يأتي فوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم لكرة القدم ليتوج سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي جعل من «عودة فرنسا» شعاره على الساحة الدولية. وتبارت الصحف الأجنبية الاثنين في الإشادة بالانتصار الفرنسي في موسكو وبأداء اللاعبين الفرنسيين، فصدرت بعناوين مثل «العالم عند أقدامكم» و»موسكو مفتونة، أفضل من نابوليون». وقال رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب في تغريدة موجهة إلى أبطال العالم الفرنسيين «بلادكم تعتز بكم». ورأى مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس باسكال بونيفاس أن «هذا الانتصار سيعزز صورة فرنسا لسنوات، وبالتالي وبشكل شبه تلقائي صورة الذي هو على رأسها». وأوضح أنه بعدما «استأثر بالأضواء» على مدى سنة، فإن ماكرون العازم على تجسيد بلد إصلاحات استعاد الثقة بنفسه، يشهد حاليا «مرحلة فتور». ورأى الباحث إن «نجمه ضعف قليلا بعد عدم التوصل إلى نتائج مع ألمانيا (حول إصلاح أوروبا) ومع الولاياتالمتحدة برئاسة دونالد ترامب». فطموحاته الأوروبية اصطدمت بضعف موقع حليفته المستشارة أنغيلا ميركل وصعود الشعبويين إلى السلطة، بما في ذلك في إيطاليا التي تعد من الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي. كما أن المبادرات الفرنسية تجد صعوبة في أن تترجم على أرضية الواقع بالنسبة لجملة من المواضيع مثل النووي الإيراني وليبيا وسوريا. ومع فوز «الديوك» الزرق في مونديال 2018، باتت فرنسا بطلة العالم لكرة القدم. وقال الخبير في الجيوسياسة الرياضية باسكال بونيفاس «حتى في كوريا الشمالية يعرفون بإنجازهم». وتحولت المحافل الرياضية، من الألعاب الأولمبية إلى المونديال، إلى أداة قوة، تلك «القوة الناعمة» التي لم تعد تأتي من النفوذ والسلطة بل من الصورة. وأكد أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة منطقة فرانش كونتيه ومؤرخ كرة القدم بول ديتشي أن «هذا الانتصار سينعكس حتما على فرنسا». وإن كان نجم فرنسا سيلمع بشكل أقوى مع استضافتها أيضا كأس العالم للريكبي عام 2023 ودورة الألعاب الأولمبية عام 2024، فإن الانعكاسات الدبلوماسية المحتملة لمونديال 2018 ستكون بالأحرى من الجانب الروسي. وقال بول ديتشي إن «الرياضة غالبا ما تكون حجة. رحلات ماكرون إلى روسيا لمباراة نصف النهائي، وخصوصا النهائي، يضاف إليها فوز فرنسا، كل ذلك يمكن أن يوجد فرصة لإقامة حوار مغاير مع بوتين». وفي مطلق الأحوال، فإن ماكرون اغتنم الفرصة ليمر بالكرملين ويبحث مواضيع الساعة الخلافية مع الرئيس فلاديمير بوتين، قبل الانتقال إلى ملعب لوجنيكي لحضور مباراة فرنساوكرواتيا. وتابع ديتشي «يمكن أن نتصور أن ذلك سيسهل حوارا بين فرنساوروسيا، تماما مثلما أتاحت مباريات لكرة الطاولة بين لاعبين صينيين وأميركيين عام 1971 إعادة نسج علاقات بين الصينوالولاياتالمتحدة». وبعد عشرين عاما على فوزها الأول بكأس العالم ورواج شعار «سود بيض أفارقة» لوصف فريق الأبطال، تظهر فرنسا مرة جديدة موحدة خلف