقهات تتعالى بين الفينة والأخرى من بعض الفتيات المنتظرات لزبون مستعد لدفع ثمن كأس أو متشوق للحظة متعة سريعة.. لم تدم غربتنا في المكان طويلا، فالكل هنا يرحب بعزيز وبمرافقيه ممن يحملون معهم "ريحة لبلاد"، التحقت بنا إيمان ثم سارة، وهذه هي الأسماء التي أخبرتانا بهما.. تحدثنا في كل شيء عن الغربة ولبلاد، عن المعاناة والحنين إلى الأهل والأبناء، كما استمعنا لحكايات كل واحدة منهن والأسباب التي دفعتهن إلى ممارسة الدعارة في إسبانيا، دون أن نكشف لهن مهمتنا وحقيقة هدف وجودنا في هذا المكان. كل الفتيات اللواتي جالسنهن في الملهى مقتنعات أن ما يفعلنه ليس صوابا، وكل واحدة تجتهد في إيجاد مسوغات وتبريرات مقنعة لممارسة الدعارة في ملهى "دولسي فَيتا". تقول سارة الفتاة الطنجاوية "إنها وجدت نفسها مضطرة لممارسة الدعارة في عدد من المدن الإسبانية، لأنها لم تجد طيلة أيام طويلة ما تسد به رمقها بعدما تخلى عنها زوجها وتعددت مغامراته الفاشلة التي ما تزال تؤدي ثمنها من لحمها وسمعتها"، وتضيف أنها لم تستطع رفض أول فرصة أتيحت لها كي تنهي حياة القهر التي خبرتها طيلة 5 سنوات لم تكن تتوفر فيها على أوراق الإقامة، ولهذا وجدت في إيمان التي استقدمتها إلى ملهى الباطرونة نادية خير مساند في وقت الشدة. "هذه هي وضعية المئات من المغربيات في هذه المدينة، تقول سارة، وجدن أنفسهن ممتهنات للدعارة بوساطة قوادات مثل نادية، وغيرها كثير منتشرات في المدن الإسبانية حتى في أقصى البلد، في مدريد وفَالنسيا وبرشلونة..هنا على الأقل نضمن سقفا يؤوينا وأكلا يليق بإنسانيتنا، لتختم وهي تغالب دموعا تزاحمت في مقلتيها: "الله يعفو علينا من هاذ الحالة وصافي".. الملهى الذي يقدم الخدمات الجنسية للزبناء في غرفتين ملحقتين بقاعة المشروبات هو لصاحبته نادية، الفاسية ذات الخامسة والأربعين من عمرها، هي هنا منذ 14 سنة، حسب ما ذكرته في حديث خاطف لم تشأ أن تطيله درءا لأي مفاجآت. وحسب تصريحات إيمان إحدى عاهراتها المتمرسات، فالملهى استقطب منذ افتتاحه قرابة 500 فتاة مغربية على مدار سنوات، لتضيف بصوت خفيض بعدما لعبت بعض الكؤوس برأسها، نادية هي الآمرة الناهية هنا، وهي من يدير شبكة لجلب الفتيات المغربيات خاصة التائهات واللواتي يعشن ظروفا صعبة في "مالقا" والمدن القريبة منها، بل لديها امتدادات في عدد من مدن الشمال المغربي، وتضم عددا من المغاربة والإسبان وكل واحد لديه مهمة محددة، فهناك المكلفون بالاستقطاب، والمكلفون بتزوير الوثائق والتأشيرات وعقود العمل، وفيهم المكلفون بالهجرة غير الشرعية، وأيضا المكلفون بتلقين بعض الفتيات دروسا تفيد في تبريد "سخونية الراس". إيمان ذات ست وعشرين سنة، تقول إن نادية تحصل نصف مبلغ كل عملية جنسية تقوم بها العاهرات، والمبلغ لا يقل عن 60 أورو لعشرين دقيقة، والشاطرة منا من تستخلص مبالغ إضافية من الزبناء الذين يكونون غالبا من الإسبان أو بعض السياح العرب، وطوبا لمن غنمت زوجا ينتشلها من وضعيتها هاته". نادية الفاسية أشهر من نار على علم في "مالقا"، وهي حقيقة صادفناها خلال جولة سريعة في أهم شوارع المدينة، إذ أكدت أكثر من واحدة التقيناها أن نادية "خنْزات لمدينة" بسبب سمعتها السيئة التي تسبقها في كل