عرف تاريخ المغرب محطات بطولية كثيرة، كانت مصيرية في تاريخ العالم الإسلامي ككل، ومحددة للكثير من المعالم المتعلقة بحاضره. فالكثير من المواقف التي تعبر عنها شعوب كبيرة عبر العالم، ليست إلا انعكاسا للحقد الدفين الذي لم يمحى لحد الآن بسبب ما حققه المغرب من انتصارات و ما ألحقه بتلك الدول من هزائم. لنبدأ بالجار الشرقي الجزائر ونؤكد على أن الحقيقة الأولى التي لا يعرف عنها الكثير من الجزائريين شيئا، و التي هي من بين الأسباب الأولى و الأساسية لتفاقم العداء الجزائري للمغرب، هو أن الجزائر كدولة لم يكن لها وجود في التاريخ، باستثناء بعد الدويلات الصغيرة التي حكمت نفسها في فترات متقطعة من تاريخ البلد بمنطق قبلي ليس أكثر. فالجزائر دولة صنعها الاستعمار الفرنسي لدول المغرب العربي. لقد كانت الجزائر في الفترة الأكبر من تاريخها دولة تابعة للحكم المغربي. كما أن معظم المدن الجزائرية الحالية لم تعرف ازدهارا حضاريا أو عمرانيا أو ثقافيا يمكن أن يجعل لها تميزا على المستوى التاريخي باستثناء ما كان يعرف من حضارة على صعيد المغرب العربي ككل و الذي كان يشمل الجزائر بحكم تبعيتها للمغرب. و المثير هو أن الفتوحات الإسلامية لجنوب أوروبا و التي استهدفت كبداية المناطق الجنوبية لإسبانيا كانت انطلقت من مدينة سبتةالمحتلة على يد القائد الكبير طارق بن زياد (و هو الذي يرجح سبب تشبت الإسبان بهذه المدينة الرائعة)، لكن الأمر بالفتح صدر من الوالي الورع و الأمين موسى بن نصير الذي اتخذ من تونس الحالية مكان لتوسيع الفتوحات و الدعوة للإسلام على مستوى شمال إفريقيا.أي أن الجزائر لم تكن إلا مكانا لمرور المجاهدين الراغبين في المشاركة في فتح الأندلس. كانت فترة حكم موسى بن نصير المرحلة الوحيدة في حياة المغرب التي عاش فيها المغرب تحت حكم دولة من دول الشرق الإسلامي، تلتها فترات عديدة عرف فيها المغرب استقلالا تاما ابتدأ منذ الفترة العباسية و دخول المولى إدريس الأول للمغرب. لينتقل الحكم من تونس إلى المغرب و يبدأ هذا البلد الذي تغرب منه شمس العالم الإسلامي ببناء حضارة، رغم استقلالها عن الشرق إلا أنها ظلت تؤثر فيه بحكم علاقتها الوطيدة بالدول الإفريقية التي انفتحت على الإسلام و بأوروبا المسلمة أيضا. و قد أدت هذه العلاقة إلى ازدياد عداء بعد الأوروبيين للمغرب و محاولات نشر المسيحية فيه و التي ظلت مستعصية عن النجاح لحد الآن، خصوصا منهم الإسبانيين. فلا يمكن أن ننسى دور المغرب في أسلمة أوروبا منذ عهد الأمويين، و في الحفاظ على هذا الإسلام و الحضارة هناك لقرون. كما لا يمكن أن ننسى أن المغرب قد ألحق هزائم كبيرة في صفوف العدو الغربي خصوصا في المعركتين الشهيرتين، معركة الزلاقة و وادي المخازن. و أنه البلد الذي استطاع أبطاله أن يوصلوا الإسلام إلى الحدود الجنوبية من فرنسا. كما ساهم بشكل بطولي في دحر الصليبيين عن بيت المقدس عبر مساعدات لم تقدم أي دولة مثيلا لها للقائد المغوار صلاح الدين الأيوبي. فما كان هذا الأخير ليستأمن قوما على بيت المقدس أفضل من المغاربة الذين أوقف لهم حيا بمحاذاة المسجد الأقصى لم يوقفه حتى لأصحاب الأرض. هذه العلاقة الكبيرة بين الشخصية المغربية و دورها في حماية الإسلام في الشرق و الغرب جعلت أطماع الكثيرين تتركز حول هذا البلد. كما أن حقد