منتخبها المختلط ما بين لاعبين فرنسيين وذوي أصول مهاجرة، وقد استعادت اندفاعها وقوتها بعد موجة الاعتداءات الجهادية التي هزتها. وهتف الأبطال الشباب مساء الأحد وهم بجانب ماكرون «تحيا فرنسا، تحيا الجمهورية»، وكأنما للتصدي للنزعات الانطوائية التي تنامت في السنوات الماضية. وكتبت صحيفة «لا مونتانيه» الاثنين ملخصة الشعور العام «نود أن نأمل أن تقرر فرنسا تلك الميالة عادة إلى الشك في نفسها والانغماس في انقساماتها، أن تستمد من ذلك الطاقة الضرورية للمضي قدما». ويتحتم الآن على ماكرون أن يوظف هذا الإنجاز في السياسة، وهو رهان يوازي تحدي المنتخب الأزرق جرأة. وقال باسكال بونيفاس «هذا يرفع معنويات البلاد، لكن ما سيكون له أهمية للعام 2022 (الانتخابات الرئاسية) هو معدل البطالة وليس النجمة الثانية»، التي باتت تزين قمصان لاعبي المنتخب بعد فوزه الثاني بالبطولة. مبابي أمل فرنسا لكتابة التاريخ عندما سجل كيليان مبابي الهدف الرابع لفرنسا في نهائي كأس العالم لكرة القدم أثار إمكانية نجاح فرنسا في السير على خطى هيمنة البرازيل على لقب البطولة بقيادة الأسطورة بيليه. وأصبح مبابي (19 عاما) ثاني لاعب شاب بعد بيليه يسجل في نهائي كأس العالم، حيث أهدت تشكيلة من الموهوبين فرنسا اللقب لأول مرة منذ 20 عاما، عقب تتويج 1998 في باريس. وفعل بيليه ذلك وعمره 17 عاما في 1958، في بداية فترة هيمنة برازيلية فاز خلالها الفريق القادم من أمريكا الجنوبية بثلاث بطولات لكأس العالم خلال 12 عاما، وبلغت ذروة التألق في الانتصار على إيطاليا في نهائي من جانب واحد عام 1970. ورغم زيادة المقارنة بين مبابي وبيليه إلا أن اللاعب المولود في باريس لا يزال ينتظره طريق طويل، يجب أن يسلكه حتى يقترب من معادلة إنجازات الأسطورة البرازيلية. لكن النضج المبكر للمتألق مبابي يمكن أن يكون دعامة للفريق الفرنسي، مع إمكانية الهيمنة على الكرة العالمية مثلما فعل بيليه وزملاؤه منذ أواخر الخمسينات حتى 1970. ومع وجود أنطوان جريزمان، أفضل لاعب في المباراة النهائية في موسكو، في خط الهجوم وبول بوغبا في خط الوسط وصامويل أومتيتي ورفائيل فاران في الدفاع تملك فرنسا أساسا ثابتا للبناء عليه. ويبلغ متوسط أعمار التشكيلة الفرنسية أكثر قليلا من 26 عاما، كما تملك وفرة من اللاعبين المتميزين لكن الطريقة التي تعامل بها الفريق مع البطولة بذكاء وثبات منحت سببا أكبر للتفاؤل بالمستقبل. واتسم الأداء الفرنسي خلال كأس العالم بالفاعلية والكفاءة والمهارة والهيمنة على معظم المباريات، دون إظهار قدر كبير من المتعة في الأداء. وخلال سبع مباريات خاضها بطل العالم في روسيا كان متوسط نسبة استحواذ لاعبي فرنسا على الكرة 48 بالمائة وسط عمل شاق دون كرة. ومن الناحية الخططية تمكن الفريق من التأقلم طوال البطولة، وإظهار مرونة وهي سمة تميز الفريق الناجح. وزادت فرص استمرار مسيرة الانتصارات بوجود المدرب ديدييه ديشان، الذي يتمتع بشعبية كبيرة بين لاعبيه وسيظل في منصبه لعامين إضافيين على الأقل. ويستمر عقد ديشان حتى نهاية بطولة