لا أدري لماذا كلما شاهد أحد وثائقيا عن الحيوانات يشعر بصدق كأنه يشاهد الإنسان في بدائيته، في حقيقته كما هو، قبل أن يُقلِّمَ الدينُ طيشه، وأن ينظم العقل فوضاه...ويشعر كم نكاد نشبه هذه المخلوقات البئيسة. "" كم نشبه حيوانات الغابة حد التطابق في علاقاتنا بالآخرين من داخل الفصيلة أو من خارجها وفي حاجاتنا البيولوجية،...في جوعنا وفي خوفنا، في أنانيتنا القاسية وفي تعايشنا المشترك، كم نتطابق في إصرارنا على البقاء. ألا يشبه عالمنا الغابة؟ العالم غابة، البلاد غابة، المدينة غابة، الدرب غابة، البيت غابة، وفي كل غابة ثمة أسد يحكم. أسد يحكم بهيبته فقط كملك للغابة، ولا يتعب حتى في البحث عن طعامه...تكفيه حريمه شقاء الركض خلف الفريسة! وحول ذات الأسد تعيش الذئاب المغرمة بدسائس الليل؛ عين على القطيع وأخرى على الكلاب. بعض الحيوانات كالنمور والفهود مثل الأسود تماما تقتل غيرها من أجل أن تبقى هي. وبعضها كالحمير والأبقار والغزلان تموت هي كي يستمر غيرها في الوجود طويلا... ماذا سيحدث في الكون لو انقرضت هذه الوحوش؟ أشعر بالأسف وأبكي. لأن ما لا أفهمه هو كيف ترتكب هذه المفترسات قتلا يوميا من أجل تحقيق التوازن الطبيعي؟ ألا يتحقق هذا التوازن إلا بمزيد من التقتيل الممنهج الذي تقوده المفترسات؟ كل الحيوانات بلا استثناء تخاف من الأسد، لكن ليس كل الحيوانات تنازعه الفرائس وتهدد وجوده...فلماذا بدافع "الأمن" الغذائي يقضي الأسد فقط على الحيوانات العاشبة التي لا تُخيف مخلوقا ولا ترهب أحدا، فيما يترك الوحوش التي تهدد استمرار مُلكه تعيث في الغابة فسادا وتنشر الرعب بين القطعان؟ ولماذا يترك الأسد للضباع أحيانا فريسته طوعا أو تتخلى هي له عن فريستها مكرهة...هل هو تواطؤ على القطعان أم هي مصالح الأقوياء في عالم الغابة؟ فالحمد لله أننا لسنا في غابة حتى يُهيننا الأسد كلما شعر بالملل أويفترسَنا كلما أحس بالجوع... الحمد لله أن الضباع التي تترقب من بعيد اعتزال أو شيخوخة حيوان آخر كي تقيم حفلة لتمزيق لحمه...لا تعيش بيننا. والتماسيح المتربصة بالقطعان المهاجرة وبالحيوانات العطشى...لا مكان لها بيننا. الحمد لله أننا لسنا خنازير ترضى بالأكل المغمس في الأوحال ولا تثور. ولسنا النعامات التي تحمل أجسادا كالوحوش، وتدفن رؤوسها في الرمال مع أول هبة الخطر. الحمد لله أننا لسنا قردة حتى نُضحك الأسد، ولسنا حميرا مخططة لمآدب لبوءاته. الحمد لله أننا بشر ولسنا حيوانات. الحمد لله أننا لسنا قطيعا وبلادنا ليست غابة. [email protected]