وسط "توقعات متشائمة" عبرت عنها مختلف المؤسسات المالية الدولية بخصوص استمرار تداعيات صدمة التضخم الناتجة أساسا عن الصراع في أوكرانيا، يطل العام الجديد 2023 محمّلا بشبح "ركود اقتصادي" يلوح تدريجياً ليستقر في أغلب اقتصاديات الدول، مما سيؤثر على مستوى المعيشة لدى الأسر وقدرتها على الادخار. المغرب لن يكون استثناء في هذا الصدد، متأثرا بامتدادات ظاهرة "التضخم المصاحَب بركود" (Stagflation). ووفقاً لأحدَث المؤشرات المتوفرة، يتضح من نتائج "البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر"، المنجز من طرف المندوبية السامية للتخطيط، أن "مؤشر ثقة الأسر تابَع، خلال الفصل الثالث من 2022 (إلى حدود متم شتنبر)، منحاه التناقصي، مسجلاً أدنى مستوى له منذ انطلاق البحث في 2008". وبخصوص الادخار والمعيشة، صرحت 53,3 في المائة من الأسر المغربية، خلال الفصل الثالث من سنة 2022، أن مداخيلها تغطي مصاريفها، بينما "استنزَفت 43.7 في المائة من الأسر مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض". كما أن معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها لم يتجاوز 2.8 في المائة؛ ليستقر رصيد آراء الأسر حول وضعيتها المالية الحالية في مستوى سلبي بلغ ناقص 40,9 نقطة مقابل ناقص 42,8 نقطة خلال الفصل السابق وناقص 36,4 نقطة خلال الفصل نفسه من السنة الماضية (أي 2021 قبل اندلاع الحرب الأوكرانية وآثار الجفاف). أما عن تطور وضعيتها المالية خلال ال12 شهرا الماضية، فقد أفادت أكثر من نصف الأسر المغربية (53 في المائة) أنها شهدت تدهوراً، فيما توقعت 16.5 في المائة منها تحسن وضعيتها مقابل 22.4 في المائة تنتظر تدهورها خلال ال12 شهرا المقبلة. وتعليقا على الموضوع، أكد عبد الرزاق الهيري، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن السنة الجديدة تحمل، فعلا، "محاذير توقعاتٍ أكثر تشاؤما بخصوص قدرة الأسر على الادخار"، بعد استقراء المعطيات الرسمية الصادرة عن الHCP، وما تلا ذلك من إقرار بنك المغرب بمتوسط معدل التضخم في 6.6 في المائة متم 2022، مما دفعه إلى رفع أسعار الفائدة في ظرف 3 أشهر فقط ب1 نقطة أساس. واستشهد الهيري، في معرض تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأرقام آخر بحث فصلي للظرفية الاقتصادية لدى الأسر، التي أكدت خلال الفصل الثالث من سنة 2022 أن 11 في المائة منها، فقط، قادرة على الادخار خلال ال12 شهرا المقبلة؛ وهو "مؤشر مقلق" حسب الخبير الاقتصادي، الذي نبّه إلى أن "كل العوامل السلبية اجتمعت (نسبة نمو ضعيفة، تضخم مع جفاف، ارتفاع البطالة) لتؤدي إلى تضرر الدورة الإنتاجية، لاسيما على مستوى العرض، مما يعني خفضَ القوة الشرائية للأسر بأثر مباشر". وتابع أستاذ الاقتصاد قائلا: "عموما، فإن دخل الأسر يُدَّخَر منه كل مبلغ يتبقى بعد عمليات الاستهلاك"، إلا أن توالي الأزمات الاقتصادية- بدءا من "كوفيد"، وصولا إلى تداعيات الجفاف والحرب- دفع تقريبا نصف الأسر إلى استنفاد ادخارها السابق، مما قد يهدد بخفض الاستهلاك، الذي يؤثر بشكل مباشر في خفض أو رفع نسبة النمو السنوية". وذهب الهيري في توقعاته إلى "إمكانية انخفاض الاستهلاك والطلب الكلي بالمغرب، والتي قد تصير واقعا في المستقبل القريب، لاسيما مع توقعات بارتفاع تكلفة القروض الممنوحة للأسر قصد الاستهلاك ومثيلتها للمقاولات قصد الاستثمار"، قبل أن يستدرك ب"صعوبة الجزم في الأمر منذ الآن". الخبير الاقتصادي ذاته لم يُخف مخاوفه من استمرار تدهور "مؤشر ثقة الأسر خلال 2023 بعد بلوغه أدنى مستوى له منذ 2008، العام الذي شهد أزمة مالية عالمية"، خاتما تصريحه بالقول: "يصعب الحديث عن ادّخار في زمن الأزمات، وتحقيق نسبة 4 في المائة المتوقعة في قانون مالية 2023 يبدو بعيد المنال في حال ما تراجعت وتيرة الاستهلاك وتناقص الطلب الداخلي الإجمالي".