في رسالة تحد لمذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ،دعا الرئيس السوداني عمر البشير الشعوب والدول الحرة في العالم إلى تشكيل جبهة لمواجهة الهيمنة والاستعمار الجديد وكسره وإبطال مفعوله وهزيمة خططه. "" وقال البشير في خطاب ألقاه بساحة الشهداء أمام القصر الرئاسي بالخرطومفي5 مارس :" أمريكا وأوروبا هم المجرمون الذين أبادوا الشعوب وكذبوا عليها ولن نخضع لهم أو نركع لأننا لا نركع إلا لله سبحانه وتعالى ، إننا جاهزون لمقاومة الاستعمار وهدمه". وعزا الاستهداف الذي يتعرض له من المحكمة الجنائية الدولية ودول غربية إلى أن السودان رفض الخضوع للاستعمار وكل أنواع الضغوط الاقتصادية والسياسية ، وندد في هذا الصدد بأدوات الاستعمار الجديد وهى مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية وصندوق النقد الدولي. وسخر من دول الغرب التي تتكلم عن انتهاكات حقوق الإنسان ، وأشار إلى ممارسات أمريكا ضد السكان الأصليين وجرائمها في فيتنام ، مضيفا أن المجرمين الحقيقيين هم الذين يريدون أن يحاكموا الآخرين. وندد البشير بأخلاقيات مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو وتعهد للسودانيين قائلا :" لن أقف إلا رافعا رأسكم ولن أخذلكم ، أنا رئيس السودان ولا بد ان أكون مثل الشعب السوداني معبرا عن قيمه ومدافعا عنه". مذكرة الاعتقال وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت يوم الأربعاء الموافق 4 مارس مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، على خلفية الصراع الذي يشهده إقليم دارفور. وقالت المحكمة إنه في حالة عدم تعاون السلطات السودانية فيما يتعلق بتسليم الرئيس البشير، فإنه قد تلجأ إلى إحالة ملف القضية إلى مجلس الأمن الدولي ، وهي خطوة من شأنها فرض مزيد من العقوبات على السودان. ويعد قرار المحكمة الجنائية الدولية، الذي تضمن سبعة اتهامات للرئيس السوداني هو الأول من نوعه الذي يصدر بحق رئيس أثناء فترة توليه السلطة . وجاء القرار بعد أن طالب مدعي عام المحكمة لويس أوكامبو في يوليو الماضي بإصدار مذكرة توقيف بحق البشير، متهماً إياه بارتكاب جرائم إبادة وأخرى ضد الإنسانية في إقليم دارفور، الذي تقول الأممالمتحدة إن النزاع فيه أسفر منذ عام 2003 عن سقوط 300 ألف قتيل وتشريد أكثر من 2.2 مليون شخص ، غير أن الخرطوم تعتبر أن هذه الأرقام مضخمة، وتعيد أسباب الصراع إلى عوامل محلية تتعلق بالصراع على الأرض بين القبائل، نافية تدخلها لصالح الأطراف العربية على حساب الأطراف الأفريقية الأصل. ردود الأفعال وقوبل القرار بردود أفعال سودانية وعربية غاضبة ، حيث أكد وزير الخارجية السوداني علي أحمد كرتي رفض الخرطوم مذكرة الاعتقال ، قائلا :" الرئيس البشير سيمارس مهامه كرئيس للجمهورية السودانية كالمعتاد، إنه رئيس غير منتخب من قبل المحكمة الجنائية الدولية أو مجلس الأمن". وأضاف أن الرئيس السوداني سيشارك في القمة العربية التي ستعقد أواخر الشهر الجاري بالعاصمة القطرية الدوحة، رغم تحذير المدعي العام للمحكمة الدولية لويس أوكامبو من أنه سيتم اعتقال البشير أثناء سفره إلى أي دولة عن طريق الجو. وفي السياق ذاته ، أعلن الناطق الرسمي باسم الخارجية السودانية علي الصادق أن الحكومة السودانية غير معنية بقرار المحكمة، التي وصفها بأنها أداة يسعى من خلالها الاستعمار لتحقيق مآربه، مشيرا إلى أن السودان لم يوقع على ميثاق روما ولم ينضم للمحكمة، وبالتالي لن يعترف بأي قرار أو حكم يصدر عنها، كما اتخذ كافة الترتيبات السياسية والأمنية والشعبية لمواجهته. وأكد أن الحكومة السودانية ستمضى في الطريق الذي اختطته حكومة الوحدة الوطنية فيما يتعلق بتحقيق السلام في دارفور وتحسين الأوضاع الأمنية والإنسانية هناك ، وحذر من الآثار السلبية التي قد تنجم عن مثل هذا القرار على الأمن الإقليمي وعلى بعثات الأممالمتحدة في السودان، واصفاً إياها بأنها مخالب للمحكمة الجنائية ومجلس الأمن الدولي والدول التي تقف وراء القرار، في إشارة للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وبجانب إدانة القرار ، قررت الخرطوم طردت 10 منظمات إنسانية غير حكومية وحل اثنتين سودانيتين لدعمها المحكمة الجنائية