"وَاثق الخطى يتجوّل في أدغال إفريقيا ملكا، حتى بلغ محطّة الأطلس، معلنا نفسه ذلك المنقذ المنتظر للأسد المريض، في مهمّة القلب والعمر بالنسبة إليه، ذلك أنه دائما ما جهر برغبته في تدريب المنتخب المغربي، رافعا تحدي إعادة الهيبة ل"الأسود" بعد سبات جعلها متأخرةً كثيرًا في وقت تقدّمت فيه المنتخبات الإفريقية وتعملقت.."؛ هي مقدّمة لبورتريه كتبته يوم تعيين هيرفي رونار، 16 فبراير 2015. مدرّبا للمنتخب المغربي خلفا للإطار الوطني، بادو الزاكي، فكان "الثعلب" منقذا بحق. تمكّن بدهائه من إزالة الكمامة عن وجه "الأسد الأطلسي"، آذنا بزئيره في إفريقيا، ومعلنا استرجاع المنتخب المغربي عرشه قاريا، أقحم نفسه في مهمة "انتحارية" قبل 20 شهرا من الآن، ذلك أن كل من دخل عرين "الأسود" كبيرا في الفترة الأخيرة، إلا وخرج منه صاغرا، ومع هذا وتحديات أعمق، فإن "اكتشاف" كلود لوروا أبى إلا أن يحقّق ما سعى إليه منذ فترة، عندما أصرّ على أن يشرف على المنتخب المغربي، مؤمنا بأن لمسته الساحرة، ستجدي لا محالة في استرجاع "الأسود" هيبتها في أدغال إفريقيا. المدرّب الأشقر الذي قضى فترة شبابه عاملا في النظافة، حيث راقص المكنسة لسنوات بعدما تبخّر حلمه في مداعبة المستديرة على طريقة الكبار عقب تعرّضه لإصابة في سن صغيرة إذ اكتفى بملامستها بشكل متواضع في صفوف أندية فرنسية مغمورة، قبل أن يرفع سقف أحلامه بتغاضيه عن تفصيل أن يكون لاعبا محترفا، ويصوّب هدفه في اتجاه التدريب.. فالمهم بالنسبة إليه، أن يظل داخل إطار الكرة مهما كانت الصفة. لم ييأس رونار وظل يقاوم من أجل حلمه إلى حين طرقه أبواب الثلاثين، حيث أتيحت له فرصة تدريب إحدى الفرق الفرنسية التي سبق ومارس لها، قبل أن يبتسم له الحظ ابتسامة عريضة، عندما سمع خبر بحث كلود لوروا عن مساعد له في تدريب إحدى أندية الصين، فعرض نفسه لتولي هذه المهمّة دون تردّد.. حينها تعلّم أبجديات التدريب من "الساحر الأبيض"، وتشرّب قواعد "الكوتشينغ"، قبل أن يتوجّه إلى إفريقيا مع معلّمه للإشراف على المنتخب الغاني ويحتك بأجواء الأدغال، قبل أن يصنع من نفسه سبُعا للقارة. ألقى رونار بثوب المساعد ليرتدي جلباب المدرّب الأوّل، ويزف نفسه عريسا للكأس التي استعصت على الكبار، ويتوّج بلقب "الكان" مع منتخب زامبيا عام 2012، ويواصل المسار متنقلا بين منتخب أنغولا واتحاد العاصمة الجزائري فالعودة إلى منتخب زامبيا ثم "الليغ 1" مع نادي سوشو، قبل أن يتوّج من جديد باللقب الإفريقي مع "الفيلة"، ويرجع إلى الدوري الفرنسي مع نادي ليل في تجربة قصيرة، وينتهي به المطاف في الرباط قبل أشهر لإنهاء تفاصيل تحقيق حلم تدريب "الأسود"، حيث خلف الزاكي بإرث ثقيل شهد على تقسيمه 35 مليون مغربي متعطّش لبسمة إنجاز كروي وطني غابت عن محياها منذ زمن طويل. إشراف "الثعلب" على ترويض "الأسود"، ورغم كل الظروف المتوفّرة، من منحه "الكارت بلانش" في ترميم العرين، وتحصينه من ضغط الشارع الرياضي المغربي، لم تكن سهلة خاصّة في بداية المهمّة، عندما انتظرت فئة كبيرة زلاته لمهاجمة فوزي لقجع، رئىيس الجامعة، ومساءلته عن الداعي وراء التعاقد مع مدرّب فشل مع أندية الليغ 1، في وقت كان فيه الزاكي ماضيا في تحقيق الأهداف.. لكن رونار ثار عندما اشتد الاختبار، وأجاب بابتسامة تحمل خبثا في وجه المشكّكين "هذا أنا، هذا رونار الذي فك عقد المغرب أمام الكوت ديفوار لأزيد من عقدين في الكان، وعبر بكم إلى ربع المسابقة بعد غياب طال.. والآن ها أنا أقودكم لمشاركة مستحقّة في المونديال بعد 20 سنة من السعي". هو أوفى بكل الوعود، وأحرز العلامة الكاملة في سجل أهداف تعاقده مع الجامعة التي كانت قبل سنتين أحلاما صعبة التحقق، جعل من المنتخب المغربي بتكتيكه المتوازن محط إعجاب العالم، بل إن الأرقام تضع "الأسود" الآن في خانة الأفضل قاريا، بل وأكثر العرب استحقاقا للوجود في مونديال روسيا.. والآن، بعدما استحوذت على ثقة الملك والشعب، أي مفاجآت سارة ترسمها بسحرك من أجل تاريخ "الأسود" يا رونار؟