مكان، والكلام هنا لفاطمة إحدى المهاجرات المغربيات من حي يعقوب المنصور بالرباط، تقول "ولينا كنحشمو نقولو حنا مغربيات والسبب السمعة السيئة التي ألصقتها بنا نادية وأمثالها ممن يتفنن في بيع اللحم المغربي بأرخص الأثمان ولمن يدفع أكثر". لتضيف، "تصوروا أن نادية مشهورة في المدينة بكونها تدير شبكة للدعارة انطلاقا من ملهاها في حي "غرانادوس" وهي معروفة بتوفير القاصرات والعذراوات للخليجيين والإسبان بأثمان مرتفعة قد تصل إلى 1500 أورو للفتاة، وتستغل ظروف المهاجرات لتحقيق الأرباح الخيالية، خاصة في الصيف، حين يكثر الطلب على العذراوات المغربيات في مدن الجنوب الإسباني خاصة "ماربيا" و"بين المدينة" حيث تنتشر فيلات وقصور الخليجيين وبارونات المخدرات المغاربة والإسبان". "بوليغونو" مرة أخرى.. الأحد منتصف النهار، علامات التعب بادية على وجوهنا من أثر ليلة صاخبة قضيناها متنقلين بين ملاهي وحانات "مالقا". نحن الآن في المنطقة الصناعية مرة أخرى، الأفواج الأولى للعاهرات بدأت تأخذ مكانها بين الأشجار وبوابات المعامل المقفلة يتصيدن زبناء جددا، نحن هنا لإتمام مهمة بدأناها بالأمس، وهذه المرة من أجل التقاط صور سريعة لبعض العاهرات المغربيات، حديث سريع، ومساومات وصور خاطفة تليها عبارات السب والتهديد بلغة إسبانية من أفواه العاهرات، الخبر ينتشر بسرعة البرق بينهن، "صحافيون يلتقطون صورا" وجدنا بعدها صعوبة في تصوير العاهرات، والأقل شراسة وعنفا منهن أدرن ظهرهن لآلة التصوير، سارعنا بترك المنطقة الصناعية وأخذنا طريق العودة إلى ميناء الجزيرة الخضراء مرورا بعدد من المدن الساحلية التي تشهد صولات العاهرات المغربيات حيث يسجلن حضورا متميزا ويؤثثن مجالس الأشقاء العرب. هنا في ماربيا و"طوريمولينوس" و"بين المدينة" استمعنا لحكايات كثيرة عن البكارة المغربية المطلوبة بشدة، وتأكدنا أيضا مما أخبرتنا به إيمان في الليلة التي سبقت، إذ أصرت على تأكيد أن الفرق شاسع بين حميمية عاهرة مغربية وحميمية عاهرة من رومانيا أو الأرجنتين، ولهذا يدفع الخليجيون آلاف الأوروات لمن يستطيع توفير العشرات منهن في ليلة واحدة"! وفاء.. مشروع عاهرة في إسبانيا! وفاء 19 سنة، متحدرة من نواحي مكناس، درست إلى حدود السنة الأولى من التعليم الإعدادي، تقول عن نفسها "خرجت في سن صغيرة للعمل في البيوت لدى أسر ميسورة، كنت أشتغل بنصف الثمن لدى عائلة في القنيطرة لمدة سنتين، والمائتا درهم التي كنت أحصلها في الشهر كانت تذهب مباشرة إلى جيب والدي، رغم أن المبلغ لم يكن ينفع أسرتي في شيء، قبل أن أدرك أن الاشتغال بهكذا سومة لن تزيد وضعي إلا تأزما، وهنا قررت الانتقال إلى مكناس للاشتغال في منزل عائلة أخرى لكن هذه المرة بمبلغ 400 درهم وللأسف ذقت لدى تلك العائلة مختلف صنوف التعذيب والإهانة و"التكرفيس" إلى درجة كرهت معها الحياة". هذا الوضع، تضيف وفاء "استمر مدة سنة، قبل أن أقرر الخروج للبحث عن عمل في بعض مقاهي المدينة، وهنا بدأت مأساتي الحقيقية حيث تعرضت في إحدى المساءات إلى الاغتصاب من طرف سائق سيارة أجرة صغيرة بالقرب من معمل الاسمنت، وكان عمري حينها لا يتجاوز 17 سنة، ولشدة خوفي من ردة فعل أسرتي ومحيطي لم أخبر أحدا بالأمر، وفضلت أن أكتمه في صدري