من جديد، تعود شبكات تهجير الفتيات المغربيات لممارسة الدعارة في بلدان الخليج، عبر نقاط مختلفة من أقطار العالم العربي، إلى الواجهة مع اكتشاف شبكة جديدة بالدارالبيضاء، وجهتها هذه المرة لبنان. وحسب مصادر مختلفة، فإن الأمر يتعلق بشبكة تقودها امرأة في الخمسينات من العمر بتواطؤ مع شقيقتها وابنة أختها المقيمة بدولة بالإمارات برفقة زوجها، الذي يحمل جنسية هذا البلد. أولى خيوط القضية بدأت عندما وطأت أقدام 26 فتاة باب مطار محمد الخامس الدولي بالدارالبيضاء، في شكل «قافلة» تتلون بأزياء لافتة. كان مظهر الفتيات، وهن يتثاقلن بأكعابهن العالية ملفتا للانتباه، مما حدا بشرطة المطار إلى إيقافهن ومطالعة جوازات سفرهن، التي تحمل جلها مهنة «فنانة»، فاقتيد الجميع إلى مقر ولاية أمن الدارالبيضاء للتحقيق في موضوع هجرة كل هؤلاء «الفنانات» جملة واحدة. نفس القصة تتكرر بتفاصيل مختلفة تتطابق أحيانا...الشرطة توقف فتيات يشتبه في هجرتهن لممارسة الدعارة في دول الخليج... وبين توقيف وآخر تعبر مئات أخريات للالتحاق بملاهي دمشق وبيروت وعمان، ومنها إلى بلاد الحلم العربي دبي، قبل أن تنتهي الرحلة في فنادق البحرين الرخيصة، كآخر محطة من محطات رحلة فتيات المغرب إلى عالم البغاء. «أزيد من 22 ألف فتاة يعملن في مجال الدعارة بالملاهي الليلية بالأردن»، يقول شاهد الحديد، نقيب الفنانين بالأردن. ويضيف الحديد في تصريح ل«المساء»، أن «الغالبية العظمى من هؤلاء الفتيات هن مغربيات»، مشيرا إلى أن الأمر يتفاقم بشكل كبير في لبنان وسوريا. قبل حوالي سنة ونصف، أصدرت مديرية الشؤون القنصلية والاجتماعية بوزارة الشؤون الخارجية بالمغرب تقريرا أشار إلى أن «شبكات تهجير الفتيات المغربيات إلى سوريا بدأت تأخذ أبعادا خطيرة». تقرير الخارجية المغربية الذي صدر عقب توقيف عدة شبكات لتهجير الفتيات إلى سوريا، وصف طريقة عمل هذه الشبكات ب«مافيات المخدرات»، مشددا على أن الأمر يتطلب تدخلا استعجاليا، خاصة وأن هذا العمل يدخل ضمن إطار سياسة استقطاب السياح وخاصة منهم الخليجيين. التقرير الذي شن هجوما لاذعا على نقابة الفنانين ومصلحة الجوازات السورية، لم يشر بأي أصبع اتهام إلى أي جهاز وطني، وخاصة الجهات التي تسهل عبور هؤلاء الفتيات إلى الضفة الأخرى من دون أدنى مشكلة. وعلى الرغم من اعتراف الكثير من الفتيات، وأفراد بعض الشبكات الذين تم اعتقالهم، بتورط عناصر من أمن المطارات ومصالح الجوازات، التي «تمتع» فتيات المغرب بصفة «فنانة» بسهولة، فإنه لا أحد دخل على خط المحاسبة . ومن جملة المعلومات التي قدمها تقرير الخارجية المغربية، أنه في العاصمة السورية وحدها بلغ عدد ما يسمى «الفنانات» المغربيات 2000 مواطنة مغربية، إضافة إلى اللواتي يشتغلن في المراقص الليلية بمختلف المحافظات السورية. وقد بعثت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون بعد ذلك رسالة إلى المدير العام للأمن الوطني تطالبه بفتح تحقيق حول شبكة تهجير فتيات مغربيات إلى سوريا، وذلك بعد أن تقدمت إحدى الفتيات إلى سفارة المغرب بدمشق تطالب بضرورة التدخل من أجل حمايتها من إحدى شبكات الدعارة التي حاولت استغلالها والنصب عليها، ومؤكدة أنها وبدون سابق إنذار وجدت نفسها في شقة بالعاصمة السورية بين ما يقارب 50 فتاة. وكشفت الرسالة أن الفتيات يتم جلبهن مقابل منحهن ما بين 2500 و7500 درهم. وأفاد التقرير بأن الفتيات المغربيات بعد مغادرتهن لمطار دمشق، يدخلن في نفق مغلق تبتدئ أطواره بالتسجيل في نقابة الفنانين بعد إجراء فحوصات وتحاليل طبية، لتأتي مرحلة النوادي