أوروبا 2020، لكن مع مثل هذه الإمكانية الهائلة للبناء، فإنه بالتأكيد سيميل إلى تمديد البقاء. وقال ديشان عقب النهائي «اليوم كانت هناك أخطاء ولم نفعل كل شيء كما يجب، لكن نملك كفاءات ذهنية ونفسية كانت حاسمة للفوز». ومع وجود هذه الكفاءات والمميزات هناك سبب مشروع للاعتقاد بأنه سيكون هناك المزيد من الأيام المجيدة للكرة الفرنسية. أنهار بشرية تحتفي بالأبطال احتفل منتخب فرنسا المتوج بكأس العالم لكرة القدم للمرة الثانية في تاريخه بإحراز اللقب أمام مئات الآلاف من مشجعيه الاثنين في جادة الشانزيليزيه في باريس، ثم استقبله الرئيس مانويل ماكرون في الاليزيه. واحتشد مئات الآلاف قبل ساعات في «أجمل جادة في العالم»، للترحيب بأبطال العالم، الذين استقلوا حافلة مكشوفة وشقوا طريقهم بين الحشود. وكان قائد المنتخب الحارس هوغو لوريس، وإلى جانبه المدرب ديدييه ديشان، أول الخارجين من الطائرة، حيث قام برفع الكأس الذهبية الشهيرة قبل أن يتجه إلى السلالم ثم إلى سجادة حمراء. وسينال لاعبو المنتخب الفرنسي وسام الشرف بسبب «الخدمات الاستثنائية» التي قدموها للبلاد، كما حصل مع لاعبي المنتخب الفرنسي، عقب تتويجه بكأس العالم للمرة الاولى عام 1998. لكن قصر الاليزيه أكد أن تسليم هذه الأوسمة سيحصل بعد أشهر عدة. واستقبل ماكرون وزوجته بريجيت لاحقا بعثة المنتخب في قصر الإليزيه، حيث دعي نحو 3 آلاف شخص لحضور الحفل في حدائق المقر الرئاسي، منهم العديد من الشباب من أندية كرة القدم في العالم، ومنها بوندي حيث بدأ نجم المنتخب الحالي كيليان مبابي. وقال ماكرون للاعبي المنتخب «لا تتغيروا»، معتبرا أن هذا المنتخب الذي توج بطلا للعالم «جميل لأنه كان موحدا»، وشكر مجددا اللاعبين وإدارتهم. وعاد اللاعبون إلى بلادهم حاملين الكأس الذهبية، التي يبلغ وزنها 6.175 كلغ، منها 4.9 كلغ من الذهب الخالص، في مشاهد تعيد التذكير باحتفالات زين الدين زيدان وزملائه بالكأس نفسها خلال يوليوز 1998. وعلى امتداد المدن الفرنسية، طغت الاحتفالات باللقب على كل ما عداها منذ إطلاق الحكم الارجنتيني نستور بيتانا صافرة النهاية، وتحقيق المنتخب الفرنسي فوزا كبيرا على كرواتيا الصغيرة، التي كانت تمني النفس بتحقيق أول لقب في تاريخها، بعد بلوغها المباراة النهائية للمرة الأولى أيضا. وغصت شوارع باريس والمدن الفرنسية الأخرى، إضافة إلى المقاهي والحانات والشرفات، بالمحتفلين على وقع أبواق السيارات والمفرقعات النارية وترداد هتافات «لقد فزنا! لقد فزنا!»، و»(نحن) أبطال، أبطال العالم!». وكان أبرز المحتفلين في الشوارع، الجيل الفرنسي الشاب الذي لم يختبر فرحة مونديال 1998 بنفسه، ولم ير وجوه ديشان وزيدان وغيرهم ترسم على قوس النصر، وهو ما تكرر الأحد مع وجوه كيليان مبابي، الذي اختير أفضل لاعب شاب في البطولة، وأنطوان غريزمان وبول بوغبا وزملائهم. وقال ديشان «إنه إنجاز جميل جدا ورائع جدا. أنا سعيد حقا بهذه المجموعة، لأننا بدأنا من بعيد، ولم يكن الأمر سهلا دائما، ولكن بفضل العمل، والاستماع… ها هم هنا على قمة