إن المغرب يوم حصل على استقلاله، لم تكن حدوده محددة تحديدا واضحا لامن الشرق ولا من الجنوب. وكان سلاطين المغرب هم الذين يعينون الحكام المحليين لهذه المناطق التي يسيرون أمورها، اعتمادا على دعم سلاطين المغرب لهم في الأوقات العادية، وعلى عونهم العسكري في أوقات الاضطرابات. وبقي الأمر على هذا الحال إلى عام 1902، عندما أرسلت فرنسا قوة عسكرية إلى بعض هذه المناطق للسيطرة، عليها سيطرة لم تكتمل لها إلا عام 1934، يوم كان المغرب مجزءا وتحت الحماية، حينما أرسلت فرنسا قوة عسكرية فرنسية عبرت تندوف إلى موريطانيا، حيث التقت بقوة عسكرية فرنسية أخرى قادمة من الجنوب. بعد ذلك ألحقت فرنسا بعض هذه المناطق بالجزائر، قناعة منها إنها باقية في الجزائر إلى الأبد، إذ اعتبرتها امتدادا للأراضي الفرنسية، فأحدثت هذا الاقتطاع لأجزاء من التراب المغربي أسى وحزنا عميقا لدى كافة مكونات المجتمع المغربي، ملكا وحكومة وشعبا، وحينها تقرر العزم على استرجاع ما اقتطع من الأراضي المغربية، بعد أن استرجع المغرب استقلاله وتخلص من الاستعمار. وحينما أعلن المغرب استقلاله، كانت الثورة الجزائرية لاتزال قائمة توالي الكفاح المسلح، مستفيدة من الدعم الكامل واللامشروع الذي أمدها به المغرب دون تحفظ. ولهذه الأسباب رد المغرب عروض الحكومة الفرنسية القائلة بإرجاع ما اقتطع من أراضي المغرب وضم إلى الجزائر، وتحديد حدود واضحة بين المغرب والجزائر، واكتفى بتعهد خطي موقع من السيد عباس فرحات بوصفه رئيسا للحكومة الجزائرية المؤقتة، عهد ينص حرفيا على: «إن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تعترف من جهتها أن مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصفة جائرة، سيتوصل إلى حل بشأنها عن طريق المفاوضات بين حكومة المملكة المغربية وحكومة الجزائر، عندما تحصل الجزائر على استقلالها». وأضاف العهد الخطي: «ولهذا الغرض فإن الحكومتين قررتا إنشاء لجنة مغربية جزائرية تجتمع في القريب العاجل لدراسة هذا المشكل وإيجاد حل له، وذلك بروح الأخوة والوحدة المغربية. وتؤكد الحكومة المؤقتة الجزائرية من جديد أن أية اتفاقيات يمكن أن تبرم عقب مفاوضات فرنساوالجزائر، يجب ألا تتعارض مع مصالح المغرب، فيما يتعلق بتحديد الأراضي المغربية الجزائرية». وفاوضت حكومة الثورة الجزائرية المؤقتة الحكومة الفرنسية، واتفق الطرفان على إجراء استفتاء في الأراضي الجزائرية يقررون فيه الجزائريون مصيرهم. ولما حان موعد الاستفتاء، أكد وصرح سكان المنطاق التي اقتطعت من المغرب وضمت للجزائر إن الاستفتاء لايعنيهم، لأنهم مغاربة وبلاده من بلاد المغرب، ورفعوا علم المغرب، وسارع حينها قائد منطقة تندوف وهي من المناطق المغربية التي ضمها الفرنسيون للجزائر الى إعلان ضم منطقته الى المملكة المغربية، فردت الهيئة التنفيذية المؤقتة في الجزائر على ذلك بإرسال قوة درك عسكرية في المنطقة. وعمل حينها المغفور له صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني بحكمة وبروح الأخوة، وأرسل بعثة دبلوماسية الى الجزائر ذكرت بالاتفاق مع حكومة الجزائر المؤقتة وألحت على عقد اجتماع للجان المشتركة. ثم بعد ذلك أصبح ممثلو الحكومة الجزائرية يرفضون بحث المشكلة أصلا، مما أدى وقوع بعض الحوادث على الحدود، بتصعيد وهجوم من حكومة الرئيس بن بلا، حينما أرسل قوة عسكرية في شهر أكتوبر عام 1963 أمرتها بالقيام بهجوم مفاجئ على حاميتين عسكريتين مغربيتين ترابطان بحاسي البيضاء وحاسي تيمجوك، وإبادة الحاميتين المغربيتين اللتين لم تكونا مسلحتين إلا بالأسلحة الخفيفة، خلافا للجيش الجزائري المهاجم والمعتدي، مما ألهب الشعور الوطني المغربي، وجعل حزب الاستقلال الذي كان يومها في صفوف المعارضة يبلغ تضامنه للمغفور له صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني ومساندته في أي إجراء يتخذه دفاعا عن حوزة الوطن. ورد الجيش المغربي المهاجمين، واسترد موقعين ليفسح المجال أمام العمل الدبلوماسي وسرع مباحثات الحدود، ولكن حكومة بن بلا سلكت طريق التصعيد متعاونة مع جمال عبد الناصر الذي أرسل قوات عسكرية برية وبحرية وجوية لمقاتلة المغرب مع القوات الجزائرية، بدل أن يتدخل بالوساطة وإيقاف القتال وسلوك طريق التحكيم لحل هذا الخلاف، مما أدى إلى وقوع معارك عسكرية برهنت على كفاءة الجيش المغربي وقدرته على الدفاع عن وطنه دفاعا ناجحا، كان من بين مظاهره بعض كبار الضباط المصريين فوق الأراضي المغربية، ليتم بعد ذلك الإفراج عنهم وتسليمهم لمصر، ليبرهن المغرب عن مدى تشبثه بأواصر الأخوة العربية والسلم والأمن أمام المنتظم الدولي. وبذلك فإن مغربية الصحراء ثابتة بحقيقة تاريخية وشرعية قانونية تتجلى في روابط البيعة الموجودة عبر التاريخ ما بين سكان المناطق الجنوبية والسلاطين والملوك العلويين الشرفاء، وكذا الاعتراف الجزائري من خلال العهد الموقع من طرف السيد عباس فرحات بوصفه رئيسا للحكومة الجزائرية المؤقتة آنذاك. هذه الشرعية القانونية التي أكدتها محكمة العدل الدولية في قرارها التاريخي. ومن يهتف بغير ذلك فإنه يحجب الشمس بالغربال.