وكم مرة فكرت في أن أضع حدا لحياتي لكني كنت في كل مرة أتراجع". "أصيلا كانت وجهتي بعد تعرضي للاغتصاب، وهناك اكتشفت عوالم أخرى الغلبة فيها للأقوى، ولا مكان لفتاة تريد صون عرضها أو الاحتفاظ بشرفها من التلطيخ، هنا تعرفت على شاب اقترح علي أن يهجرني إلى إسبانيا مقابل مبلغ 4 ملايين سنتيم، وكان يغريني بأنني سأجد الجنة هناك، وكثيرا ما كان يردد على مسامعي عبارة "خاصك تدبري على راسك هناك" بمعنى أن أشتغل في أي شيء لأضمن العيش حتى لو تعلق الأمر باحتراف الدعارة التي تدر على ممتهناتها مبالغ مالية مهمة، لم أستطع تدبر المبلغ ووجدتني مرة أخرى ضحية، وهذه المرة ألحقت عنوة بشبكة للدعارة في المدينة تتزعمها قوادة تدعى مليكة تملك فندق "بيبلو"، كنت أتقاضى مائة درهم عن كل زبون تستولي الباطرونة على نصفها، والغريب أن القوادة معروفة في المدينة بل إنها تستفيد من تستر عناصر الأمن الذين تخصص لهم مبالغ مالية من أجل حمايتها وغض الطرف عن نشاطها، والأدهى من ذلك أنها تستقدم فتيات قاصرات في عمر بين 14 و17 سنة وترغمهن مثلما فعلت معي على ممارسة الدعارة، وحينما ترفض إحدانا يكون مصيرها الشارع والطرد والاعتداء من طرف معاونيها". "قضيت شهرين في أصيلا، تضيف وفاء وهي تغالب دموعها، قبل أن تطردني مليكة واستقليت الحافلة إلى طنجة، وهناك تواصلت معاناتي مع سماسرة الجنس والنصابين طيلة 5 أشهر، وكنت ألتقي كثيرا من الأشخاص الذين يعدونني بتهجيري إلى إسبانيا من أجل العمل في ملاهي وحانات مقابل مبالغ مالية. عمر شاب طنجاوي يقطن بمغوغة وعمره 27 سنة كان واحدا من هؤلاء، واستطاع أن ينصب علي ويسلبني مبلغ نصف مليون سنتيم من أصل 5 ملايين طلبها لتزويجي من إسباني لكن لم أنل سوى اعتداء من طرف بعض مرافقيه في الحي بعدما طالبت باسترداد نقودي.." "أنا الآن في مارتيل، تقول وفاء لا أحد هنا من أصحاب المعامل أو المقاهي يريد تشغيلي، لأنني أضعت بطاقتي الوطنية ويرفض القائد مدي بالوثائق اللازمة لتجديدها، لهذا أجد نفسي مجبرة على ممارسة الدعارة لتغطية مصاريف كراء الشقة بألف درهم ومصاريف عيشي، وأنتظر في كل يوم فرصة لانتشالي من وضع أُكرهت على العيش فيه ومجبرة أيضا على التعامل مع إغراءات كثيرة من بعض الأشخاص الذين يحاولون تهجيري للعمل في الدعارة بإسبانيا، وللأسف تضيف "قد أجدني مضطرة لممارسة الدعارة هناك في حال سدت جميع أبواب الأمل في وجهي، وأسلك الطريق نفسه الذي سلكته صديقتي ورفيقة سكني فاطمة ابنة قلعة السراغنة التي رُحّلت بعد سنتين قضتها في الجنوب الإسباني متنقلة بين شبكات الدعارة التي كانت تستغل حداثة سنها إذ لم تكن حينها تتجاوز 15 سنة، واستطاعت الحريك إلى اسبانيا رفقة صديقها المغربي الذي لم يتوان في التخلي عنها بعدما اغتصبها، وهي الآن حامل في شهرها الثاني من رجل إسباني وتنتظر أي فرصة للعودة رفقته إلى إسبانيا".. سارة.. أؤدي ثمن مغامرات زوجي الفاشلة من لحمي.. سارة، أو هكذا اختارت أن تعرف نفسها مخافة كشف هويتها من طرف عائلتها المقيمة بمنطقة بني مكَادة بطنجة، تقيم بإسبانيا منذ 6 سنوات، وتمكنت من الحصول على وثائق الإقامة قبل 5 سنوات قضتها في التنقل بين المدن الإسبانية وممارسة الدعارة لضمان العيش بعدما تخلى عنها الجميع. تحكي