الإسبان تجاه المغربة ظل دفينا و لم يتوقف لحد الآن. فاحتلال سبتة و مليلية لم يكن لأسباب اقتصادية أو سياسية لكن لأسباب عقدية، عملا بوصية للملكة إيزابيل توصي فيها بتشتيت و تفقير المغرب، و جعل أهله يدينون بالمسيحية لرفع العلم المسيحي على أراضيه عوض الهلال الإسلامي. و هي مرتبطة أيضا بإيقاف زحف الإسلام لأوروبا من المغرب في الحدود الشمالية المغربية. و رغم أن هذا الاحتلال تم في مرحلة كانت الأندلس قد عادت فيه لأصولها المسيحية إلا أن التخوف من المغرب و الحقد عليه لم يتوقفا لحد الآن. و هو ما يظهر جليا من خلال تعامل الإعلام الإسباني مع قضية العيون. كل هذه الأسباب و غيرها كثير، تؤجج حقد الإسبان على المغرب. هذا الحقد الذي يلتقي مع حقد أشقائنا في الجزائر (و لا أتحدث هن الشعب الجزائري بل عن حكوماته المتعاقبة) يدينون بدين التنكيل للمغرب و التشهير بسمعته و السعي إلى تفريقه. فلم تستقل الجزائر عن حكم السلاطين المغاربة إلا خلال الفتوحات العثمانية التي صعب على أحفاد محمد الفاتح ضم المغرب إليها. فاكتفى الأبطال العثمانيون بما وصلوا إليه من مناطق في الشمال الإفريقي و التي توقفت عند الحدود الشرقية لمدينة تلمسان و لم تدخلها أو تتعداها، في الوقت الذي بقيت فيه مجموعة من المدن التابعة الآن للجزائر تبايع السلاطين المغاربة حتى بعد انسلاخ الاستعمار الفرنسي منها. لقد عززت هذه الحقائق شعورا بالنقص لدى الجزائر بالنظر إلى تاريخ الدولة و أيضا حاضرها الذي لم يعرف تطورا كبيرا منذ الاستقلال في الوقت الذي يخطو فيه المغرب بخطوات ثابتة نحو التقدم يدعمه فيها موقعه الجغرافي الهام و قربه من أوروبا و أمريكا و انفتاحه على المحيط الأطلسي. لقد التقت مصالح الجزائر مع عداء الإسبانيين للمغاربة في قضية الصحراء المغربية. فحتى استقلال الصحراء عن المغرب ليست إلا وليدة الاستعمار الاسباني الذي سعى و يسعى جاهدا إلى تقسيم المغرب و تفريقة إلى دويلات. و إن كانت الجزائر الآن تستعين بإسبانيا من أجل دعم مطالبها التقسيمية للمغرب فذلك ظنا منها بأنها ستتمكن في يوم من الأيام من ضم الصحراء المغربية بعد استقلال الصحراء. الأمر الذي لا يمكن أن يتم بشكل نهائي. فمنطق العدو هو منطق يسعى للتشتيت لا للتجميع. و حتى لو حصل أن استقلت الصحراء عن مغربها فسيسعى الغرب إلى تقسيم الجزائر بدورها لدويلات عديدة ذلك لأن العدو لا يمكن أن يرضى بأن تبقى الجزائر بحدودها الحالية و الشاسعة و التي ليست إلا صناعة لاستعمار أراد في وقت من الأوقات أن يضم الجزائر إليه و يجعلها جزء منه. كما أن إسبانيا تسعى إلى جعل الصحراء دولة تابعة لها لا للجزائر. إن المؤسف في نضالنا من أجل قضية صحرائنا هو أن إعلامنا المغربي، و مقرراتنا الدراسية لا تعبئ بشكل كاف من أجل هذه القضية عبر إعادتنا لتاريخنا المجيد الذي من خلاله يمكن أن نستخلص دروسا للحاضر و المستقبل. هذا مع العلم أن أعداءنا يبنون مخططاتهم بناء على ماضينا و ليس حاضرنا، و بناء على انتصارات نسينا منها الكثير، و تناسينا الآخر و تجاهلناه، أو جهلناه تماما دون أن نبذل أي جهد في التعرف عليه. لكن هذا التاريخ التليد لا يمكن إلا أن يزيد من افتخارنا لانتمائنا لبلد عظيم كالمغرب، مازال أعداؤه يعدون العدة للتربص به و يحاولون الانقضاض عليه كلما سمحت الفرصة لذلك.