تَعيش كرة القدم الفرنسية أزهى فتراتها بعد تتويج منتخب كرة القدم بلقب كأس العالم، الثاني في تاريخه، بعد عشرين سنة عن أوّل لقب في سنة 1998. حينها كان "الديكة" قد استثمروا في أبناء المهجر من أصول إفريقية لتشكيل منتخب أسعد أزيد من 60 مليون فرنسي، ليستمر ذات النهج في جمهورية التعدد العرقي، الديني والثقافي، لكن ما موقع الكرة المغربية من كل هذا؟ بين الأزرق والأحمر.. قلب يميل "أنا فرنسي من أصل مغربي، أحب البلدين وأنا فحور بذلك"، هكذا كانت كلمات عادل رامي، مدافع المنتخب الفرنسي وفريق أولمبيك مارسيليا، لحظات بعد تتويج "الزرق" بلقب "مونديال2018"، في صورة معبّرة لما عليه حال الآلاف من المغاربة الذي شاءت الأقدار أن ينشؤوا بعيدا عن موطن الوالدين، ويترعرعوا في فرنسا ويدافعوا عن ألوانها، خاصة هؤلاء الذي اختاروا احتراف هواية كرة القدم. عادل رامي، ليس أول من جسّد هذه الازدواجية "المغربية-الفرنسية" وهو يلعب لمنتخب "الديكة"، ففي زمن قديم، كان هناك رجل يدعى عبد الرحمان بلمحجوب، ابن مدينة الدارالبيضاء، الذي دافع عن ألوان المنتخب الفرنسي في الفترة ما بين 1953 و1955، بعد أن احترف الكرة في العاصمة باريس، هناك على ضفاف "الشانزيليزيه"، حيث الآلاف من الشباب المغاربة الذين شاركوا الفرنسيين فرحة تتويجهم بكأس العالم، خلال اليومين الماضيين، فخورين بموطن النشأة كما الأصل، حالمين يوم ما بدخول قصر "الإيليزيه" ولما لا تحقيق حلم الأب أو الأم، باللعب للمنتخب المغربي، كما كان الشأن للشاب أمين حارث، زميل كليان مبابي في منتخب أمل فرنسا، الذي اختار اللون الأحمر المغربي، خلال "مونديال" روسيا. فرنسا "تكون" والمغرب يصنع التشكيلة.. رسالة قوية حملها استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأبطال العالم، في قصر "الإليزيه"، غداة التتويج باللقب، حين استضاف في حديقته الرئاسية كل أطر الأندية التي كانت وراء تكوي ال23 لاعبا الذين ضمّتهم مجموعة المدرب ديدييه ديشامب، كما أن قوس "النصر" في العاصمة باريس، احتفى بكل واحد منهم على حدة، بالإشارة إلى مدينة أو بلدة النشأة، دون الاكتراث بالأصول الغينية لبول بوغبا أو المالية للاعب نغولو كانتي، على سبيل الذكر ليس الحصر، في إشارة إلى أن فرنسا الرياضة والكرة بصفة خاصة، تحتضن أبناءها المتفوقين، ممن تعلموا أبجديات الكرة بين مدارسها، بغض النظر عن الأصل أو الجنسية المزدوجة. إذا أسقطنا نموذج التكوين الفرنسي على تشكيلة المنتخب المغربي الذي شارك في نهائيات "روسيا2018"، سيتضح عدديا أن سبعة من مجموعة ال23 لاعبا، ازدادوا وتلقوا تكوينهم الكروي في فرنسا، قبل أن يختاروا، في فترات متفرقة تمثيل المنتخب المغربي، كل لاعتبارات يراها مناسبة، حيث جرت العادة منذ سنوات أن يتم اللجوء إلى أبناء المهجر من أجل تعويض الهشاشة على مستوى التكوين داخل المغرب، من أجل تشكيل معالم منتخب وطني قوي