لم تستطع زخات المطر، المتساقطة على "ضاية الرومي"، مسح نقاط الخلاف بين الصحافيين والحقوقيين، المجتمعين على بعد كيلومترات في "خلوة" نواحي مدينة الخميسات، بمناسبة جامعة شتوية أطلقت عليها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إسم "أفكار حرة". بدأ النقاش على الساعة العاشرة و النصف ليلا بعد وجبة العشاء بين خديجة الرياضي، منسقة أكبر ائتلاف حقوقي بالمغرب ومحمد الزهاري، رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان وفاطمة المغناوي مسؤولة مركز "نجدة" لمساعدة النساء ضحايا العنف من جهة، وثلة من الصحافيين، الذين بلغ عددهم حوالي 36 صحافي وصحافية ينتمون لعدد من اليوميات والجرائد الالكترونية والإذاعات الخاصة. ما حدود العلاقة بين الحقوقي والإعلامي؟ وما أوجه التشابه والاختلاف؟ وما هي ملاحظات كل فريق على أداء الفريق الثاني؟ وهل الصحافي مناضل بالضرورة أم أن صفة "النضال" تمس مهنية المحسوبين على سلطة يقال إنها الرابعة؟ أسئلة عديدة طرحت في دائرة نقاش صريح غابت عنه عبارات المجاملة. بالنسبة لفاطمة المغناوي فالشكايات التي يتلقاها المركز وحالات العنف المختلفة التي تقف عليها العاملات في مركز "نجدة"، بمناسبة عملهن الميداني، مادة إعلامية مهمة من شأنها المساهمة في الحد من الظاهرة وإيصال أصوات نساء مغتصبات أو معنفات أو مضطهدات لمجتمع في حاجة للإطلاع على أعطابه ومسؤولين سياسيين مطالبين بإيجاد الحلول لظاهرة مستفحلة تجعل النساء عرضة لأشكال مختلفة من الاستغلال.. غير أن الصحافة غائبة، تقول المغناوي، رغم كل محاولات التواصل التي يبدلها المركز. محمد الزهاري، رأى في مداخلته أن الصحافة ملل ونحل وأنه لا يحق إصدار الأحكام جزافا على الجسم الصحفي وكأنه كتلة متجانسة. غير أن الزهاري لاحظ نوعا من الانحياز من طرف جل المنابر الإعلامية في تعاملها مع ملفات، تعتبرها هيئات التحرير حساسة، ضاربا المثل بالتقرير الحقوقي المنجز في أحداث "أكديم إيزيك" أو المحاكمة العسكرية التي توبع فيها عدد من المتهمين في الإحداث التي صاحبت التفكيك معتبرا أن التناول الصحفي وجب أن يبقى منتصرا للغة الحقوقية التي تصاغ بها الوثائق بعيدا عن أي تسييس أو رقابة. خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، رأت أن دور الصحافي والحقوقي يتكامل وأن الرصد والملاحظة خاصية مشتركة بين الفريقين معتبرة أن مواكبة الصحافيين لعمل المنظمات الحقوقية مهم جدا من أجل إشاعة ثقافة حقوق الإنسان و التعريف بالخروقات التي تطال هذه الحقوق و حمايتها مؤكدة ما ذهبت اليه بعض المداخلات التي تتحدث عن ضرورة التفريق بين أداء المؤسسات الإعلامية المختلفة في رؤيتها التحريرية والتمييز بين صحافيين ينتصرون للمهنية وأخلاقيات الصحافة وآخرون يجعلون من قلمهم سيفا مسلطا على كل المبادرات الديمقراطية الهادفة للنهوض بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا. الصحفايون الحاضرون قدَّموا مجموعة من الملاحظات المرتبطة بأداء المنظمات الحقوقية حيث "عاب" بعضهم على الجمعيات ارتكانها إلى وسائل تقليدية في الاتصال وعدم الالتجاء للاستفادة الكافية من التكنولوجيات الحديثة حيث قال أحد الصحافيين "حضرت عشرات المرات لأنشطة تنظم من طرف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و سجلت عنوان بريدي الالكتروني لمرات و مرات غير أني لم أتوصل يوما ببيان أو دعوة لنشاط من الجمعية..". صحافيون آخرون اعتبروا أن مشكلة التنظيمات الحقوقية تكمن في النظر للصحافي من زاوية المناضل وهو أمر خاطئ، حسب بعض المتدخلين، حيث أن مهنية الصحافي تفرض عليه أخد مسافة من كل الفاعلين وإلا تحول الى مسؤول اتصال داخل تنظيم. طرف ثالث من مجموعة الصحافيين الحاضرين، استدعى الإعلان العالمي للمدافعين عن حقوق الإنسان، مشيرا إلى ورود الصحفيين في الإعلان بصفتهم مدافعين عن الحقوق كما أشار، أصحاب هذا الرأي، الى مواثيق المنظمات الصحفية الدولية التي ترى أن أخلاق الصحافي ومهنيته تقتضي مناهضته للعنصرية وعدم الدعوة إلى العنف أو الكراهية والإيمان بقيمة المساواة وهي، حسب بعض المتحدثين، قيم كونية تجعل من الصحافيين بشكل أتوماتيكي "مناضلين". في الصفوف الخلفية للقاعة، يبتسم أحد الصحافيين الشباب، معلقا على النقاش الساخن في ليلة "ضاية الرومي" الباردة، بالقول "في المغرب يكفي أن ينقل الصحافي الحقيقة دون تعليق ولا تنميق حتى يتحول الى معارض رغما عن أنفهن فالانتماء للحقيقة هو أكبر تهمة دونما انخراط لا في حزب و لا جماعة..".