سارة بوجه طفولي لا يوحي بأن صاحبته أم لطفلين أنجبتهما من زواج فاشل من رجل كان يقيم بفرنسا، (تحكي) كيف وجدت نفسها تمتهن الدعارة في ملهى- حانة "دولسي فَيتا" إلى جانب فتيات مغربيات أخريات تحت إمرة الباطرونا نادية، تقول إنها خبرت طيلة حياتها القصيرة وهي ابنة الخامسة والعشرين مآسي كثيرة بدءا من زواجها مكرهة في سن السادسة عشرة من رجل لم تكن تحبه، وكيف كان يرفض أي نقاش في موضوع التحاقها به إلى أرض المهجر، وإصراره على انتظار زياراته المتقطعة في المغرب، ووصولا إلى الهجرة سرا إلى إسبانيا واضطرارها إلى ممارسة الدعارة لتغطية مصاريف العيش في الغربة. تقول سارة "وضعت زوجي السابق أمام الأمر الواقع حين هاجرت بطريقة غير شرعية عبر باخرة تربط بين ميناء طنجة وميناء الجزيرة الخضراء، حيث دفعت مبلغ 6 ملايين سنتيم لضابط في الجمارك تكفل بتمريري من ممرات خاصة بالموظفين دون أن أثير الشبهات، علما أنني لم أكن أحمل معي أي وثائق، وحينما وصلت إلى إسبانيا اتصلت بزوجي واكتشفت أنه فقد كل ما يملك بسبب إدمانه ومغامراته الجنسية التي كانت تقوده في بعض الأحيان من فرنسا إلى مراكش ليقضي نهايات الأسبوع منتشيا، لكن مع ذلك فضلت أن أقف إلى جانبه واقترضت من بعض معارفي على أمل أن نبدأ بمشروع جديد أصر أن نقيمه في المغرب، لكن بمجرد وصوله إلى المغرب عاد إلى حكاياته السابقة وصرف كل الملايين التي وضعتها رهن تصرفه في الملاهي، ليكون قراري بالانفصال عنه آخر حل وأستسلم في الأخير لإغراءات شبكات الدعارة المنتشرة في المدن الإسبانية والوسطاء المغاربة والإسبان والذين يتصيدون كل مهاجرة غير شرعية، وإذاك شرعت في ممارسة الدعارة مكرهة لأسدد المبالغ التي اقترضتها وأتمكن من العيش في مالقا التي وصلتها قبل أسابيع قليلة قادمة إليها من برشلونة حيث كنت أشتغل في ملهى آخر أمارس الدعارة مع الإسبان، مثلما تفعل المئات من المغربيات اللواتي قادتهن الظروف إلى مثل هذا العمل". إيمان.. باطرونة تحت التدريب هنا في ملهى- حانة "دولسي فَيتا" تمارس إيمان ذات الستة والعشرين سنة مهمة اصطياد الزبناء، مثلما تمارس طيلة اليوم مهمة استقطاب فتيات جديدات للعمل في الملهى تحت إمرة نادية، إيمان فتاة من مدينة فاس تعيش في إسبانيا منذ سنوات، قضت معظمها متنقلة بين ملاهي الجنوب الإسباني في كل من مالقا وطوريمولينوس ومربيا، هي حاصلة أيضا على أوراق الإقامة منذ 6 سنوات، ومثل الكثير من المغربيات اللواتي شَغَلهن حلم الهجرة إلى إسبانيا اختارت أن تهاجر بشكل غير شرعي بتأشيرة مزورة دفعت مقابلها 40 ألف درهم لأحد السماسرة، هي هنا بعيدة عن ابنها الذي تركته في حضن العائلة، وهو نتاج زواج فاشل مثل زميلتها سارة، لكن هذه المرة من رجل اسباني قضت معه 6 سنوات لم يكتب لعلاقتها الاستمرار بسبب رفضه الاعتراف بأبوة طفلها. في أول عهدها بالدعارة كانت إيمان، حسب ما تحكيه، ترافق الرجال الكبار خاصة من الإسبانيين الراغبين في لحظات متعة خاطفة في شوارع مالقا بعيدا عن أعين المارة، وخلال هذه المدة كانت "تكافح" من أجل ضمان مصروف يومها وتوفير مبالغ ترسلها إلى والديها في فاس لتعينهم على تربية ابنها. لإيمان علاقة خاصة مع نادية صاحبة الحانة، إذ تكلفها بمهمة تتبع خطوات