الليلية، وبعد التوقيع على عقود يتم اقتياد الفتيات إلى فنادق إيواء «الفنانات». بعد هذا التقرير، الذي يعتبر سابقة في تاريخ المغرب، كثفت مصالح الأمن، وخصوصا شرطة المطارات، حراستها، وبدأ التحقيق مع عدد من الفتيات المتوجهات إلى أقطار عربية، وخصوصا سوريا ولبنان والأردن للتأكد من عقود العمل التي يتوفرن عليها. كما صدرت دورية أمنية وزعت على مختلف مطارات المملكة لتوقيف كل من اشتبه في سفرها بهدف ممارسة الدعارة، وذلك من خلال البحث في العقود التي يتوفرن عليها. لم تتمكن الفتيات ال26 اللواتي تم إيقافهن أخيرا بمطار محمد الخامس بالدارالبيضاء للاشتباه في «تعاطيهن للدعارة» من تخطي الحدود المغربية على خلفية دورية أمنية تدعو إلى مراقبة الفتيات المتوجهات إلى بلدان عربية، وخاصة تونس وتركيا ولبنان، تحديدا الفتيات اللواتي تقل أعمارهن عن 30 سنة، وتحمل بطاقات تعريفهن مهنة «فنانات»، أو «بدون». هذه الخطوط تعرف نشاطا كبيرا، حيث تستغل من قبل مافيا البغاء، التي صارت تركز على كل من تونس وتركيا، وهما بلدان لا يتطلب الدخول إليهما أي تأشيرة. التركيز على هذه البلدان تنامى، بعد اشتداد الخناق على شبكات الدعارة من قبل بلدان خليجية أخرى، خاصة الإمارات العربية المتحدة، التي أصبح الحصول على تأشيرة الدخول إليها أمرا صعب المنال، وخصوصا من المغرب. شبكات التهجير لم تقف مكتوفة الأيدي في ظل التشديد الذي فرضته بعض الدول، فصارت تبحث عن منافذ أخرى، خاصة تونس وتركيا، اللذين لا يمثلان إلا بوابة للعبور نحو الإمارات أو البحرين أو لبنان وسوريا، حيث تنشط أكبر شبكات البغاء بهذه البلدان، والتي تلجأ إلى «استيراد» فتيات مغربيات للعمل لديها بأكبر الكازينوهات والنوادي الليلية المعروفة على الصعيد الدولي، غير أن نقطة النهاية تكون دائما بالبلدان الخليجية، وخاصة الإمارات. وحسب معطيات توصلت إليها «المساء»، فإن عدد المسافرين إلى تونس على متن طائرات الخطوط الجوية المغربية خلال سنة 2008 بلغ 89 ألف مسافر، فيما تخطى عدد المسافرين على متن طائرات «لارام» إلى لبنان 40 ألفا و680 مسافرا خلال السنة ذاتها. وحسب مصادر أمنية، فإن ثلثي عدد المسافرين هن فتيات عازبات يوجهن للعمل كفنانات بفنادق أو في ميدان الحلاقة والتجميل. شبكات تهجير الفتيات المغربيات إلى الدول العربية، ومنها إلى الخليج، «قوة» متجذرة وموجودة، ويتعذر على المراقبين وضع حدود دقيقة لشبكاتها الممتدة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا لأسباب مختلفة، منها تورط أجهزة المراقبة وسهولة شرائها وإسكاتها، حيث تشكل هذه الشبكات لوبيا يتقوى بجميع السلط، وزعماء المافيا يتبادلون فيما بينهم خدمات ومساعدات ومنافع وتعقد الاتفاقيات... لأنها بكل بساطة «مافيا» متعددة الأوجه. وحسب تصريحات العديد من الفتيات اللواتي خضن غمار تجربة استثنائية في سوريا ولبنان، فإنه يوجد هناك «معسكرات إذلال» حقيقية تتعرض فيها نساء شابات للاغتصاب والترويض، حيث يتم الاحتفاظ بالفتيات «معتقلات في ما يشبه السجن»، لاستغلالهن في مجال الدعارة. وتوجد أماكن «اعتقال» خاصة بالفتيات والنساء المومسات. وتقود هذه «النخاسة»، التي تحترفها شبكات التهجير إلى سجنهن داخل بيوت مغلقة في ظروف شبيهة بظروف السجن. وتوجد أيضا أماكن تباع فيها المومس يوميا بثمن بخس لعدد كبير من الرجال... والواقع أن مقصورات الدعارة هذه تشبه بدورها الأقفاص. ويمكن القول إن مراكز اللذة الجنسية لم تعد مجرد بيوت مغلقة، بل أصبحت أسواقا ممتازة للجنس تديرها شبكات قوية من المحيط الهادر إلى الخليج الغادر.