العالم لمدة أربع سنوات». وكان أبرز المهنئين للمنتخب الرئيس ماكرون الذي لم يخف فرحته في المنصة الرسمية لملعب لوجنيكي، ونزل إلى أرض الملعب برفقة نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والكرواتية كولينا غرابار-كيتاروفيتش لتسليم اللاعبين ميداليتهم. وغرد ماكرون بكلمة كافية ووافية عبر «تويتر»، «شكرا». وكانت نتيجة مباراة الأحد، الأكبر في نهائي لكأس العالم منذ مونديال إنكلترا 1966، حين فاز المضيف على ألمانيا الغربية بالنتيجة نفسها. وكان مواطنو كرواتيا البالغ عددهم نحو أربعة ملايين نسمة، يمنون النفس بالتتويج باللقب للمرة الأولى، والاستفادة من تواجد مواهب لافتة في تشكيلة المنتخب، يتقدمهم مودريتش وإيفان راكيتيتش وماريو ماندزوكيتش. إلا أن المنتخب الفرنسي، الذي أقصى الكرواتي من نصف نهائي مونديال 1998 عندما كان الأخير يحقق أفضل إنجاز له في كأس العالم (قبل 2018)، وذلك في المشاركة الأولى له كممثل لدولة مستقلة، قضى على الأحلام الكرواتية، وإن لم يمح بذلك فخر المشجعين الكرواتيين بلاعبيهم. وأبدى المشجعون فخرهم بما حققه اللاعبون الذين عادوا الاثنين أيضا الى بلادهم. وقال المعلق التفزيوني دراغو كوسيتش عبر قناة «اتش ار تي» الرسمية الأحد «يمكن لكرواتيا أن تكون فخورة، علينا أن نصفق لشباننا». وحيث الصحف الفرنسية الأبطال الذين «وحدوا البلاد». «أمس، اليوم وغدا (نأمل ذلك) نحن فخورون كوننا فرنسيين، من خلال هذا الفريق الذي يجمعنا ويمثلنا»، عبارة هلل بها دانيا ميراز في صحيفة «كورييه بيكار». باريس تغير أسماء محطات المترو أطلقت باريس اسم «ديشان زيليزيه – كليمونسو» على محطة مركزية، إشارة إلى المدرب ديدييه ديشان، حيث يسود البلاد جو من الفرح، بعد تتويج منتخب الديوك باللقب العالمي. وقالت الهيئة المستقلة للنقل في باريس «آر إيه تي بي» إنها تحتفل بنجاح المنتخب الفرنسي قبل تنظيم احتفالات النصر في الشانزيليزيه. وسوف يتغير اسم محطة «فيكتور أوغو» مؤقتا ليصبح «فيكتور أوغو لوريس»، على اسم حارس المرمى الفرنسي، فضلا عن تغيير اسم محطة «بيرسي» لتصبح مؤقتا «بيرسي لي بلوه»، وتغيير محطة «شارل ديغول – إيتوال» لتصبح «أونا دو إيتوال (بمعنى حصلنا على نجمتين)». ويشير وجود نجمتين على قمصان الفريق إلى الفوز مرتين بكأس العالم. واحتفل متحف اللوفر بفوز المنتخب الفرنسي، ونشر تغريدة بموقع تويتر تحمل صورة الموناليزا وهي ترتدي قميص المنتخب. ولم تكن محطات قطارات أنفاق باريس الوحيدة بين هيئات النقل التي تحتفل بالفوز وتكريم فريقها. ففي العاصمة البلجيكية بروكسل، تم تغيير اسم محطة «أرت-لوا» إلى «هازار- لوا» في إشارة إلى صانع الألعاب إيدين هازارد. وفازت بلجيكا بالمركز الثالث في بطولة كأس العالم. وقد احتفلت العاصمة بعودة أبطالها يوم الأحد. وفي لندن تغير اسم محطة «ساوثغيت» الواقعة على خط بيكاديلي مؤقتا إلى «غاريث ساوثغيت»، تكريما لمدرب منتخب إنجلترا، الذي استطاع أن يصل بالمنتخب إلى الدور نصف النهائي للمرة الأولى في بطولة كأس العالم منذ عام 1990.