فتيات تائهات أو "مقطع بهن الحبل" في شوارع إسبانيا وتحريضهن على الدعارة، من خلال إغرائهن بضمان المساعدة على الإقامة والعيش والحصول على وثائق الإقامة الشرعية بعد ثلاث سنوات كما يحددها القانون الإسباني الخاص بالهجرة، وتنال عن كل صيد ثمين حصة من المال ووضعا خاصا مقارنة مع مثيلاتها ممن يؤثثن فضاء الحانة كل ليلة. نادية.. خريجة الجامعة صارت أشهر قوادة في مالقا "أنا هنا منذ أربع عشرة سنة، لم أجن سوى الهم وغدر الكثيرات ممن أحسنت إليهن".. هكذا تحدثت نادية التي سارت شوارع مالقا بذكرها باعتبارها أشهر قوادة في المدينة، ومتزعمة واحدة من أهم شبكات "تجنيد" الفتيات المغربيات لممارسة الدعارة، والتي تستطيع حتى توفير القاصرات والمحتفظات ببكارتهن لمن يدفع أكثر، خاصة لزبنائها من الخليجيين إذ تجني عن كل "بكارة" مبلغا قد يصل إلى 1500 أورو . وعلى عكس فتيات يشتغلن معها في الملهى واللواتي شرعن في الحديث مع أول كأس دفع المتحدث إليهن ثمنها، لم يكن سهلا استمالة نادية لتتحدث عن حياتها، وطيلة الجلسة ظلت حذرة من أن تتسرب من فمها كلمات تدل على أنها تمارس القوادة وتتزعم شبكة مغربية- إسبانية لتهجير الفتيات وإدخالهن عالم البغاء من أبوابه الواسعة، لكن اللعب على وتر الخيانة ومقابلة الإحسان بالإساءة كان كفيلا بإخراج المرأة، التي قارب عمرها 45 سنة من صمتها، وتحفيز لسانها السليط على سرد بعض تفاصيل حياتها. تقول نادية التي غزا الشيب مساحات كثيرة من رأسها، وهي تطل من تحت نظارتها وكأنها تتفحص وجوه الحاضرين بحثا عن شيء خاص، إنها استقرت في إسبانيا قبل 14 سنة، وتقلبت في عدد من المهن قبل أن تستقر في آخر المطاف في إدارة حانة وملهى متخصص في تقديم خدمات جنسية للزبناء مقابل مبالغ تتحدد حسب سوق الجنس في المدينة، دون أن تقل عن 60 أورو لعشرين دقيقة كحد أدنى يكون نصيب العاهرة خمسين في المائة منها زيادة على ما يجود به الزبون. تتذكر نادية بكثير من الحسرة السنوات التي قضتها وسط عائلة ميسورة الحال في فاس، وكيف كانت تحظى بعطف زائد حد "الفشوش" من طرف الأبوين، وهي التي تربت تربية الأجانب وتابعت دراستها في مدارس البعثة الفرنسية، وتتذكر أيضا سنوات الجامعة بكلية ظهر المهراز حيث نالت نصيبها، مثل المئات من الطلاب، من هراوات قوات التدخل السريع و"الأواكس" قبل أن تتخرج بإجازة في الآداب الفرنسية وكثير من الأمل في غد مشرق ولم لا خارج التراب المغربي حيث الفرص تنتظر من يقتنصها. "لم أتردد كثيرا، تقول نادية، في حزم حقائبي في أول فرصة سنحت لي لمعانقة الحلم الأوربي، لكن هيهات بين الأحلام والواقع، ندمت كثيرا على اختياري الهجرة، ولو قدر لي العودة إلى الوراء لفكرت أكثر من مرة قبل أن آتي إلى إسبانيا"، لتضيف: "لم يعد في هذا البلد ما يغري، وللأسف فالكثير من الفتيات اللواتي أحسنت إليهن قابلن صنيعي بجحود كبير وأنتم ترون حالي أعيش وحيدة مع ابنتي من زواج فاشل، رغم أنني كنت سببا في إنقاذ المئات منهن وساعدتهن على الإقامة وتدبر أحوالهن والحصول على أوراق الإقامة، بل كنت سببا في زواج كثير منهن من بعض الأجانب وحتى السياح العرب، لكن أنتم ترون حال من يهب قلبه وماله لمساعدة الآخرين"! *هذا التحقيق نُشر بمجلة " الصباح" الشهرية