الدولية ومخالفتها لقوانين العمل الإنساني في أعقاب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة التوقيف بحق البشير . وشمل قرار الطرد منظمة "العمل ضد الجوع" و"أوكسفام " البريطانية و"التضامن" الفرنسية و"كير" الأمريكية و"أطباء بلا حدود" الهولندية و"المجلس النرويجي للاجئين" و"لجنة الإنقاذ الدولية" و"مؤسسة التمويل التعاوني الأمريكي" و"مجموعة الرحمة" الأمريكية و"إنقاذ الطفولة" الأمريكية ، كما نص القرار على حل منظمتين سودانيتين هما "مركز الخرطوم لحقوق الإنسان وتنمية البيئة" و"مركز الأمل لتأهيل ضحايا العنف". وعلى الصعيد العربي ، قرر وزراء الخارجية العرب في ختام اجتماعهم الطارئ حول قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني، الأربعاء تشكيل وفد وزاري عربي إفريقي للتوجه إلى مجلس الأمن للمطالبة بإلغاء القرار. وقال مندوب سوريا بالجامعة العربية السفير يوسف أحمد الذي تتولى بلاده رئاسة القمة العربية في تصريحات للصحفيين عقب الاجتماع إن وزراء الخارجية العرب قرروا التنسيق مع الاتحاد الإفريقي لتشكيل وفد وزاري مشترك للتوجه إلى مجلس الأمن لشرح الموقف العربي والمطالبة بإنهاء مفعول القرار. وأعرب عن الغضب العربي إزاء هذا القرار، مشيراً إلى أنه قرار سياسي بامتياز، وليس رسالة فقط للسودان أو البشير بل رسالة لكل العرب ، قائلا :" سنقع في الفخ الذي نصب لنا في حال عدم اتخاذ موقف حقيقي إزاء هذه الرسالة". وفي إطار ردود الأفعال الدولية ، قالت الصين إنها تشعر بالأسف والقلق حيال قرار المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة باعتقال الرئيس السوداني بشأن تهم جرائم حرب. وأوضح الناطق باسم الخارجية الصينية تشين قانغ أن المهمة الأولى للمجتمع الدولي هي المحافظة على الاستقرار في دارفور ومواصلة دفع العملية السياسة قدماً ومهمة حفظ السلام للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، مشيرا إلى أن بلاده تعارض أية تصرفات قد تؤدى إلى التدخل في الوضع العام السلمي لدارفور والسودان. مأزق كبير ورغم التعاطف السابق من قبل الصين إلا أن البشير يواجه مأزقا كبيرا، حيث أن حضوره للقمة العربية في الدوحة هو أمر محفوف بالمخاطر ،فقد ألمحت لورانس بليرون، الناطقة الرسمية باسم المحكمة الجنائية الدولية ، إلى احتمال مطالبة قطر باعتقاله. ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية عن بليرون قولها ردا على سؤال حول ما إذا كانت المحكمة ستوجه رسالة إلى قطر لاعتقال البشير عندما يصل إلى الدوحة :" سنأخذ الإجراءات الضرورية ، لا وقت للإضاعة وأنه إذا اقتضى الأمر اتخاذ بعض التدابير لطلب تعاون دول معينة لتوقيف البشير وتسليمه للمحكمة، فإنها ستقوم بذلك". وأضافت أن هناك 108 دول أطراف في معاهدة روما، ومن بين هذه الدول الأردن ومعظم الدول الأوروبية وبلدان جنوب أمريكا، إضافة إلى نصف البلدان الإفريقية من بينها تشاد ، مشيرة إلى أن الدول التي صدقت على اتفاقية روما هي "مجبرة" بحسب قانون الاتفاقية على التعاون مع قرارات المحكمة. وتابعت " الاتفاقية تنص على أن الدول الأطراف في المعاهدة مجبرة على الامتناع عن أي تصرفات من شأنها تعطيل موضوع وهدف المعاهدة ، تعاون الدول أساسي لتنفيذ مذكرة التوقيف، وبحسب القرار رقم 1593 الصادر عن مجلس الأمن والذي تم بموجبه تحويل قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن مجلس الأمن قد حث جميع الدول والمنظمات الدولية والمحلية المعنية للتعاون بشكل تام مع المحكمة". واختتمت تصريحاتها قائلة :" يعتبر السودان أيضاً مجبراً على التعاون الكامل مع المحكمة، إذ ينص القرار 1593 الذي صدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، أن على "الحكومة السودانية وباقي أطراف النزاع في دارفور، التعاون بشكل كامل وتأمين أي مساعدة ضرورية للمحكمة والمدعي العام، وذلك على الرغم من أن السودان ليس من بين البلدان الموقعة على اتفاقية روما، إلا أنه كونه عضواً في الأممالمتحدة، فإن على السودان أن يستجيب للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة ، وبموجب الفصل السابع، يمكن لمجلس الأمن اتخاذ أعمال عسكرية في حالات تهديد السلم والإخلال به".