وتنافسي. أظهرت النتائج المحققة خلال العشرين سنة الأخيرة، على مستوى المنتخب الوطني الأول، ولو على عدم انتظامها، أن الفضل الكبير يعود إلى الطاقات المغربية المحترفة في الخارج، إذ أصبح من العرف أن تتركّز الأنظار على ملاعب فرنسا، هولندا، تركيا.. هناك حيث يتحرّك المنقبون بين الأكاديميات المحلية لخطف الجواهر التي تحمل عرقا مغربيا، والمؤهّلة لحمل القميص الوطني، بينما واقع حال التكوين المحلي "منعدم"، لم يتمكن من فرض نفسه داخل المنظومة. ظهور نجوم على غرار الإنجليزي هاري كاين، البلجيكي إدين هازار أو الفرنسي كيليان مبابي، لم يكن وليد الصدفة، فهذه الأسماء صعدت السلم، تدريجيا، تألّقت في "الشباب" قبل "الكبار"، هو ما يحيلنا إلى النموذج المغربي "الفاشل" الذي ترتب عن إنجاز سنة 2005، حين بلغ منتخب شباب المغرب نصف نهائي "مونديال" هولندا، بين مزيج من اللاعبين المحليين والمحترفين، أعطوا بوادر جيل قادر على البروز، سنوات بعد ذلك، كما هو الشأن للنجم الأرجنتيني ليو ميسي، الذي كتب شهادة ميلاد" الأسطورة" في تلك الدورة. لا شيء من ذلك تحقق، فلم يعد من "جيل 2005" سوى كريم الأحمدي، الذي لعب "مونديال2018" الأخير، في الوقت الذي تابع فيه البقية الحدث عبر شاشة التلفاز، كما لم يحدث ذلك الاستثناء الذي يكسر القاعدة بين الفينة والأخرى داخل المنظومة الكروية المغربية، التي أثبتت على مدار سنوات أنها لا تستثمر في نقطة الضوء التي تظهر تارة، إذ يظل الهرم مقلوبا إلى حين.. ننتظر أن يشكل "الآخر" قاعدته لنستوردها من أجل بناء القمة. من سيقنع "الفرنسي" بحمل قميص "الأسود" مستقبلا؟ هو نهاية جيل بالنسبة إلى كرة القدم المغربية مع صافرة نهاية "مونديال2018"، كما هي القاعدة في سائر المنتخبات، حيث يبدأ العمل منذ الآن من أجل تحضير الخلف، الشيء الذي لن يكون عسيرا على دول وضعت قواعد الفئات السنية سلفا، إذ بمجرد ما انتهت محطة روسيا، حتى تصوبت الأنظار نحو البطولات القارية للفئات العمرية الأخرى. في ظل فشل المنتخبات المغربية للفئات السنية في بلوغ حتى نهائيات كؤوس إفريقيا للأمم، يلف الغموض حول المنهجية التي سيتم اعتمادها خلال قادم الأشهر والسنوات لتحضير منتخب "قطر 2022"، إذ أن واقع الميدان يؤشّر على لجوء آخر إلى التفاوض، الجولات الأوروبية والإقناع، أساليب أضحت مألوفة على الناخب الوطني والإدارة التقنية التي تتولى شؤون المنتخب الأول، إذ تتم الاستعانة بخدمات أسماء تنشط في المهجر، حاملة لازدواجية الجنسية في غالب الأحيان. وتبقى فرنسا من بين "الأسواق" التي تزخر بها، كما أن الصحوة الكروية المحلية، من شأنها أن تكون سدا أمام مطامع خطف بعض المواهب الشابة، لاسيما أن الأخيرة ترى في اللعب ل"الزرق" صورة بطل عالم مستقبلا، كما هو حال بينجامان بافارد، لوكاس فيرنانديز، عادل رامي والبقية.. كيف سنقنع الشاب "المغربي-الفرنسي" حاليا بأن يختار تمثيل "الأسود"؟