يشهد المغرب هذه السنة موجة جفاف استثنائية، بينما كان هذا الوضع قائما منذ سنوات عدة بجهة الشرق، حيث أضحى مشكلة بنيوية ينبغي أخذها بعين الاعتبار في جميع القطاعات. في المجال الفلاحي، يركز الباحثون والمهندسون الزراعيون جهودهم على تشجيع واعتماد زراعات تقاوم الجفاف، وذلك بهدف دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمناطق القروية، مع الحفاظ قدر الإمكان على الموارد الطبيعية. ومن بين هؤلاء إلهام عبيدي، التي تراهن على "الكينوا"، وهو نبات عشبي من العالم الجديد تحتوي بذوره على قيمة غذائية عالية، فضلا عن أنه يمثل مؤهلا اقتصاديا مهما للغاية، خاصة بالنسبة للنساء القرويات. ولم تتوان هذه المهندسة الفلاحية بالمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لملوية، متسلحة بإرادة قوية وطاقة عالية، عن التردد باستمرار على المناطق القروية بجهة الشرق، سعيا إلى تحقيق هدف مزدوج متمثل في إدخال زراعة "الكينوا"، هذا النبات ذي المزايا المتعددة، والمساهمة في تمكين النساء القرويات من خلال إشراك التعاونيات النسائية في هذا المشروع. وأوضحت إلهام عبيدي، في تصريح صحافي، أن "بذور الكينوا هي نوع من الحبوب التي يمكن استخدامها في أطباق مختلفة، مثل السلطة أو السوشي أو الكسكس (...)، بل إنها أفضل من الأرز أو القمح، لأنها تحتوي على تسعة أنواع من الأحماض الأمينية"، وزادت: "إنه غذاء كامل، تم استخدامه مؤخرا في شكل أقراص كنظام غذائي لرواد الفضاء بوكالة ناسا". وأضافت الخبيرة ذاتها، المسؤولة عن برنامج الزراعات الجديدة المقاومة للجفاف والملوحة بالمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لملوية، أن "الكينوا" تستخدم أيضا في صنع الحليب للأشخاص الذين يعانون من مرض الاضطرابات الهضمية، وهو مرض مزمن يصيب الأمعاء وناتج عن استهلاك مادة الغلوتين، التي لا توجد في "الكينوا". وتم إدخال "الكينوا"، التي تعتبر أمريكا اللاتينية موطنها الأصلي، إلى المغرب في منطقة الرحامنة واليوسفية. وفي جهة الشرق، تقود إلهام عبيدي منذ أكثر من ثلاث سنوات، في إطار مشروع أبحاث بين معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لملوية والوزارة الوصية، أول تجربة لإدخال وتكييف هذه الزراعة مع الظروف المحلية، نظرا لقدرتها العالية على التكيف مع عدة أنواع من المناخ والتربة، فضلا عن مقاومتها الجفاف والملوحة. وأوردت عبيدي: "لقد اختبرنا عدة أنواع من الكينوا، والآن نعرف أيها أكثر ملاءمة للتربة والمناخ في هذه المنطقة. وبالنظر إلى التقلبات المناخية المستمرة فإن مقاومة الجفاف والملوحة يعتبر الرهان الحقيقي في الوقت الراهن"، مشيرة إلى أنه في هذا السياق من الضروري إدخال زراعات مقاومة لهذه التحديات، بهدف استبدال بعض الزراعات التي لا تتلاءم مع هذه الظروف، أو تنويع الإنتاج الفلاحي، وهو الهدف الذي تسعى إليه الإستراتيجيات الوطنية المختلفة في هذا القطاع. ولم تغفل إلهام عبيدي إبراز الوظيفة السوسيو-اقتصادية "للكينوا"، مشيرة إلى أن "هذه الزراعة تفسح المجال لنشاط التعاونيات الفلاحية، خاصة التعاونيات النسائية، التي يمكنها تثمين هذا النبات الذي سيوفر منتجا ذا قيمة غذائية عالية، ويمكنهن من الحصول على دخل منتظم لتحسين مستوى معيشتهن". وفي هذا السياق، تعاونت المهندسة الزراعية، التي تنفذ مشروعا دوليا لتعزيز زراعة "الكينوا" على مستوى جهة الشرق، بعنوان "الكينوا من أجل البحر الأبيض المتوسط" (Quinoa4Med)، وبدعم من برنامج بريما "PRIMA" التابع للاتحاد الأوروبي، مع تعاونيات بعدة أقاليم، ولاسيما التعاونية النسائية الحمري بجماعة بوغريبة بإقليم بركان. وقالت الخبيرة ذاتها: "تعاونية الحمري طلبت منا مساعدتها في إدخال هذه الزراعة لتنويع إنتاجها. ويتماشى هذا أيضا مع توجهات إستراتيجية الجيل الأخضر المتمثلة في الاهتمام بالعنصر البشري، وتحسين مستوى العيش وإدخال زراعات مقاومة للجفاف". وتقوم هذه التعاونية النسائية بتنفيذ جميع العمليات المتعلقة بهذه الزراعة في جميع مراحل سلسلة القيمة، من الزراعة إلى التثمين، في إطار السياسة التي تنفذها وزارة الفلاحة على الصعيدين المركزي والجهوي، بهدف تعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، خاصة لفائدة المرأة. ويركز المشروع أيضا، وفق المتحدثة، على الزيادة في المنتج من هذا النبات، من خلال اقتناء معدات تمكن من مكننة عملية التثمين؛ لأن المرحلة الأهم في هذه الزراعة تأتي بعد عملية الحصاد، خاصة في ما يتعلق بالقضاء على مادة "الصابونين" وإنتاج المشتقات، مثل "الكسكس" أو المعجنات، قبل الانتقال إلى التغليف والتسويق. تجدر الإشارة إلى أن طريقة الإنتاج المتبعة على مستوى هذه التعاونية هي عضوية بالكامل، دون استخدام الأسمدة الكيماوية أو المبيدات. ورغم ذلك، مازال مستوى الإنتاج مشجعا، مع مردودية تقدر بين 2 و3 أطنان للهكتار. وتتم زراعة ثلاثة أنواع من "الكينوا " بشكل تجريبي في هذه المزرعة، لتحديد الصنف الأكثر نجاحا، مع أفضل قيمة غذائية، الذي سيشكل بعد ذلك موضوع مشروع عملية التكاثر. وتعقد آمال كبيرة على هذه الزراعة، باعتبارها قطاعا جديدا وواعدا قادرا على تنويع الزراعة في جهة الشرق، والمساهمة في التنمية السوسيو – اقتصادية للمرأة القروية، وتوفير إجابات ملموسة عن مشاكل الجفاف والتغير المناخي.