أكد الكاتب والصحافي محمد البريني أن فرنسا بعد سقوط المغرب في أيدي الاستعمار وإخضاعه للحماية، خَطّتْ حدودًا تعسفية بينه وبين الجزائر الفرنسية، واقتطعت منطقتي بشار وتندوف من التراب المغربي وأخضعتهما للسلطة الفرنسية في الجزائر، لكنها وضعتهما في نطاق نظام الحماية، قبل أن تغير وضع منطقتي تندوف وبشار في بداية الخمسينات وتدمجهما في المقاطعات الفرنسية للجزائر. وذكّر البريني، في الحلقة الأولى من سلسلته التي تحمل عنوان "حكام الجزائر: 60 عاما من الجحود والغدر والمؤامرات والاعتداءات ضد المغرب"، بما نصّت عليه الاتفاقية الموقعة سنة 1961 بين الملك الحسن الثاني باسم المغرب، وفرحات عباس، رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، باسم الجزائر، موضحا "أسباب نزول هذه الاتفاقية". وأشار قيدوم الصحافة المغربية، في الحلقة الأولى التي اختار لها عنوان "الخيانة الأولى"، إلى ضرورة إلقاء نظرة خاطفة على بعض التحولات التي حصلت داخل جبهة التحرير الجزائرية، والتي أفرزت نظاما عسكريا من ضمن مشاريعه وأهدافه، معاداة المغرب، والسعي لإضعافه وزعزعة استقراره والتوسع على حساب حقوقه الوطنية. الحلقة 1: الخيانة الأولى يوم 6 يوليوز 1961، وقع الملك الحسن الثاني باسم المغرب، وفرحات عباس، رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، باسم الجزائر، على اتفاق بالرباط ينص على ما يلي: 1 "تؤكد حكومة صاحب الجلالة ملك المغرب مساندتها غير المشروطة للشعب الجزائري في كفاحه من أجل الاستقلال ووحدته الوطنية، وتعلن عن دعمها بدون تحفظ للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في مفاوضاتها مع فرنسا على أساس احترام وحدة التراب الجزائري، وستعارض حكومة صاحب الجلالة ملك المغرب بكل الوسائل كل المحاولات الرامية إلى تقسيم أو تفويت التراب الجزائري". 2 "تعترف الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من جانبها بأن المشكل الترابي الناشئ عن تخطيط الحدود المفروض تعسفا من قبل فرنسا فيما بين القطرين سيوجد حل له في المفاوضات بين حكومة المملكة المغربية وحكومة الجزائر المستقلة". 3 "ولهذا الغرض، تقرر الحكومتان إنشاء لجنة جزائرية مغربية ستجتمع في أقرب أجل لبدء دراسة هذا المشكل وحله ضمن روح الإخاء والوحدة المغربية". 4 "وتبعا لذلك، فإن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تؤكد أن الاتفاقيات التي يمكن أن تنتج عن المفاوضات الفرنسية الجزائرية لا يمكن أن تنطبق على المغرب فيما يخص الحدود بين الترابين الجزائري والمغربي". ما هي أسباب نزول هذه الاتفاقية التي تعترف فيها الحكومة الجزائرية المؤقتة بوجود مشكل ترابي ناشئ عن "تخطيط الحدود المفروض تعسفا من قبل فرنسا فيما بين القطرين"؟ بعد سقوط المغرب في أيدي الاستعمار، وإخضاعه للحماية الفرنسية، خطت فرنسا حدودا تعسفية بينه وبين الجزائر الفرنسية، إذ اقتطعت منطقتي بشار وتندوف من التراب المغربي، وأخضعتهما للسلطة الفرنسية في الجزائر، لكنها وضعتهما في نطاق نظام الحماية، أي أنها خصتهما بنفس النظام الذي فرضته على المغرب ولم تعتبرهما جزءا من تراب الجزائر الفرنسية التي كانت فرنسا قد احتلتها عام 1845، بعد انتزاعها من الإمبراطورية العثمانية، ثم أدمجتها في مجالها الترابي وحولتها إلى إقليم فرنسي تابع لها (الجزائر الفرنسية)، وسمتها عام 1837 باسم "الجزائر". وللتوضيح أكثر، كانت الجزائر تخضع لنفس الوضع الذي توجد عليه مناطق مثل "لاغوادلوب" و"لا غويان" و"لامارتنيك"... أي أقاليم فرنسا لما وراء البحار. لكن، في بداية الخمسينات غيرت فرنسا وضع منطقتي تندوف وبشار، وأدمجتهما في المقاطعات الفرنسية للجزائر. فما الذي حدث حتى تقدم باريس على ذلك؟ حدث تطوران أساسيان: الأول تصاعد نضال الحركة الوطنية المغربية من أجل تحرير جميع التراب المغربي من الاستعمار، بما في ذلك تندوف وبشار. وثانيها، اكتشاف معادن الحديد والمانغنيز في تلك المنطقة. لما انطلقت حرب التحرير الجزائرية عام 1954 حصل تعاون وتحالف بين البلدين من أجل الاستقلال. ولما حصل المغرب على استقلاله، واصل دعم الثورة الجزائرية. كل هذا خلق وضعا أزعج فرنسا إزعاجا شديدا، إذ كان يهدد بإنهاء حكاية "الجزائر الفرنسية" فما كان لها لتقبله. لجأت إلى نظرية "فرق تسد" لعلها تعدل ميزان القوى لصالحها، فعرضت على المغرب أن تعيد إليه أراضي تندوف وبشار التي اقتطعتها منه، مقابل تخليه عن مساندة حرب التحرير الجزائرية. بطبيعة الحال لم يتردد المغرب في رفض هذه المقايضة رفضا قاطعا. اعتبر المغفور له الملك محمد الخامس أن التفاوض مع الحكومة الفرنسية حول استرجاع أراضيه المقتطعة، يعد طعنة في ظهر إخواننا الجزائريين الذين يحاربون من أجل الاستقلال، ثم أضاف أن المغرب ينتظر حصول الجزائر على استقلالها لكي يعالج المشكل ويحله مع حكومتها. ثم واصل المغرب مساندة ونصرة جبهة التحرير الجزائرية بجميع الوسائل، حتى إن كثيرا من المواطنين المغاربة انخرطوا في عملية المساندة بجمع الاكتتابات والتبرعات المالية لصالحها. فكان رد فعل فرنسا هو اللجوء إلى الانتقام. من بين ما اقترفته آنذاك، قيامها عام 1958 بتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق (سميت عملة إيكوفيون) ضد جيش التحرير المغربي في الداخلة (فيلا سيسنروس آنذاك). في الظاهر كانت العملية من أجل دعم الجيش الإسباني الذي توالت هزائمه أمام جيش التحرير المغربي، لكن في حقيقة الأمر، كانت عملا انتقاميا من المغرب الذي رفض التخلي عن حرب التحرير الجزائرية. حصلت الجزائر على استقلالها وتحررت من اسم "الجزائر الفرنسية" عام 1962، وأصبحت، لأول مرة في تاريخها، دولة قومية تمارس سيادتها على أرضها وشعبها. كان لدعم المغرب وتونس السخي والقوي والمتواصل دور فعال في تحقيق الانتصار. فكيف عامل حكامها الجدد بلادنا لما لم يعودوا في حاجة إليها؟ وكيف تعاملوا مع الالتزام الذي تعهدت به حكومتهم التي قادت مع فرنسا المفاوضات المفضية إلى الاستقلال؟ قبل محاولة الجواب على السؤال، لعله من المفيد إلقاء نظرة خاطفة على بعض التحولات التي حصلت داخل جبهة التحرير الجزائرية، والتي أفرزت نظاما عسكريا من ضمن مشاريعه وأهدافه، معاداة المغرب، والسعي لإضعافه وزعزعة استقراره والتوسع على حساب حقوقه الوطنية.